قد يرى أحدهم أن العودة بالذاكرة إلى الخلف مفيدة وهذا لا يعني عدم الرغبة في السير إلى الأمام، وعند سؤاله عن تبرير رأيه يوضّح أن السير إلى الأمام غير مفيد إذا كنّا نتحرك بالاتجاه الخاطئ!
وانطلاقاً من
قول العقلاء فإن نظرة - ولو سريعة - إلى الخلف بتمعّن وشفافية ستجعلنا ندرك أن ما
مرّ من أحداث على هذا البلد هو وليد التردي والتهرّب من تحمّل المسؤولية على مختلف
المستويات.وهنا لا مجال للإحاطة بكل الأسباب.. لكننا مادمنا على أعتاب استحقاق
دستوري مهم واستثنائي في ظروف غاية في الدقة والاستثنائية، كان لا بد من الحديث مع
المواطن وأخذ رأيه حول هذا الاستحقاق، بما أن الأمر يتعلق به وبمدى امتلاكه لحريته
في اختيار ممثليه إلى مجلس الشعب الغائب الأكبر في المراحل السابقة؟!
في البداية تحدثنا إلى السيدة هنادي (خريجة معهد متوسط - غير موظفة) عن رأيها في طريقة الانتخاب وعن الشروط الواجب توفرها في ممثلها إلى مجلس الشعب فقالت:
أنا لست متحمسة لانتخابات مجلس الشعب هذه الأيام، وهذا لا يعني أنني سلبية إذ لي مبرراتي الخاصة. فمثلاً حتى الآن لم أسمع عن برنامج عمل لأي مرشح في محافظة طرطوس، ومن جهة أخرى لو نظرنا إلى أعضاء مجلس الشعب السابق في هذه المحافظة وحاسبناهم على الثقة التي منحناهم إياها فأعتقد أنهم خذلونا في كل ما وعدوا به! أضف إلى ذلك أنني لا استطيع أن أتواصل مع من يمثلني في مجلس الشعب فلا عنوان له ولا مكتب حتى ولا رقم هاتف، وفي كثير من الأحيان ننسى شكل المرشح حتى الانتخابات التالية! من جهة أخرى أغلب المرشحين من أصحاب الرساميل والتجار، وهؤلاء لا همّ لهم سوى حماية أملاكهم.
ممّا يدفعني لعدم الثقة بهم لأنهم ليسوا مطلعين على همومنا ومشاكلنا. أنا شخصياً أعرف العديد من حاملي الشهادات الجامعية والمعاهد القابعين في نفق البطالة، وأعرف العديد من الأسر الفقيرة التي لم تكحّل عيونها يوماً برؤية من وعد ووعد ووعد دون أن يلبّي! أنا لا أطلب من مرشحي مجلس الشعب أي شيء شخصي، بل أطلب منهم أن يحكّموا ضمائرهم ويعملوا وفق الدستور ووفق القوانين، ويتحمّلوا مسؤولياتهم أمام الله والوطن وأمام من أعطاهم ثقته ذات يوم! وطبعاً علينا أن لا نغفل عن المسؤولية الملقاة على عاتق المواطن نفسه لجهة عدم تأثّره بما كانت عليه العادة في السابق!
أمّا الأستاذ منذر عمران فقد تحدث عن هذا الاستحقاق قائلاً : المحور الأساسي في
عملية الانتخاب هو المواطن ..العملية غير واضحة المعالم بخصوص كيفية الانتخاب..
لنفرض أنني أريد أن انتخب - س - من الناس وأعطيه صوتي كي يمثلني، وأنا لا أعرف
برنامج عمل له ولا حتى سيرته الذاتية فكيف سأحاسبه؟! حتى الآن لم يأت المرشح الذي
يعلن عن برنامج عمله ويطالب من سينتخبه بمحاسبته على ذلك وسؤاله عن إنجازاته داخل
المجلس، وهل اقتصر دوره على رفع يده مع الجماعة أو النوم أحياناً ! المواطن الذي لا
يمارس حقه الانتخابي من المؤكد أن غيره سيأخذ مكانه، وإن مارس حقه فكما أشرت لك قبل
قليل سيمنح صوته لشخص مجهول البرنامج! لا بد من وجود العامل والفلاح، ولكنني أنا
شخصياً مع المرشح الذي يحمل شهادة علمية والقادر على المناقشة والكلام سواء في
المجلس أم خارجه! أخيراً أنا ضد أن يكون المجلس بأغلبية من التجار والمتموّلين
والسماسرة!
