التحدي وعدم الاستسلام هما بداية الطريق لانتصار الشاب على واقع مؤلم محزن وكما يقول أحد الفلاسفة الإنسان الفعال هو الذي تزيده العوائق تصميماً وعزيمة، فمن يصمم ويضع غاية نصب عينيه و يعمل لأجلها بجهد دؤوب يصل إليها بلا أدنى شك .
وكم من شاب صنع المستحيل وتحول من رقم على الشمال إلى رقم آخر صعب وأصبح له مكانة وأهمية كبيرة ، أمثلة كثيرة حول التحدي نعرفها جميعاً في مجالات شتى ... فهذا نجح وأبرع بمهنته حتى صنع المعجزات وذاك انتصر على مرض قد ألمّ به علماً بأنه قد قتل آخرين ..
وجميع من حول هذا الشاب المريض بمرض الموت كان ينتظر مكرهاً موته إلا أن الأخير فاجأ الجميع بعزيمته وإرادته ليعود صحيحاً معافى في حين نرى شاباً آخر لا يملك قوت يومه واليوم أصبح ثرياً صاحب شركات ومصانع هذا وأكثر من ذلك نراه بأم أعيننا .... وعلى الطرف الآخر نرى شباناً آخرين استسلموا لواقعهم ووقفوا عاجزين لمجرد وجود بعض التحديات والعقبات البسيطة ، وانتهى بهم المطاف إلى فقر مدقع أو حالة هستيرية تسببت بالمرض أو بالانتحار .
ـ الجماهير أجرت بعض اللقاءات مع شباب ممن تركوا بصماتهم على الواقع .
الشاب (محمد .ع) عاش طفولة مؤلمة لم يكمل دراسته بسبب الفقر والحاجة وكانت حياته مليئة بالكفاح والعمل ، وبداية مسيرة حياته المهنية كانت بصفة عامل بين آلات المطبعة وبعد عدة سنوات من العمل المتفاني انتقل بعدها إلى العمل بتجارة الورق وقد وفَرَّ له ذلك المزيد من الدخل ثم انتقل بعدها إلى المزيد من الإبداع فَعمل بتركيب وصناعة الأحبار وكل هذا وأكثر قد تحقق له مع الصبر والأمانة والصدق كما يقول لنا ورغم أنه لم يكمل دراسته ويحصل على الشهادات العلمية إلا أن ذلك لم يكن عائقاً أمامه في سبيل بلوغ مكانة علمية وثقافية مرموقة وخبرة نفسية مميزة والأروع من ذلك أنه قد ألف العديد من الكتب الفلسفية والنفسية وزعت في دول عربية وأجنبية عدة وقد دُرس أحد كتبه لعدة سنوات متتالية بجامعة حلب وأصبح مقرراً لطلاب قسم الفلسفة ، والمال الوفير هو الآخر أصبح موجوداً لديه وبرأيه المال حاجة وليس الهدف .
وأصبح كل ما يصبو إليه سهل المنال ... هذا لم يكن بين عشية وضحاها وقد أنهى محمد كلامه بأن اليأس مقبرة التحدي والنجاح وآخر نجاح له كان في ابتكار ورق تغليف السكاكر الذي نجده اليوم على قطع السكاكر والحلوى في الأسواق وكان هو البديل الأجود والأفضل لورق السلفان المعمول به سابقاً في تغليف السكاكر .
في حين نرى الشاب وحيد نعمة مدرسة أخرى للتحدي والانتصار على الذات في الجانب الصحي وذلك بعد أن ساءت حالته كثيراً وأصبح قاب قوسين أو أدنى من مفارقة الحياة وذهاب الروح إلى بارئها الأعلى وذلك بعد أن أصابه مرض السرطان المميت الشاب وحيد لم يحزن ولن يجد اليأس طريقاً إلى قلبه النابض وكل ما سمعه من الأطباء والممرضين لفظاً ومعنى لم يهبط من إرادته وعزيمته ومارس حياته العادية وكأن شيئاً لم يكن مع استمراره في متابعة زيارة الطبيب وأخذ جرعات الدواء بمواعيده النظامية ، وقد كان كل من حوله من أهل وأقارب وأصدقاء حزين ومحبط لأنهم يعرفون جيداً ما ينتظر قريبهم وحيد.
