news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
كأس الحنظل ... بقلم : محمد عصام الحلواني

بسم الله الرحمن الرحيم


كانت المائدة صغيرة الحجم تتناسب مع حجم الشرفة المطلة على الشارع وكان المنظر من الأعلى رائعاً فهناك حياة وحركة في الشارع الذي يعج بالمارة والسيارات .  

 

نظر الأب الذي جاوز الستين منذ أيام . إلى أسفل فوجد ولده يدخل إلى البناء . فسارع وفتح له الباب فهو يعاني من وحدة قاتلة ولعل أبنه يسليه . دخل الابن وسلم على والده بفتور وجلس معه إلى الطاولة على الشرفة . سأله الأب عن أحواله وعن سبب تأخره بزيارته فهو لم يره منذ أشهر .

 فقال الولد بنفور : مشاغل الحياة

 

الأب : وكيف زوجتك وأطفالك

الابن : تمام

الأب : وكيف العمل

الابن : تمام

 

شعر الوالد بأن أبنه يختصر في أجوبته . فأصابته الكآبة وقال في نفسه ما به لعله يشعر بالضيق من شيء .

ثم أبتسم الوالد من جديد ونظر إلى أبنه بعطف وقال : بني أأنت متضايق من شيء ؟ .

فقال الابن : لا أ علم ولكني كلما أتيت إلى هنا تذكرت والدتي رحمها الله . وخلافك الدائم معها . وبصراحة لن أستطيع أن أغفر لك أنها لم ترى معك يوم فيه سلام وهدوء .

 

فقال الوالد : بني هذا رأيك وأنا لي رأي أخر . أنا أيضا أفنيت عمري في الخلاف معها وهذا شيء قد مضى وهي رحمها الله الآن بين يدي الحق .

فقال الابن : مضى بالنسبة لك وأنا لا أتي هنا إلا نزولاً عند رغبة إخوتي .

فقال له الأب : بني لما قلبك قاسي هكذا أنا ما ربيتك هكذا .

 

فقال الابن : أنت لم تتعب في تربيتي بل أمي من ربتني . وأنا من تعب على نفسه .

هنا ترقرقت دمعة في عيني الوالد وقال : بني سامحك الله إنما حزني ليس منك بل عليك فستشرب من نفس الكأس التي تسقيني منها الآن . ثم هب أنني كنت أظلم والدتك فهذا أمر بيني وبين زوجتي وبين الله سبحانه وليس لك أن تحاسبني .

 

الابن : أنت لم تفهمني يوما ولن تفهمني :

الأب : وماذا تريد مني  أن أعتذر لك عما كان يحدث بيني وبين زوجتي رحمها الله . طيب يا بني أنا جداً أسف فالرفق بي وأنا قد تجاوزت الستين من السنون . وقد أفنيت عمري كاملا في تأمين الحياة الكريمة لك ولأخوتك ولأمكم . بني إن ما تفعله اليوم معي . سيفعل مثله وأضعاف مضاعفة ابنك معك في المستقبل . ولا أحب لك أن تتجرع مرارة المعاناة مع ولد عاق  . هداك الله يا بني .

 

لم تعجب هذه الكلمات الابن وخرج من بيت أبيه يدمدم ويكلم نفسه مستهجنا من تصرفات  أبيه . ! .

 

وبعد يومين توفي الأب وفي عينيه دمعة حارة . ولما رآه  أولاده على هذه الحال . بكوا جميعاً وأقاموا مراسم الدفن والعزاء على والدهم المرحوم . ومضت الأيام تتسارع والسنين تطوي العمر كطي السجل للكتاب . إلى أن أصيب الولد العاق بالعجز التام وصار أولاده يتناوبون على السهر عليه والنظر في حاجاته إلى أن أتى يوم و قالوا له . إننا كنا فيما مضى من الأيام نعودك ونزورك ولكن لم يكن في قلبنا رحمة عليك ولا شفقة وإنما خفنا من ألسنة الناس أن تنالنا بسوء . وها قد طالت الأيام وأنت لم تمت فمتى ستريحنا منك ومن حاجاتك التي لا تنتهي .  فنحن جميعا مشغولون وعندنا أعمال وبيوت نرعاها . هنا ترقرقت عينا الولد العاق وهو على فراش الموت ينازع الموت ويطلب البقاء ولا بقاء . فتذكر كلمات والده حين قال له ( أنه حزين لا منه بل عليه ) . ومع الأيام قاطعه جميع أبنائه إلا الابن الأوسط فيهم . فكان يرعاه ويعتني به وينظفه ويطعمه . وفي المساء شعر هذا المريض المسجى على الفراش العاق لوالده . أن أطرافه تتخدر وهناك ألم شديد وكأنها تتقطع وتنزع من مكانها . حاول الصراخ فلم يستطع . ثم تطور الأمر فبلغ الألم نصفه الأسفل بكامله . فعلم أنها سكرات الموت . فندم ندماً عظيما على ما فرط من بر الوالدين . وما فوت من الفرص  . وعلى ما فاته من الخيرات وتمنى أن يعود به الزمن إلى الوراء فيصلح حاله . إلا أن الله يمهل ولا يهمل . شخص ببصره إلى سقف الغرفة ثم فاضت روحه ومات وحيداً  يعتصر قلبه الندم والألم . وكان من عدالة الله أن عانى أولاده كلهم من عقوق أبنائهم إلا الابن الأوسط فكانت حياته سعيدة وكان أولاده مطيعين ومرضيين . والحمد لله رب العالمين .

 

2012-02-23
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد