news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
عطاء الفقهاء بالكد والإجهاد ... لا يبرر غلق باب الاجتهاد ... بقلم : عادل حسين علي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد كنز الحقائق وبحر العلوم الرائق ودرها المختار المنتقى من سلالة الأطهار صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه الكرام والأئمة الأبرار والفقهاء الأجلاء الذين افنوا حياتهم من اجل الفقه واستغرقتهم أمور الدين واتقوا الله  فعلمهم الله وتركوا لنا تراثا فقهيا جليلا ننهل منه حتى الآن غني بما فيه من قواعد وأحكام وشرائع تغني عن اجتهاد المجتهدين وان كان باب الاجتهاد ما زال مفتوحا يطرقه صاحب كل عقل مستنير وصاحب دين تمشيا مع تطورات الحياة ليتركوا لنا درة نفيسة نضيدة بقدر من التيسير . ( للأمانة العلمية اقتبست هذه العبارات من مقدمة الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان )

 


بعد هذه المقدمة  أقول : بأن قضيتي في هذه المقالة ليست التقليل من قيمة وفضل الفقهاء الكرام لا سمح الله أو التنصل عن شكرهم وبيان عظيم أعمالهم فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) وإنما أريد في هذه المقالة أن أبين ضرورة عدم تقديس الأشخاص فكلنا بشر نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ولا احد مقدس أو منزه عن الخطأ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالجانب الديني أما الجانب البشري فهو مثلنا تماما يخطأ ويصيب ( مثال على ذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخيل فقال : لو لم تفعلوا لصلح

 

 قالوا : قلت كذا وكذا . قال ( صلى الله عليه وآله ) : أنتم أعلم بأمور دنياكم )

 

  وقدسيته من الجانب الديني هو من قدسية الله عز وجل لأنه كما قال الله عز وجل ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )   فهو ينطق بكلام الله المنزل بالوحي

أما الفقهاء والصحابة الكرام فإنهم غير مقدسين وإنما لهم احترامهم وعظيم فضلهم علينا بعلمهم وورعهم وتقواهم .

 

ومن عظمة هذا الدين الحنيف انه صالح لكل زمان ومكان وفي كل العصور وكيف لا وقد ختمت به رسالة الله فالدين الإسلامي دين مرن مطاط قادر على استيعاب كل العصور والأزمان لذلك فالقرآن الكريم جاء في كثير من آياته بمبادئ عامة وكلية ومرنة ومتجددة وقادرة على التفاعل مع كل مستجدات الحياة ومن هنا تأتي عظمته وإعجازه

 

فلو جاء بقواعد وأحكام تفصيلية بقوالب جامدة لكل قضية لما أمكنه من استيعاب والتفاعل مع كل العصور ولكان ما يناسب عصر الرسول والصحابة لا يناسب عصرنا والعكس صحيح

فالقوانين كالإنسان تماما لها روح وجسد وهي ترتقي طردا بتطور الإنسان وهكذا كل مجالات الحياة في تطور مستمر .

 

حدثني صديق لي بأنه كان يبحث عن كتاب لابن رشد فجأب معظم مكتبات أوربا فلم يحصل على مراده فسأل دكتوره المشرف عن سبب ذلك مع إن أوربا استفادت من العلماء المسلمين في العصور الوسطى وخاصة في الأندلس فكان جواب الدكتور صحيح إن مكاتب أوربا في القرون الوسطى كانت مليئة بكتب ابن رشد وابن النفيس وأبو بكر الرازي وغيرهم  ونقلوا الكثير من علوم الأندلس عندما كان المسلمين يحكمونها واستفادوا منهم ولكنهم الآن استطاعوا أن يتجاوزوهم .

 

لذلك طوروا أنفسهم فتطورت مجتمعاتهم ودولهم أما نحن المسلمون  للأسف تقوقعنا على أنفسنا وأحطناها بخطوط حمراء وصفراء لا يجوز تجاوزها أو نقدها لذلك وصلنا إلى هذه الحالة التي نحن عليها اليوم .

فالرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على طلب العلم ( اطلبوا العلم ولو في الصين ) فالعلم ليس له مصدر واحد وإنما العلم والحكمة  يؤخذ من العقلاء كما يؤخذ من المجانيين والدواب والتفكر في خلق الله فما الضير إذن لو استفدنا من كافة النظريات الموجودة في العالم ( شيوعية – رأسمالية _ علمانية  ... الخ ) بما لا يعارض أساسيات ديننا الحنيف فأي اختراع أو نظرية هي في النهاية نتاج تراكم خبرات البشر على مر العصور فينبغي بالتالي أن يستفيد منها كل البشر على السواء .