إلا أن الأخير كان قوياً وصامداً وصاحب إرادة وعزيمة عالية وأيقن تماماً بأنه سوف يشفى من مرضه ولو بعد حين وبالفعل هذا ما كان ، فقد ذهب المرض عنه إلى غير رجعة وعاد سليماً معافى
أما الشابة عبير فقد تحدثت لنا بثقة وجرأة والحياة برأيها تصميم وعمل وبالتالي يمكن الوصول إلى الهدف المنشود مهما صعب وعن تجربتها الشخصية قالت شاءت الأقدار وبسبب حرص الأهل وخوفهم الشديد أن أغادر مقاعد الدراسة وأعيش حياتي مع أفراد أسرتي ضمن جدران المنزل ولسوء حظي لم يكتب ليِّ النصيب أن ارتبط مع فارس أحلامي وابني أسرة رغم وصولي إلى عمر /32/ سنة حتى أنني شعرت بأن جميع الطرق مسدودة أمامي ولا مناص من التعاسة والبؤس وتابعت وذات صباح وأنا أرتشف القهوة خطر على بالي أن أعيد دراسة الثانوية العامة وأكمل دراستي الجامعية وأعيش بين أفراد المجتمع أؤثر وأتأثر وبالفعل تقدمت بأوراقي لامتحانات الثانوية وحصلت على مجموع عالٍ ويؤهلني لدخول كافة الأقسام والفروع الأدبية بالجامعة إلا أنني سجلت في قسم اللغة العربية كوني من هواة اللغة والأدب والآن بعد تخرجي من الجامعة فقد سجلت في الدراسات العليا بعد حصولي على معدل جيد جداً ،والآن أصبح النجاح والتفوق شغلي الشاغل وبدأت أشعر بالسعادة والراحة النفسية لما وصلت إليه وأصبحت حياتي ذات هدفٍ ومعنى .
وهذا وقد أضاف لنا الشاب عامر نموذجاً جديداً عن معنى التحدي والانتصار وعلى الواقع فقد بدا من نقطة الصفر وتزوج من شريكة حياته ضمن ظروف صعبة جداً فهو لا يملك محلاً أو منزلاً أو سيارة ، والشيء الوحيد الذي يملكه هو المهنة مع الاحتراف التام وخطوة بخطوة وجد نفسه وقد عرف كل شيء تقريباً عن صنعته في مهنة تعويض الأسنان ليغادر مخبر معلمه ويفتح مخبراً يحمل اسمه وبصعوبة كبيرة استطاع أن يبدأ عمله الجديد وخلال سنوات قليلة جداً لم تتجاوز /6/ سنوات أصبح عامر اسماً لامعاً في عالم التعويضات السنية وصار له دخل جيد فاشترى منزلاً جميلاً ومحلاً لممارسة المهنة وسيارة خاصة وقد أصبح المال متوفراً لديه حتى حقق الكثير من أحلامه ونصيحته إلى كل شاب بأن يعمل باحتراف وتميز في مهنته .
لنا كلمة
ـ التحدي يؤدي إلى الانتصار والانتقال من واقع مؤلم بائس إلى نجاح وتفاؤل يعقبه السعادة وتحقيق الذات وشرط أن يكون التحدي مع الإرادة والتصميم ،وبه تصنع المعجزات ويصبح الصعب سهلاً والقاسي طرياً حتى أن مقولة لا مستحيل تحت الشمس نراها شيئاً مألوفاً لا غرابة فيها ، والجدير ذكره بأن ما تناولته خلال بحثي هذا من نماذج عن شباب عرفوا معنى التحدي وغيروا واقعهم كان عن شبان أعرفهم وأراهم حولي عن معرفة وقرب وهنالك من هو أكثر منهم قوة وتميزاً حتى أنهم أصبحوا من مشاهير العالم ، نأمل أن نحقق الهدف المنشود من كتابتنا هذه من خلال إيصال رسالة مفادها أن الحياة جميلة مع العمل والإرادة وأن نقول لكل شاب إبدأ حياتك بالعمل فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة .
الخبير النفسي محمد عنداني حول موضوع التحدي يقول :
اعتقد بأن المعنى الحقيقي لمصطلح التحدي الذي نجده في النزاع الطبيعي الغريزي القائم بين الحيوانات اللاحمة المفترسة والحيوانات التي تتغذى على النبات وبين حالة التحدي بدافع الغلبة بين بعض الناس وهذا هو الجهل بعينه أو أنه عمل من كيد الشيطان .
