news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
استقراء! ... بقلم : غسان كامل ونوس

يستطيع المرء، بعد استعراض الأحداث العالمية واستقرائها منذ ثمانينيات القرن الماضي، أن يستنتج بلا كبير جهد، أن هناك مخططاً يهدف أصحابه إلى تفكيك الاتحادات والكتل الكبيرة، وبثّ الفتن بين مكوّناتها، لتسود الخلافات والمواجهات والصراعات التي تدوم من أجل ضمان عدم العودة إلى التجمّع مجدّداً، فتبقى ضعيفة مشلولة منهكة لاهثة لترميم كياناتها المضعضعة، وتسارع لطلب المساعدة المباشرة من الدول التي بقيت كبرى في تحالفات عظمى، أو عن طريق الهيئات والمؤسسات الدولية التي تعمل لحساب هذه الدول الحاكمة بأمرها.. ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الغربيات.


ولعلنا نستذكر بدايات ذلك التحرك في المعسكر الاشتراكي، بعد زيارة البابا إلى بولونيا، وهي أوّل زيارة من نوعها إلى بلد شيوعي -تلتها زيارات أخرى إلى بلدان مشابهة- وليس أيّ بلد، إنه مقر حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفييتي، الخصم العنيد لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، وبدأت تلك التحرّكات مطلبيّة عن طريق حركة التضامن العمالية التي برزت بزعامة ليخ فاليسا، مدعومة بإعلام غربي مركّز، وسوى ذلك من أشكال الدّعم المعلن والخفيّ. ثم توسّعت دائرة التحرّكات (الشعبيّة) في مختلف الدول الاشتراكية: بلغاريا وهنغاريا ورومانيا.. وتشيكوسلوفاكيا التي انقسمت إلى دولتين، وألمانيا الديمقراطية التي انضمت إلى ألمانيا الغربية بعد سقوط جدار برلين في مشهد دراماتيكي. 

 

ثم بدأ انهيار الاتحاد السوفييتي الذي بدأ بالتفكّك، مع انسحابات متتالية لدول عديدة من الاتحاد السوفييتي وإعلان استقلالها عنه، مع تبعات غير ودّية بين روسيا الوريث الأكبر للاتحاد السوفييتي والدول المنفصلة، ولاسيما جورجيا وأوكرانيا، رغم التحوّل الذي حدث في روسيا نفسها وانهيار النظام الاشتراكي! إلى أن جاء الدور على الاتحاد اليوغسلافي فتفتّت إلى ستّ دول، لم تلبث أن اشتبكت قواها الداخلية طائفياً وإثنياً، وتدخّل الناتو عن طريق مجلس الأمن للدفاع عن الأقليّات، وملاحقة زعماء صربيا الأكبر والأكثر عناداً حتى المحكمة الجنائية الدولية!


بعد تبدّل عميق في أنظمة الحكم في تلك البلدان، وانحيازها إلى المحور الغربي، مع اختلاف الإيقاع، تزعّمت الولايات المتحدة العالم.
الطريقة ذاتها، والأدوات عينها، تلك التي استخدمت في منطقتنا العربية، فنحن نلاحظ:
- استخدام الدين وفعاليته وحساسيته لإثارة المشاعر، واستقطاب أكبر قدر من الناس، عن طريق الفتاوى من رجال دين معروفين، واستغلال المساجد وأيام الجمعة والصلوات الجامعة.
- الاعتماد على الناس العاديين المتوسطي التعليم من الطبقات المهمّشة: من العمال وأصحاب المهن الحرة، والعاطلين عن العمل حتى من أصحاب الشهادات، والمطالبة بما هو حقّ: تأمين سبل العيش، وتحسين مستوى المعيشة، وشعارات أخرى شهية ومحبّبة على الأسماع القريب منها والبعيد!
- ضرب الرموز والقادة التاريخيين، ومطاردة الرؤساء واصطيادهم وإهانتهم بالقتل أو بالمحاكمة.
- الإعلام الموجّه والمركّز والدعاية المكثفة والواسعة لمفاقمة الأوضاع.
- استخدام بعض المثقفين والمفكرين في الدعاية المضادة، واستغلال انتقادهم حالات غير مقبولة في البلد، كالفساد والحزب الواحد والمطالبة بالحريات وسوى ذلك، واستمالتهم وتجييرهم لصالح أعداء البلد التاريخيين.
- استخدام الدول المجاورة ومصالحها وخصائص علاقاتها التاريخية مع الدول المستهدفة في الدعم المباشر ميدانياً ومالياً.


