news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
دوامات... بقلم : إياد عبدالقادر

أخرجتني من دوامات فناجين القهوة و دخان لفافات التبغ التي كانت تشاطرني عزلتي عن كل من حولي ,أخرجتني من أحزاني الشبيهة  بأحزان مركيز,هدمت جميع نظرياتي التي كانت السبب في اتخاذي المنحى الحيادي في الحياة  فبعدما كانت تصنعني الظروف أصبحت أنا صانعها .وحدث ما كنت أخشاه............ أحببت الحياة .


هذا آخر يوم لنا كعاشقان يختبئان من عيون الناس فاليوم موعد خطبتنا المنتظر منذ أربع سنوات , تنتابني رعشة منذ الصباح أعجز عن التفكير, لا ارى في المرآة سوى ابتسامة عريضة قد عرفتها من سنين أربع, لا أدري كيف ارتديتُ ثيابي وخرجتُ من المنزل قاصداً ذلك المقهى المعتاد لأخذها لشراء الخواتم التي أبت إلا  وأن تشتريها في هذا اليوم .

 

كانت تسود الهواء رائحة الخريف معلنةً الاذن للتراب بمعانقة حبات المطر مرسلة الأوراق الصفراء إلى ما وراء الأحلام  لتحكي للناس حكايا الزهور مع النجوم حكايا اليمام مع مئاذن الجوامع في الصباحات ولتكشف عن أسرار الأشجار التي كتمها الصيف طويلاً .

أخذتُ جريدة لكي أقضي بها على الدقائق المتحولة إلى قرون في انتظارها  جلستُ على طولتنا محاولا حل الكلمات التقاطعة لكن كانت صورتها المرتسمة على المربعات تمنعني من التفكير إلا ببتسامتها التي صنعت ابتسامتي , رائحة عطرها أجبرتني على رفع رأسي  باحثا عنها حولي  ها هي قادمة فرحة بجديلاتها التي ذكرتني بتلميذة تذهب إلى  المدرسة لأول مرة. وصلت إلي أخيرا وقالت رافعة أكتفها بحركة طفولية : " اتأخرت عليك ما هيك شو يعني ما بطلعلي!؟ " .

 

جلستَ وخدِرتَ عندها كل حواسي بدأت أتأمل وجهها كعادتي محاولاً  فهم تلك المعجزة التي تطفي على وجهها مسحة ملائكية  محاولاً فك الشيفرة للعبور إلى كل ما هو جميل . ترى هل هي براءة الأطفال ؟ أم  تلك الجديلة المسدلة ؟ أم تلك العيون ,أم, أم أم أم أم ......

بدءنا أحديثنا المعتادة عن بيتنا وعن الياسمين الذي سيوضع على الشرفة تحدثنا عن الستائر البيضاء و غرف الأطفال بالمناسبة وضعنا أسمائهم أيضاً أعرفكم "سعيد, فرح, هناء وأسعد". قررنا أن لا ندخل الحزن اليه  ففكرنا بمعالجة قيس من جنونه لنضع ديوانه بين كتبنا  و أقنعتني أن نعيد رسم الجوكندا لنضع معها عشيقها المجهول فلا مكان في بيتنا للعزلة   .  

 

تحدثنا عن مشاجراتنا المستقبلية  وعن ازهار التوليب الصفراء التي سأصالحها بها, تحدثنا عن أمرضنا التي ستحدث و اطلقنا وعودا بأن نشيخ معا ...............  .

اشترينا الخواتم واشتريتُ معه كل ضحكات الدنيا معلناً للخريف فرحي السرمدي ,  ومشينا لساعت تحت المطر الذي أضفى على وجهها الملائكي مزيدا من المعجزات الالهية .

 

ادركنا تأخر الوقت ودعنا بعضنا على أمل القاء مع الخواتم , ذهبت إلى البيت أرتميت على السرير أغمضت عيني ومازالت ضحكاتها و وعودها الطفولية تترد في آذاني , فتحت عيوني على أصوات التلاميذ الذاهبين إلى مدارسهم نظرت حولي أشعلت لفافة تبغ وبدأت ألاحقُ الدخانَ المتجه نحو الشريط الأسود الملفوف على الزاوية اليسرى لصورتها مردداً "بيطلعلك"

  

2012-04-25
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)