السيدة غانية أم حسن (موظفة) رأت أن العملية الانتخابية سيلعب بها المال السياسي.
فالمواطن لم يعتد بعد على الديمقراطية، لأنه مازال حتى الآن يتأثر بما هو معتاد
عليه في السنوات السابقة، ولكن هذا لا يمنع من أن نرى المواطن يكتسب الخبرة في
ممارسة هذه اللعبة، ومرة بعد مرة يتمكن من إدراك أهمية صوته.. ليس عيباً علينا أن
نفشل في ممارسة الحرية والديمقراطية في المرة الأولى.. ما يدعو لأسف هو رؤية صور
بعض المرشحين الذين أعطيناهم ثقتنا في الدورة الماضية، لكن دون أن يقدموا أيّ شيء..
أعتقد أن المواطن مازال يحفظ صورهم بشكل جيد.. أطلب من مرشح مجلس الشعب أن يمارس
كامل صلاحياته التي أعطاها الدستور وأن يكون عند ثقة المواطن به.
السيد محمد سليمان (رئيس جمعية المريقب الفلاحية) تحدث عن هذا الاستحقاق قائلاً:
انتخابات مجلس الشعب هذه الدورة تختلف عن الدورات السابقة على مدى عقود. فهذه
المرّة هناك أحزاب جديدة لا بدّ أن تكون لها كلمتها من خلال المنافسة الشريفة عبر
صناديق الانتخاب. المجالس السابقة كانت شبه غائبة، وعضو مجلس الشعب ينحصر دوره في
الحضور لأخذ الصور ورفع يده مع زملائه أو الاكتفاء بالصمت دون أي حوار أو نقاش في
قضايا من انتخبوه. هذه المرة نريد أن نعطي أصواتنا لأشخاص يملكون القدرة على أن
يناقشوا ويرفعوا الصوت عالياً ضد الفساد والمحسوبيات، إضافة إلى إمكان استجواب
الوزراء حول عمل وزاراتهم وهذه نقطة مهمة. وأتمنى أن يعي المواطن في هذه المرحلة
الحرجة والخطيرة أهمية صوته وضرورة أن يمنحه لمن يمتلك النزاهة والكفاءة بعيداً عن
الموروثات الاجتماعية البالية وبعيداً عن إغراء المال السياسي!
السيدة زينب (متقاعدة) تحدثت عن هذا الاستحقاق قائلة: المواطن بقناعتي حتى الآن لم
يصل إلى مستوى من الوعي يستطيع به اختيار ممثليه بكل حرية وديمقراطية. من جهة ثانية
دعني أسأل عن القوائم التي ستُشكل، فهل دُرِسَ ماضي وحاضر الأسماء التي شملتها تلك
القوائم وأفعالهم؟ وهل سئلوا عن ثرواتهم التي يمتلكونها؟! أنا شخصياً لم أجد حتى
الآن من خلال الصور التي عُلقت في شوارع طرطوس ومن خلال معرفتي بأغلبية أصحاب الصور
من يستحق صوتي، خصوصاً أن بعضهم قد كانوا مثال الفساد في الدورات الماضية أو في
دوائرهم الوظيفية. أرى ضرورياً قبل قبول ترشح البعض أن يقدموا كشف حساب بأملاكهم،
ومن أين لهم تلك الثروات التي امتلكوها!