- تبنّي الدول الغربيّة الواضح للجماعات التي تقوم بالتحرّكات، رغم التخفّي وراء الحقوق الإنسانية، والتردّد في بعض الأحيان، والاندفاع أحياناً أخرى وفق البلد وموقعه وموقفه من الكيان الصهيوني، الذي يمثّل البوصلة التي تتحرك وفقها الدول الغربية!
- استغلال التنوّع الديني والإثني في أسوأ صورة، بما يكفل استمرار الهشاشة والتصدّعات التي يصعب ترميمها، مع التخطيط والسعي لتفتيت الدول إلى دويلات بناء على ذلك.
- الدّعم المالي السخيّ للمجموعات المخرّبة وضعاف النفوس من أبناء البلد، والمرتزقة الممولين والتكفيريين من فصائل إرهابيّة معروفة.
- استخدام الهيئات الدّولية، ولا سيما مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة، والجهاز التنفيذي لرغبات الكبار في مجلس الأمن، وذراعه العسكري حلف الناتو.
- استخدام الحركات الداخلية لإسقاط الأنظمة، وحين يفشل ذلك، يُلجأ إلى التدخّل المباشر، مع إيجاد الذرائع الواقعية أو المفبركة.

ولما كان المخطط قد نجح في البلدان التي كانت اشتراكية، فقد تشجع أصحابه على الاستمرار في مناطق أخرى.


وعلى الرغم من أن منطقتنا العربية لم تكن بعيدة عن بعض مظاهر تلك التحركات، ولا سيما في لبنان والعراق، الذي قام بغزو الكويت ما استدعى حرباً وحصاراً دام عقداً ونيّف، فغزواً فاجراً بذرائع أخرى ملفقة، عبر تحالف من خارج مجلس الأمن، لكن الحالة لم تكن واضحة المعالم كما هي عليه الآن، وكان لوجود الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية أثر كابح، وقد تُركت الساحة بعد ذلك لهيمنة رأس الحربة الغربي المتقدم (إسرائيل)، مع تهيئة الأجواء المبطّنة من عملائهم في دول الخليج ودول أخرى على رأسها مصر، التي قيّدت نفسها بمعاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وانتقلت إلى موقع آخر. حتى إنها شاركت في حصار لغزة. وارتبط الأردن في معاهدة مماثلة (وادي عربة)، ثم سقطت السلطة الفلسطينية في اتفاقية أوسلو.


وهذا لا يعني أن القوى الخيّرة استسلمت، بل كانت تستقرئ وتتحصّن وتُفشل المخططات والغزوات، كمحور المقاومة الذي تُشكّل سورية مركزه مع إيران وقوى فاعلة في لبنان، ونهوض دول عديدة في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا اللاتينية.
 وعلى الرغم من أن الخطط التي بدأ تنفيذها منذ مستهل العام الماضي، مضت قدماً في بعض الأقطار العربية، بسرعة ويسر في تونس ومصر، وصعوبة وبطء في اليمن، وبغزو أطلسي عسكري لليبيا بغطاء عربي سياسي وتمويل ومشاركة، مع تصامم عن الحالة في البحرين، فإنها تعثرت في سورية، بل هي في طريقها إلى الهزيمة، وذلك بسبب وعي الشعب، وقدرة الجيش العربي السوري، وحنكة القيادة، وتنبّه قوى عالمية عظمى أهمها روسيا والصين، إلى ضرورة وقف هذا الزحف الشرّير والآفة السرطانية التي تستهدفها هي الأخرى بعد حين.


لكن الغريب في الأمر أن كثيراً من السياسيين والمفكّرين والمثقّفين العرب لا يرون هذه الوقائع، أو لا يريدون أن يروها، ويتحسسون من كلمة مؤامرة التي أضحت عدواناً مفضوحاً، ويندغمون في هذا المشروع الكارثي بما يشبه الانتحار الفكري والعقائدي..!
وما زلت أستذكر تلك الأديبة البلغارية التي شهدت ذلك التحوّل في بلدها الذي كان آمناً ومكتفياً، كجميع البلدان المشابهة له وقد نالها ما ناله، في إحدى زياراتها إلى سورية في بدايات هذا القرن، حين قالت بحرقة: أرجوكم لا تدعوا ذلك يحدث في بلدكم!


 
2012-05-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)