news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
عائدة من الموت... بقلم : دانيا كاظم

يا الهي كم تخيفني كلمة الموت !!

انه فنائي و انتهاء وجودي , انه الانتقال لعالم آخر لا اعلم مكنوناته و لكني اعلم بأن الهواء و الماء و الطعام و الأزياء و المال و الذهب  و كل ما يتمناه المرء في الحياة سوف تكون عديمة القيمة هناك , انه البعد عن أهلي و أحبائي - انحباس للنفس و اختلاجات للجسد و عذاب و نزاع و ألم رهيب يتبعه فراق الروح و الهبوط  لقاع الأرض  حيث لا صريخ و لا مغيث و لا أنيس , الموت ينطوي على حساب لما فعلته و لما لم افعله , قد يكون امتحانا سأخوضه و أسئلة علي الإجابة عليها بين يدي الخالق أو من ينوب عنه في العالم الآخر,و قد افشل في ظروف لا تسمح لي بإعادة الكرة من جديد .

 


و لكن لا بأس , فمن المبكر التفكير في هذا الأمر فانا فتاة في مقتبل العمر و لازالت هناك عشرات السنين تفصلني عن الموت و عن هذا الامتحان المحتمل , فالأقربون للموت هم جدي و جدتي و جارنا العجوز اللذين قد أنهكتهم الحياة و تحولوا لحطام بشري و من المتوقع مفارقتهم لنا بأي وقت , و على أي حال فأن حياتهم لا معنى لها , فهم لا يستطيعون القيام بأي شيء و قد أنهكتهم الأمراض و العلل و هم بأمس الحاجة للانتقال لعالم أفضل .

 

أما أنا فلا زلت في مقتبل العمر , شابة صغيرة و جميلة و مدللة وأتمتع بقوام رشيق ولا أشكو أي من العلل التي يشكو منها كبار السن و استطيع أن آكل ما أشاء و استطيع الذهاب لأي مكان بدون الخوف من ألم بالظهر أو تقلص بالعضلات أو مشكلة بالتنفس ..  أضف إلى ذلك باني أود القيام بالكثير من الأمور  في حياتي , وأنا طموحة جدا , فانا ارغب بالحصول على شهادة جامعية و لا مانع من تحصيل مراتب علمية أعلى , و سوف اعمل فيما بعد و سوف اكسب الوفير من المال , و المال ضروري جدا لاقتناء سيارة حديثة و حضور الحفلات الصاخبة  و الذهاب للمطاعم الفخمة ..... 

 

و أنا اعشق السفر ولطالما حلمت بزيارة باريس مدينة النور و فينيسيا مهد الرومانس  و شاطئ الأحلام  بميامي- فلوريدا , و لدي الكثير من الصلات ,العائلية منها و غير ذلك, أود توطيدها و الاستفادة منها  و لماذا لا أتقدم بترشيح نفسي يوما ما لمقعد في مجلس الشعب !! فالمرأة الآن باتت تزاحم و تزعج الرجل في شتى المجالات الحياتية حتى أنها باتت تزاحمه بكسب لقمة عيشه !! لا و قد تفوقت عليه بأحيان كثيرة في مجتمعات معقدة كمجتمعاتنا , فهي تملك خصائص أنثوية عديدة لا يملكها الرجل و هذا يمنحها إمكانية الحصول على وظائف ممتازة و برواتب عالية ..و يمكنها تقلد مناصب اجتماعية و مهنية  أعلى , فأصحاب القرار الشرقيين لديهم عين بصيرة لا يملكها نظرائهم بالمجتمعات التي يقولون عنها بأنها متقدمة !! و لم أتكلم عن الزواج بعد , فعريسي سيكون شابا وسيما و غنيا , و أنا احلم ببناء أسرة ناجحة و سعيدة و سأكون أما جيدة لأطفالي .. و  بعد تحقيقي ما أصبو إليه يمكن بعدها التفكير بالموت و التحضير لهذا الامتحان العسير المحتمل فيما بعد .

