news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الحراك الشعبي العربي.. الأسباب والجذور ... بقلم : زبير سلطان

خلال عام 2011 انطلقت في غالبية الدول العربية موجة من التحركات الشعبية ضد واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أطلق عليها العديد من الباحثين والسياسيين والصحفيين اسم (الربيع العربي) توحدت معظمها حول شعارات مشتركة: الديمقراطية، وتداول السلطة، وإنهاء الفساد. والقضاء على البطالة، وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم. يضاف إليها شعارات خاصة بقطر غير القطر الآخر.


 فمثلاً رفع المحتجون في مصر شعار كرامة الوطن. وسبب رفع الشعار شعور الشعب أن مصر استبيحت كرامتها بتابعيتها للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وفقدانها لمكانها الريادي في محيطها الإقليمي والمحفل الدولي.
ومن تحليل بسيط للمسببات الخلفية لانفجار تلك التحركات الشعبية نجد التالي:


ـ الأسباب السياسية:
من مراجعة تاريخية لنشوء النظام العربي الرسمي، الذي نشأ بين العقدين الثاني والثالث للقرن الماضي خدمة للمشروع الاستعماري للدول الأوربية، التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى وخاصة لفرنسا وبريطانيا، الدولتان اللتان أنشأتا هذا النظام من خلال اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، والتي قسَّمت الأرض العربية إلى دول صغيرة وضعت تحت انتدابهما، وخدمة لمشروعيهما الاستعماريين.
وخلال أقل من قرن على نشوء النظام العربي، يرى الباحث أن بنية النظام العربي الرسمي على مختلف أشكال دوله السياسية، ذو بنية سياسية واحدة، وتحمل سمات مشتركة واحدة تتمثل في الفساد، والتسلط، وغياب الديمقراطية، والعجز التنموي والغذائي، والفشل في الحد من البطالة وهجرة العقول العلمية، وعجز سياسي واقتصادي وعسكري.


ـ الأسباب الاجتماعية
أظهرت معظم البيانات الصادرة عن منظمات دولية وإقليمية أن الغالبية العظمى من سكان الوطن العربي تعيش ما دون خط الفقر، وزيادة مستمرة في الانقسام الطبقي في المجتمعات العربية، وبحيث بدت في قاع الهرم الاقتصادي والاجتماعي طبقة كبيرة فقيرة معدمة مهمشة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، تضم أعداداً كبيرة من الأطفال والشباب. وذكرت الدراسات أن أعدادها تتزايد يوماً بعد يوم، وهي تتسم بالجهل والفقر والأمية.


في الوقت نفسه يجلس على قمة الهرم الاجتماعي الاقتصادي طبقة غنية جداً قليلة العدد، نمت بسرعة مذهلة خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب الفساد والخصخصة، وبالتوافق والتشارك والتحالف مع  قوة نافذة في السلطة، وأوضحت وسائل الإعلام والدراسات البحثية، أن ثروة هذه الطبقة الغنية الطفيلية كان معظم مصادرها قادمة من نهب القطاع العام والسمسرة الداخلية والخارجية، والسمسرات المشبوهة في العقود التجارية والنفطية.
وما بين هاتين الطبقتين المعدمة المهمشة والغنية الطفيلية، تتشكل بشكل هلامي طبقة وسطى يغلب عليها طابع معظم المنتمين إليها: التهميش والتغييب عن القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في حين التحقت القلة من هذه الطبقة بالنظام العربي الرسمي، مستفيدة من هباته وعطاياه، مقابل ما تقدمه له من تبريرات وحجج للجماهير، وتسويق وتزيين شعاراته.


