news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
تحــالف اليسـار السـوري ضــــــــــرورة تــــــاريخيـــــــة ... بقلم : محمد الزبيدي

لا نستطيع، بعجالة، أن نحيط بكل جوانب الموضوع المثار حالياً، وهو ضرورة تحالف قوى اليسار في سورية. بيد أننا يمكن، مع ذلك، أن نتناول بعض جوانب هذه المسألة التي هي اليوم على درجة عالية من الأهمية.


إن مسألة تحالف قوى اليسار، هي مسألة تقتضيها المرحلة المعقدة والمتشابكة جداً. وإذا لم تستطع هذه القوى أن ترتقي إلى مستوى المهمات المطروحة أمامها، والتي تقتضيها المرحلة، فإنها ستضيِّع فرصة تاريخية كبرى، وستضع نفسها أمام مسؤولية تجاه الشعب وتجاه الوطن.


لماذا هي ضرورية وحدة نضال اليسار؟

 إنها ضرورية لأنها مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالاتجاهات التي ستسير عليها البلاد في مجالات التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. لأنه إذا استطاعت قوى اليسار أن توحد عملها، وأن تصوغ مشروعاً نهضوياً منسجماً مع المرحلة، منسجماً مع مستوى التطور الاقتصادي  والاجتماعي في البلاد، ويأخذ بالحسبان التطورات التي جرت في العالم، وبالتالي صياغة مشروع يجيب عن المسائل المطروحة، ويلبي حاجات التطور، فإن ذلك سيكون عاملاً كبيراً لخلق أفق هو من حيث الجوهر يخدم المصالح العميقة للشعب السوري. ومن هنا تبرز أهمية هذا الموضوع وجديته. وعلى كل يساري شريف أن يعمل، في الظرف الراهن، من أجل تحقيق هذه المهمة. بيد أن السؤال المطروح هو كيف يمكن لتحالف اليسار أن يكون عاملاً جدياً وإيجابياً للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد، وفي حل الأزمة السورية لمصلحة الجماهير الشعبية العميقة؟


إننا نعتقد أن تحالف اليسار (لا نقصد وحدة نضال الشيوعيين فقط) هو ضرورة تاريخية، ولكن لكي يتم، يجب أن تتوفر، في البداية، بعض الشروط الضرورية، أهمها لا بد من إعطاء هذا التحالف بعداً اجتماعياً اقتصادياً سياسياً.   بمعنى أن يكون لهذا التحالف حامل اجتماعي. وهذا يتطلب الابتعاد عن الشكلانية في متابعة هذا الموضوع. أي أن تحالف اليسار ليس عبارة عن تجمع عددي فقط، رغم أن لذلك أهمية ولكنه يبقى ثانوياً. إن المسألة الأساسية تكمن في صياغة مشروع سياسي نهضوي، ينطلق من فكر تحليلي للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد، وبالتوافق مع الظروف العالمية السائدة. فمثلاً من المعلوم أن مسألة التنمية هي المسألة الأكثر إلحاحاً في البلاد.فعلى أساسها يمكن الحديث عن رفع المستوى المعاشي والاقتصادي للجماهير الشعبية.


وعلى تحالف اليسار إذاً، أن يجيب عن السؤال التالي كيف يمكن في ظروف العولمة المتوحشة تحقيق التنمية في سورية؟.. بدون ذلك، لا يمكن الحديث عن أي استقطاب جماهيري. وباختصار يجب أن يكون للمشروع اليساري تصور واضح حول مختلف الجوانب التي تعالج مشاكل الشعب السوري وتعبر عن مصالحه، ولا يجوز حصره بأطر ضيقة، وهذا ما تمليه المرحلة التاريخية. ويمكن أن تتغير هذه المشاريع مع تغيّر المرحلة. نحن لا نستطيع أن نطلق مشاريع تسبق المرحلة. كأن نرفع، مثلاً، شعار بناء الاشتراكية في الظرف الراهن.

 

فهذا لا يؤدي إلى وحدة نضال اليسار، بل يفقد هذا اليسار حامله الاجتماعي الواسع، وإن المشاريع التي تعبر عن واقع ماضوي، كذلك تفقد هذه القوى حاملها الاجتماعي. وبالتالي إذاً، فإن مشروع قوى اليسار، يجب أن يكون منسجماً مع المرحلة التي يمكن أن نحدد أبرز معالمها بضرورة تطوير الإنتاج وتحقيق التطور الديمقراطي في البلاد، وخصوصاً في مجال الحقوق السياسية، وخلق توازن اجتماعي لا يسمح بخلق تفاوتات اجتماعية عميقة، وفسح مجالات واسعة لحرية العمل النقابي بما يحول دون ذلك، مع تأكيد دور الدولة كضامن لهذا التوازن. إن مثل ذلك المشروع، يمكن أن يعبر عن مصالح جماهير واسعة في هذه المرحلة، ويعطيه الزخم المطلوب. 


لقد أضاعت قوى اليسار الكثير من الفرص. بيد أنها، والآن بشكل خاص، ومع ازدياد نفوذ الفكر السلفي في الشارع السوري، هي أمام مسؤولية تاريخية. فإذا لم تستطع صياغة مهام جديّة يتطلبها الواقع، فإنها ستصبح على الهامش. وستفرز الحياة قوى أخرى أكثر تطوراً، قادرة على الاستجابة لمتطلبات الحياة. والتاريخ يعطي دروساً كثيرة في هذا المجال. لذلك، إن وحدة عمل قوى اليسار اليوم، هي قضية في غاية الجدّية. ويرتبط بها مصير التطور اللاحق في البلاد لفترات طويلة، ويجب أن تطرح بجدية كاملة. وعلى اليسار أن يعمق الشعور بمسؤوليته تجاه ذلك، وأن يتجه نحو وحدة النضال. بمعنى أن تتجه، قوى اليسار مجتمعة، نحو مشروع يلبي متطلبات الشعب السوري، وينتزع زمام المبادرة في تحديد هذا التطور..

 

 ونحن نعتقد جازمين، أن مصالح الأكثرية الساحقة من الشعب، هي مع نضال قوى اليسار وليس مع الفكر السلفي الذي يفتقد هو أيضاً، إلى مشروع. والذي يلعب دوراً تضليلياً، وتخديرياً لجماهير واسعة من أبناء شعبنا الطيب، مستغلاً ميل الجماهير الشعبية للفكر الديني الحنيف. على قوى اليسار أن تشعر بالمسؤولية الكبرى تجاه الشعب، وأن تركز جهودها تجاه هذا المشروع، وأن يأخذ تحالف اليسار طابعاً مجتمعياً. أي أن يكون لنضال اليسار المشترك هذا، حامل اجتماعي وليس عبارة عن توحيد عددي فارغ من المضمون لا يغني ولا يثمر من جوع. هذا هو الطريق الأفضل،باعتقادي، الذي يرتقي باليسار إلى مستوى المسؤولية التاريخية. ويجب عليه، ومن الضروري، أن يسير في هذا الطريق وإلا فقد روحه ودوره، وسيتخطاه التطور وسيتجاوزه الزمن.

      

 

2012-05-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)