 

كل هذا يتطلب مني أن أكون فتاة مميزة و متفوقة على أقراني من الفتيات , فتاة ذكية – جميلة –  أنيقة - مثقفة – حائزة على أعلى الشهادات – تملك المال الوفير – تتحدث بعدة لغات – تثير إعجاب الآخرين بذكائها و حضورها و طريقة حديثها و أناقتها – تتمتع بشبكة علاقات قوية , و باختصار أريد أن أحيا حياة سعيدة لا وجود للأحزان و المشاكل و المتاعب فيها. و لهذا فقد قمت بصياغة مخطط لحياتي  يتألف من عدة بنود سوف أقوم بتنفيذها ضمن برنامج زمني محدد , وسوف أراعي التحضير للامتحان النهائي , من اجل الوصول للهدف الذي أصبو إليه و هو أن أكون فتاة مميزة بكل شيء .

 

و لكن لغرض تنفيذ مخطط حياتي يجب علي العمل بجد , و تجنب إضاعة الوقت !!فانا لم أتخرج من الجامعة بعد و لغتي الأجنبية لازالت ركيكة , و محدودة بعدة مفردات و لابد من تطويرها , لا املك المال الكافي للتمتع بمباهج الحياة و مصدر رزقي لايزال محدودا بما يعطيني والدي من مصروف أسبوعي , و لا زالت ثقافتي محدودة و أكاد لا افقه شيئا بعالم الأعمال والأسهم  البورصات , و لا افهم خلاف وجهات النظر مابين والدي و أخي حين يتكلمون بالسياسة , و لا أعي ما يتكلمون عنه من يمين أو يسار أو اعتدال أو تعددية حزبية أو تنوع بالحياة السياسية  أو انتخابات برلمانية أو حرية تعبير و لماذا يعلو صوتهم و صياحهم أحيانا , و لكنني افهم أن والدي دائما على حق بصفته يملك الصوت و الصياح الأعلى .و لا ادري إن كان بإمكاني الوصول لدرجة الوعي الذي يتمتع به الكبار  في مجتمعنا اللذين هم خبراء بكافة العلوم الكونية !

 

لدي الكثير لأعمله من اجل الوصول للسعادة المطلقة , من الواجب علي تطوير ذاتي أولا . كيف ؟ يجب تطبيق بنود مخطط حياتي , يجب علي الدراسة باجتهاد  من اجل التخرج و العمل و كسب المال اللازم للحصول على المتعة .و يجب علي تطوير لغتي و يجب علي قراءة الكتب الثقافية و السياسية و الاقتصادية  و يجب علي التخلص من خجلي و حيائي و تدريب ذاتي على  المواجهة والصياح و الزعيق بمجالس النقاش كي أبرهن على أحقية وجهة نظري !! يجب علي ان أتواصل بشكل أكثر فاعلية مع الآخرين , سوف انخرط بنادي رياضي من اجل اكتساب بنية رشيقة تسمح لي بارتداء أكثر الأزياء أناقة  و سوف و سوف و.... .

 

 و لكني!!  أجد نفسي أدور بدائرة مغلقة و أجد نفسي عاجزة عن الاستفادة من الوقت , فانا استيقظ يوميا بساعات متأخرة و امضي الكثير من الساعات أمام جهاز التلفاز أتنقل من محطة و أخرى!!  و امضي ساعات طويلة ممسكة بسماعة الهاتف أهذي مع أقراني بأحاديث لا معنى لها ,  ساعات أخرى أمضيها على مواقع التواصل الاجتماعي دون التفكير بدخول موقع معلوماتي هام استفيد منه و لو لمرة واحدة !! 

 

أرافق زملائي أحياني لبعض الكافيهات ,عندما يتيسر لي شيء من المال , في جلسات روتينية تتضمن كاس عصير و نرجيلة و أحاديث مملة في كل مرة عن خطبة فلانة و أزياء علتانه و طالعة حلوة اليوم و فلان معجب بي , و هذا يرمقني بنظراته ..!! انه نزيف مستمر للوقت . قمت بإعادة صياغة الجدول الزمني لمخطط حياتي مرات و مرات دون جدوى , و لم أتقدم خطوة واحدة بتطبيق احد من بنوده  , التأجيل دوما سمة حياتي,  لازلت مكتفية بحلم كوني فتاة مميزة بكل شيء , و لا املك سوى إغلاق عيناي و الحلم  بصفة المثالية التي انشدها و مضى الوقت سريعا و أنا لا زلت أغلق عيناي و احلم ,  و فتحت عيني ذات مرة ووجدت نفسي في غرفة مظلمة لا باب لها !!