أما التحدي القائم بين الإنسان والصعوبات التي تعترض طريقه عبر هذه الحياة كالمرض والخوف ومنازعة الشاب للفقر والعوز بالعمل غير المشبوه بالمحرمات ومتوازن مع قيم وقوانين الأخلاق مصطحباً الصبر والصدق ، فهو كفاح مفترض وانتصار عظيم في كافة الأحيان لأن التقاعس عن العمل أشد خطورة من الفقر ولكن كيف يمكن للشاب تحقيق هذا الهدف وفكره محاصر بالشهوات والرغبات السلبية ودماغه لم يكتسب شيئاً من الخبرات العملية ذات الفائدة بتحديه للفقر على الرغم من أن الإنسان البدائي الموغل في القدم كان متفكراً باحثاً يختبر كل الأشياء مما مكنه العمل في مجال الطب والمداواة بالأعشاب واكتشاف الزراعة فحرث الأرض وحصد الزرع وطحن حبوب القمح بأدوات ابتكرها وبيديه صنعها من الحجر أو الحديد أو الخشب وحول جذوة الصوف إلى خيوط قابلة للنسج وصالحة لحماية الجسد من الحر وشدة البرد وتعلم فن الخياطة بعد أن تعرف على سر صناعة إبرة المخيط وعلى هذه النشاطات الفكرية والعملية تطور الإنسان البدائي وقامت الحرف اليدوية والتي كانت نقطة البداية للتطورات التي نهضت بوسائل الإنتاج والأتمتة الصناعية لاحقاً .
وهذا ما يشير إلى أن الإنسان ليس باستطاعته أن يأتي بشيء خارج حدود هذه الأرض وإن الموجودات على ظهرها قبل باطنها هي لعبته ومجال كسبه وربحه فهناك من الدول المتقدمة والفقيرة من بعض الخامات الطبيعية كالنفط وبعض المعادن يقوم اقتصادها على الصناعات التحويلية ومن هذه الدول ألمانيا الصناعية المزدهرة بتصنيع آلات الطباعة الدقيقة منذ عصور خلت والسيارات والأدوات الصناعية المعروفة بجودتها وهكذا إيطاليا المتألقة بدباغة الجلود بطريقة متطورة وصناعة أجود الأحذية والألبسة المفضلة لدى الشعوب العربية كذلك فرنسا المشتهرة عالمياً بصناعة العطور الطبيعية والأدوات والوسائل التجميلية التي تتهافت عليها النساء من كل حدب وصوب .
فالعمل النافع لا يتحقق بلسان ساحر جذاب أو اعتقاد بمقولة قد قرأها الشاب في كتاب تجاري فارغ المضمون تدله على أن يكون ثرياً بلغة اللسان وتحفيز الدماغ بنشاطات غير مجدية فهذا محض هراء فالماء على سبيل المثال وقليل من الملونات والمنكهات والطعومات الطبيعية يصلح لأن يكون عملاً صناعياً تجارياً يدر على صاحبه الرزق القابل للتضاعف بعد اعتياد الناس على طعمه وألوانه وهل هذا العمل البسيط يحتاج للجهد الشديد والمال الوفير ؟ وماذا يمنع الطالب من مزاولة مهنة تكون صنعة في يده بجانب دراسته أم أن لدينا مشكلة نفسية خطرة مردها مناخ بيئة اجتماعية جاهلة تدفع حتى بعض أبناء أصحاب الحرف الضرورية للتنكر من آبائهم لشعورهم بالعار من المهن التي يحترفونها ولا تمكنهم من جمع المال الكثير لشراء قصر منيف أو لإنشاء مكاتب فخمة أو شركات عالمية وهل يتهم الحيوان بالجنون أو الانحراف أو بالإصابة باعتلال الشخصية ، أم أن ذلك ينطبق على الإنسان المنجرف عبر المظاهر والشهوات ؟.
إذاً ، التحدي الذي يظهره الشاب اليوم ليس من أجل التفوق على الفقر الذي يقتله الوعي والعمل إنما بدافع العار من أنه ليس من عداد الأثرياء فحض الشاب على العمل بيده يصنع منه رجلاً متفوقاً متزناً أما دفعه للانحلال في حب الثراء فيجعله انتهازياً بامتياز وما بين الدافع للثراء وبين الدافع للانتصار على الفقر فارق واسع لا حدود له وهذا ما أفسد عقول بعض أصحاب المهن والحرف الحرة وجعلهم غير صادقين بأعمالهم وبالتعامل مع زبائنهم إلى أن يأتي يوم ينتقل فيه هؤلاء من أصحاب حرف حرة إلى أجراء يعملون لدى شركات خاصة مصنعة تتطلب أعداداً كثيرة من العمال ،وهذا ليس نذير شؤم أو ضرب من ضروب الوهم إنما هذا واقع لا محالة ويبقى التساؤل وارداً ، هل كنوز الأرض تفي بالغرض لأن يحقق الإنسان سعادته وأمنه واستقراره ويتألق بشخصيته السوية وهو منحرف عن قوانين القيم والأخلاق خارج عن وصايا ربه وخالقه كالأعمى لا يفرق بين ظلمة الليل وضوء النهار ؟..