السادس من أيار ليس درساً عابراً في تاريخ أمتنا. والذين صعدوا في ذلك الصباح الندي إلى منصة أعواد المشانق, وبكثير من التصميم والإرادة والرضى, كانوا يدركون, أن الأجيال اللاحقة ستواصل المشوار والرحلة لم تنته..
فالتخلص من الاستعمار والقهر والتسلط, يستلزم وفي كل مكان من ساحات الوطن, الإبقاء على الإرادة الصلبة وعلى كبرياء لا يعرف معنى الانحناء.. وفي العودة إلى تاريخ الشعوب المتخم بالدروس والعبر والحكايا, سوف نعثر على تجارب تشير إلى أن مصير الفرد هو مصير المجموع, وأن الوطن لا يتعرف بالأفراد, وإنما في قدرة الأفراد على تجسيد ما يعنيه الوطن لجهة الجغرافيا والتاريخ واللغة والمصير المشترك. وسواها من معاني الانتماء الأخرى.
في القرن الماضي, تعرضت بعض شعوب العالم إلى حملات متواصلة من التنكيل والخراب والقتل والتدمير والاستباحة, وهذه الشعوب استمرت سجينة لعقود من الزمن, غير أنها تمكنت من إلحاق الهزيمة بالمستعمرين رغم كل ما تملكه جيوشهم من أسلحة تدميرية وترسانات عسكرية, فالاستعمار الأوروبي قام خلال القرن الماضي بتوسيع دائرة غزواته مستعمراً أكثر من دولة عربية من بينها سورية ولبنان, وفي القرن ذاته أيضا تعرض الشعب الفيتنامي إلى أبشع صور الطغيان والاستبداد غير أن كل هذه التجارب ومن ضمنها جنوب أفريقيا, تمكنت من الظفر بمنارة الحرية, التي لا تغيب شمسها مادام الإنسان يتمرد على عجزه ولايرفع الرايات البيضاء.
و السادس من أيار عيد من الأعياد القومية في سوريا ولبنان لإحياء ذكرى الشهداء الذين صنعوا حرية الوطن. فالشهادة تحظى بمنزلة رفيعة في حياة الشعوب لما تحمله من معاني التضحية من أجل الحرية والوطن. إنها ذكرى التضحيات المشتركة في لبنان وسوريا. وقد تزامن كل شيء مع بدء الحرب العالمية الأولى، فشهد الشعب العربي عهداً من الظلم والمذابح على يد العثمانيين الأتراك. ومنها مذابح الأرمن والتي خلفت وراءها نتائج مأسوية وكارثية باتت اليوم جزأً من ثقافتهم . وإزاء سياسة التتريك انطلقت الحركة القومية العربية، وظهرت الحركات الاصلاحية من خلال انتشار الجمعيات العربية السرية في البلاد للتبشير بالحرية والعدالة وبث الروح الوطنية. وتحركت أقلام عبد الرحمن الكواكبي وغيره من المفكرين العرب، أمثال الشاعر إبراهيم اليازجي الذي قال: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب … فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب.
واليوم يتابع السلجوقي الجديد أردوغان ما يفعله حفيد العثمانيين مع شعبنا العربي السوري هومن معه من عملاء و ملوك وأمراء البترودولاربالتعاون مع ذاك الاستعمار القديم الجديد، من خلال مساندتهم للمجموعات المسلحة وعصابات القتل والإجرام التي عاثت فساداً في المدن والقرى وعمليات التفجير التي تأخذ أرواح الأبرياء بدون رحمة بحجة حبهم للشعب السوري وتحقيق الديمقراطية والحرية المزيفة التي لاتوجد إلا بعقولهم الصدأة بمخلفات القرن المنصرم بجرائمهم التي لاتنسى بحق شعبنا العربي في كل مكان
وبعد مرور 96 عاماً على الإبادة الأرمنية في 24نيسان 1915 و95 عاماً على المشانق العربية، من الصعب تجاوز تلك التواريخ كإرث تاريخي، ومن الأصعب تجاهل حقيقة الشهادة التي أضحت درساً في التضحية والمقاومة لتلك الشعوب التي تتعايش في نفس المنطقة، ورغم الضغوط الخانقة على الأرض فإن شهداء اليوم يعانقون شهداء الأمس ،فالمجد والخلود لأرواحهم أبدا.