محسن سلمان (مدرّس) رأى أن الانتخابات ستتأثر بعدة عوامل، أهمّها الموروث الاجتماعي
بكل أشكاله، إذ إننا مع الأسف - يضيف - حتى الآن لم نعتد على خوض انتخابات حقيقية
بكل حرية وشفافية فالفترة القليلة الماضية لم نصل فيها إلى الوعي الكافي لإدراك
أهمية صوتنا. وأعتقد أن الرأسمال مازال هو السائد في عمليات الانتخاب. ولذلك قد لا
يصل الأكفأ إلى مجلس الشعب، على الرغم من أن بعض الأسماء جديرة بأن تصل، وهم قلّة
قليلة يملكون الشهادة والكف النظيف، لكنهم لا يملكون المال! أنا بصراحة سأمنح صوتي
لمن يملك سيرة ذاتية نظيفة، إضافة إلى القدرة على رفع الصوت عالياً لتحقيق مطالب
المواطنين العادلة والدفاع عنها!
المدرّسة هالة تحدثت عن العملية الانتخابية بالقول: يبدو أنه بعد مرور أكثر من سنة
على الأحداث في سورية مازال بعضنا غير مدرك لهول ما حدث، وهو على استعداد لتغيير
قناعاته بسهولة..لم يعد بالإمكان المراهنة على أحد.. صور المرشحين وابتساماتهم
والشعارات التي كتبوها على صورهم لا تقنعني شخصياً بل تولد لدي نفوراً وشعوراً
معاكساً خصوصاً بعد أن رأيت لبعضهم أكثر من صورة ملصقة فوق صور الشهداء .. ما أريده
من مرشحي أن يكون على معرفة ودراية بالشأن العام، وأن لا تكون حساباته مختلفة أو
متعارضة مع حسابات المواطن.
أمّا القاض مفيد أحمد فقد تحدّث عن هذا الاستحقاق
قائلاً: يُفترض أن يكون قد تمخّض عن الحراك السياسي في سورية عقلية جديدة ووعي
سياسي جديد، برغم عدم تطابق وجهات النظر حول هذا الحراك، سواء أكان إيجابياً أم
سلبياً. وطبعاً هذا لا ينطبق على الأعمال الإرهابية المسلحة التي يدينها الشرفاء في
هذا الوطن. ولكن كان يجب أن تكون هذه العقلية الجديدة متفهّمة لمصالح البلد وتعي
وجهة سيرها وعياً صحيحاً. ولكنني لم أرَ حتى الآن تبلوراً لهذا الوعي أو لهذه
العقلية.. ويبدو هذا في (نزوة) الترشح للانتخابات، إذ إن البعض على ما يبدو قد نسي
أو تناسى ماضيه وسلوكه وسيرته الشخصية.. أعتقد أن هناك نوعين من المرشحين: أحدهما
ترشّح دون إحساس بالمسؤولية، والآخر رأوا أن الحراك الذي تحدثنا عنه قد حررهم من
عقدة الترشح، وبالتالي استسهلوا الانخراط في العمل السياسي دون أي معرفة أو خبرة!
أتمنى أن يتمكن المواطن من محو سنوات القرف في العملية الانتخابية ويعطي صوته من
يستحقه بعيداً عن القوالب واللوائح الجاهزة!
السيد يوسف حسن أبو فادي (صاحب مغسل سيارات) تحدث عن تجارب الانتخابات السابقة،
وأكد أن الوقت مازال باكراً للحديث عن حرية المواطن الذي اعتاد لسنوات وسنوات على
القوالب الجاهزة. وخير دليل على كلامي - يضيف أبو فادي- ما حدث قبل أشهر قليلة في
انتخابات الإدارة المحلية. أمّا عن المواصفات المطلوبة في مرشح مجلس الشعب فأعتقد
أن النزاهة والقدرة على العطاء والتواصل مع المواطن هو ما نحتاجه في هذه المرحلة.
مهما يكن من آراء أو مواقف فإن المواطن في سورية يقف هذه المرّة أمام اختبار حقيقي
في اختياره لممثليه في مجلس الشعب، بعيداً عن القوالب والأسماء الجاهزة، وعليه أن
يثبت أنه جدير بالاحترام، وأن الحرية والديمقراطية التي طالب بها كان لها ثمرة
ونتائج جيدة انعكست على سورية بشكل إيجابي .. على المواطن أن ينتبه إلى أمر هام هو
أن المرشح الذي يشتريه بمبلغ زهيد لن يتمكن من إيصال همومه ومطالبه إلى حيث يجب أن
تصل، فمن يشتريك بسهولة يبيعك بسهولة أيضاً!