 

كل ما استطيع تمييزه  في هذه الظلمة هو أربعة جدران تحيط بي و سقف منخفض !! سكون مخيف صاحب الظلمة الرهيبة !! اختفت أشيائي من الغرفة , اختفت قطع الأثاث و المرايا والتحف و الثريا و لا اعلم مصير السرير الذي ارقد عليه , هل تراه اختفى هو الآخر ؟؟ فقد فقدت الشعور بأطرافي ! تحولت غرفتي الجميلة إلى مربع ضيق !! أين أنا ؟ أتراني مت و فارقت الحياة ؟ هل هذا قبري ؟ لم اشعر بألم النزاع و فراق الروح للجسد !! اشعر بشوق عارم لأهلي لم اشعر مثله من قبل !

 

 أنا مشتاقة لجدي و جدتي العجائز اللذين لم لكن أعيرهم أي انتباه , و اللذين من المفترض أن يكونوا هم بهذا الموضع لا أنا !! ماذا عن بنود مخطط حياتي الذي لم أنجز منه شيئا بعد !! ماذا عن حلمي بان أكون فتاة مميزة ؟هل قطعني الزمن و فاتني قطار النجاح ؟, لا اسمع صوت أمي الحنون و لا اسمع صوت صياح أبي العزيز و لاصوت لعب ابن أخي الحبيب ! أين هم ؟ لا اسمع شيئا سوى صوت بكائي الحزين , اشعر باني اقبع على بعد آلاف الأميال عن سطح الأرض ! اجل لقد فارقت الحياة  بدون أي مقدمات , و لم احضر للامتحان العسير الذي لطالما ما تحدثت عنه جدتي و الذي هو قادم لا محالة الآن .

 

 أنا خجلة من أهل السماء , فقد وفدت إليهم فتاة فاشلة و فقيرة و لم يكن هنالك معنى لوجودها قبل قدومها , اشعر بوحدة قاتلة , أصبحت شيئا منسيا !!  بدا الذعر ينتابني من ما هو قادم , أفضل الموت على ما أنا به الآن !! أي موت هذا فانا ميتة فعلا !! لست مستعدة لقضاء آلاف السنين وحيدة ها هنا , لا أنيس و لا جليس و لا ونيس .... أغمضت عيناي و بدأت أجهش بالبكاء لما حل بي ..يا  الهي هناك وقع أقدام لما هو آت نحوي !

 

 ماذا ينتظرني في غرفة الرعب هذه ؟؟ لا وجود لأبي أو أخي لإنقاذي ! أنا وحيدة وضعيفة و عاجزة هنا!!   فتحت عيناي لأرى هذا الزائر المرعب ..... اهاااا هذه وقع أقدام جدتي التي استيقظت لأداء فريضة الفجر ...  عادت غرفتي كما كانت من جديد ... يا الهي لقد كان حلما رهيبا .. استطيع تحريك أطرافي الآن .. قفزت لمرآة الحمام .. كان وجهي باهتا شاحبا ..انهمرت دموعي فرحا بعودتي للحياة بعد الموت . شيء غريب أن يكون كابوسا هو مصدر بهجة لي !! و لكنه هكذا كان . هنيئا لي بفرصة الحياة من جديد , كم هي جميلة إذا لم نستهتر بها .

 

كان كابوسا رهيبا , أنا فرحة لأني لم أمت بعد , و لكن من المؤكد بأنني سأموت يوما ما و اذهب في رحلة لا عودة منها من جديد .! ماذا يجب علي أن افعل ؟ الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك , و الاميريكيين يقولون : TIME IS MONEY  , لا اعلم كيف نقوم بالتهكم عليهم !! و نعتبر أنفسنا الأفضل !! لن امضي حياتي عبثا بعد الآن , اشعر بشريان الحياة يسري بعروقي ,  سأبدأ رحلة التميز الآن , قسما باني سأقوم بتنفيذ بنود مخطط حياتي مع ضرورة إجراء شيء من التعديل عليه ,  سأكون مثالا للفتاة المجتهدة و الجادة و لن اسمح لسنوات عمري أن تذهب سدى , و سأقوم بالتحضير للاختبار النهائي فقد قدمت من رحلة موت قصيرة و سأعود إليها يوما ما !! انتظريني جدتي فانا قادمة ....

 

2012-05-15
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)