 

فصحيح إن للإسلام مبادئ وأساسيات وأمور رئيسية لا يجوز مخالفتها وهي ثابتة لا تتغير أو تتبدل بتغير الزمان والمكان والعصور كالعقائد والعبادات وغيرها ولكن الفقه الإسلامي والأمور الجزئية والتفصيلية فمتغيرة تتغير بتغير الزمان والمكان حسب مصلحة الأمة  فالتشريع الإسلامي يراعي مسايرة مصالح الناس ولكون الحكم يدور مع المصلحة وجودا وعدما فان الحكم قد يتغير تبعا بتغير المصلحة ومثال على ذلك المؤلفة قلوبهم وهم الذين فرض لهم سهم أو نصيب من أموال الزكاة في قوله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم )

 

 فسيدنا عمر بن الخطاب رأى بأن في الحكمة من التشريع وهو إعطاء هؤلاء المؤلفة قلوبهم قد زالت حيث قويت شوكة المسلمين وأصبحوا ليسوا في حاجة لدفع أموال إلى كفار يستميلونهم ويأمنون من شرهم وباسهم وقد منعهم من هذا النصيب اجتهادا منه في إن المصلحة قد زالت  أيضا اختلاف الفقهاء حول هذه الأمور الجزئية حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اختلاف أمتي رحمة ) أي اختلافهم في الأمور الجزئية والتفصيلية رحمة بهم ورأفة لان هذه الأمور متغيرة بما يناسب كل زمن وعصر ومكان  , ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لأمتي أمور دينها )  وهنا أيضا يقصد بالفقه والأمور الجزئية والتفصيلية المتغيرة وليست الأمور الثابتة فهي لا تتغير ولا تتجدد .

 

لذلك ما أمله هو أن يوجد هيئة عليا تضم كبار علماء المسلمين المختصين في العالم الحياديين البعيدين عن السياسة خلافا للهيئة الحالية أو حتى منظمة التعاون الإسلامي المسيسة والمرتبطة بالدول والسياسات وبالتالي فقراراتها غير حيادية فالسياسة متى تدخل في الدين فسده والعكس صحيح , بحيث يكون وظيفة هذه الهيئة مواكبة تطورات العصر وتجديد الفقه فانا هنا لا اطلب بان ننسف فقه الفقهاء الكرام لا سمح الله فلهم فضل السبق بان تركوا لنا تراثا فقهيا جليلا وذلك لقربهم من صدر الإسلام وإنما اطلب بان نستفيد من تراثهم الرائع ونضيف إليه بما يناسب مستجدات عصرنا ويواكب مصالح وتطلعات أجيالنا الإسلامية .

 

فالقول بأن كل ما ذكره الفقهاء هو الصحيح الذي لا يجانبه الخطأ ولا تطاوله النقد أو التغير ولن يأتي احد من المسلمين يجاري علمهم وكل ما كان يناسب عصرهم هو مناسب لعصرنا مجافي للحقيقة ودعوة مشبوهة لانطواء أجيالنا الإسلامية على أنفسهم وتخلفهم وعدم تحفيز عقولهم على التفكير والإبداع وهذا كله مخالف لمقاصد الشرع  فالله عز وجل يحثنا على التفكير وإبداء الرأي فيقول عز وجل في كتابه العزيز ( أفلا تتدبرون – أفلا تعقلون – أفلا تتفكرون )

 

والدين الإسلامي دين عظيم يكفل حرية التفكير ويكفل حرية العقيدة فعندما يقول الله عز وجل ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فانه هنا يكفل حرية العقيدة وإبداء الرأي في أعظم جانب وهو جانب العقيدة فكيف نمنع على المختصين أبداء أرائهم في أمور الفقه فبرأي مهما كان سقف التفكير مرتفعا ومهما تجاوز الخطوط الحمراء في مناقشاته وتفكيره فذلك لا يخرجه عن الدين ولا يعتبر مرتدا بل الأفضل أن يتدبر ويفكر في آيات الله لكي يصل إلى قناعة تامة بالدين الحنيف  فلا يجوز تكفير أي شخص بمجرد تفكيره أو تعبيره عن أرائه أما ما يخرجه عن الدين ويجعله مرتدا هو أعمال التنفيذ أو التحريض ضد الدين الحنيف فنعم المسلم عن تفكير وقناعة تامة وبئس المسلم بالتبعية والتقليد الأعمى

 

  والله من وراء القصد      

 

2012-05-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)