بسم الله الرحمن الرحيم
لمن نكتب
نكتب لمن يقرئنا ولمن يحب التعرف إلينا .
نكتب لمن يعرف ما معنى الكتابة وكيف تكون .
نكتب لمن يتقن الإنصات إلى صوت الحروف .
نكتب لمن يقرأ نوتة الكلمات دون أن يرتكب خطأ الموسيقي الفاشل.
نكتب لنا ولأولادنا نكتب للتاريخ والمستقبل .
الكتابة لغة وحياة . كالموسيقى والرسم والنحت والتصوير.
الكتابة هي التعبير عما لا نحب التعبير عنه جهراً أمام الناس .
الكتابة فن لشدة جماله وأثره البالغ . مارسه الله عز وجل .
كيف نكتب
نحن ننفعل فنكتب .
نغضب فنكتب . ونفرح فنكتب . ننتشي فنكتب . نذوي في الظلام فنكتب . ننطوي على أنفسنا فنكتب . ونخالط الناس ونعاشرهم فنكتب عن ذلك أيضاً .
ما من شيء أجمل من ريشة الكاتب حين يرسم حروفاً جميلة تقول معاني رائعة ككتابة كلمة إنسان.
مرة نكتب على الورق . ومرة نكتب على أنفسنا . ومرة يكتب القدر علينا قراراته المبرمة .
كلما كتبنا عن شخصية وهمية نكون نكتب عن أنفسنا فنحن نحب أن نخاطب أنفسنا بضمير الغائب المستتر.
ما أسهل أن نكتب عن الآخرين وما أصعب أن نكتب عن أنفسنا .
عالم الكتابة محيط عميق جدا وممتد الأطراف حتى أنه لا نهاية له. وكلما أوغلت السفن فيه تاهت ولرب سفن أبحرت ولم تستقر على شاطئ القلم بعد .
الكتابة سفينة تسافر عبر الزمن . فترسل رسائل من حاضرنا إلى المستقبل . وتزور الماضي فتطلع على أفكاره وأشيائه العتيقة الرائعة .
الكتابة فن لا يمكن تعلمه أو تحصيله في المدارس والجامعات والمعاهد . ولا على يد أستاذ محنك في صنعة الكتابة . الكتابة منحة يمن الله بها على من يشاء من عباده .
الكتاب يملكون حظاً من الحكمة .
الكتاب ملهمون ومسددون من لدن العقل والعاطفة بامتزاج رائع منهما يكاد يصل لمدارك الكمال البشري .
الكتاب أنواع كالمعادن والحجارة النفيسة والغير نفيسة .
الكتاب أحرار ومأجورون . أتباع ومتَبَعون. صغار وكبار.
الكتاب مبدعون .
الإنسان والورق والقلم. أنجح ثالوث ينتج روائع تثير الجدل.
مليارات الخلايا العصبية تعمل بكد وجهد كبيرين لتكتب حرفاً واحداً .
لا يجوز بل من أكبر الكبائر أن نمر على الكِتاب والكاتب والكتابة مروراً سريعاً .
يحسن أن نقرأ ونعيد القراءة حتى ندرك ما يرسله لنا الكاتب. فالكتابة هي وسيلة الاتصال الوحيدة التي تختزل كلاما كثيرا بحروف قليلة .
كلما جلست للكتابة غادرت روحي المكان . وكم أصاب بالانزعاج عندما أصحو من نشوة الكتابة . والسفر مع الحروف إلى عالم عجيب بكل تفاصيله . فأغيب عن واقعي وعن الوعي لدقائق قليلة .
الكلمة سهم يطلقه الكاتب ولا بد أن يستقر في قلب القارئ. وإلا يكون الكاتب لا يحسن التسديد.
تقطع الكلمة في الثانية الواحدة من عمر الزمكان . مسافة أكبر وتكون أسرع بألف مرة مما يقطعه الضوء بين الفراغ والفراغ الأخر.
الكلمة والكتابة تحيي وتميت .
هناك كُتاب أحياء خالدون وهناك كُتاب يعيشون بيننا ولكنهم أموات ولا يشعرون .
ما كتب شيء كالقرآن . فهو كتاب الله إلينا .
اللهم أكتبني من التوابين ومن الصالحين ومن الكاتبين .
غير المكتوب عليهم ولا الضالين أمين يا رب العالمين .
محمد عصام الحلواني دمشق 7/4/2012 م الساعة التاسعة والنصف مساء.