ـ الأسباب الاقتصادية
شهدت العقود الماضية فشلاً لمعظم الخطط الاقتصادية التنموية في غالبية البلدان العربية، بسبب ضعف الدراسة، وبعدها عن الواقع، غلب على إقامتها الارتجال، والدعاية الشعبية للسلطة، كما لم يدرس واضعوها طرق تصديرها وتصريفها داخلياً وخارجياً، إضافة إلى أن الفساد الإداري والمالي دمر معظم المؤسسات الاقتصادية والخدمية، مما أوقعها في شراك المديونية بسبب الخسائر المادية المتتالية، وفي تكدس إنتاجها في مستودعات سيئة وغير نظامية. فقد وظفت دول النظام العربي الرسمي مليارات الدولارات في مجال التصنيع، إلا أن الحصاد الإنتاجي لقسم كبير من تلك المعامل والمنشآت كان أقل بكثير مما توقع واضعو تلك الخطط. فكان الإنتاج يتعثر ما بين قلة المردود، أو الخسارة، أو منتج كاسد في المخازن، أو بطالة مقنعة، أو بتحول أعداد كبيرة من العمال إلى الأعمال الإدارية، والنقابية بعيدة عن الإنتاج.


يضاف إلى كل ذلك (سياسة التجريب الاقتصادي)، التي مارستها معظم البلدان العربية، والتي أدت إلى حدوث كم هائل من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، فخلال العقود الثلاثة حدثت في بلدان عربية عمليات انتقال سريع ما بين نظام اقتصادي ونظام اقتصادي آخر، يتناقض معه في الشكل والمضمون والأيديولوجية، تركت آثاراً سلبية على المجتمع والدولة، فتم الانتقال من اقتصاد كولونيالي/ إقطاعي، إلى الاقتصاد الرأسمالي، إلى اقتصاد رأسمالية الدولة، إلى سياسة الانفتاح والخصخصة، إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وكان الوطن والمجتمع واقتصاده حقول تجارب اقتصادية.


ـ الفساد
الفساد من أشد الأمراض التي انتفضت الشعوب العربية ضده، لأنه علة العلل، ورأس الداء. فقد ظهرت على السطح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي العربية، العديد من أشكال الفساد، التي ابتلعت قوارضه وجرذانه ثروات الأمة، فخلال العقود الخمسة الماضية بدت ظواهر الفساد في النظام العربي الرسمي في عدة أشكال، نذكر منها:
ـ فساد غير مسبوق من الطبقة الحاكمة، وانتشاره في كل مفاصل الدولة.
ـ اتحاد غير أخلاقي بين النخب العليا مع الرأسمال الطفيلي تكون من أنفاق الفساد.
ـ فساد الأجهزة القضائية والرقابية المكلفة بملاحقة الفساد.
ـ فساد عابر للحدود من خلال وحدة المصالح بين النظم العربية الفاسدة والقوى الخارجية الطامعة في ثروة وأرض العرب، فالنظام العربي يقدم الطاعة والثروة وتنفيذ السياسات التي رسمها الخارج، مقابل الحماية وعدم الملاحقة.
ـ ظهور منهج تعليمي وثقافي وإعلامي من أجل نشر الفساد والإفساد.


مع نمو ظواهر الفساد اندفعت العديد من البلدان العربية إلى استباق التحركات الشعبية في الوطن العربي بالعمل على:
ـ تهميش متعمد للطبقات الوسطى، والعمل على إلغاء دورها في بناء الدولة الوطن.
ـ تهميش الديمقراطية، وكم الأفواه، وإرهاب المثقفين، وتكريس قوانين الطوارئ، ورفض تداول السلطة.
ـ هزائم متتالية أمام التحالف الصهيوني/ الأمريكي، وفشل النظام العربي في حربه وسلمه، واتجاه علني لبعض الدول العربية إلى التحالف مع الكيان الصهيوني بغية كسب ود الغرب والولايات المتحدة خاصة.
ـ التخلف الكبير بين النظم العربية والتطور الحضاري الانفجاري الصاروخي في العالم المتحضر وخاصة المجاورة للدول العربية، الدول الأوربية.


ـ الأسباب الثقافية
مع التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفشل خطط التنمية، لجأ النظام العربي الرسمي إلى إنتاج ثقافة تافهة مبنية على اللهو والمتعة الجنسية، بهدف تغييب المجتمع عن الواقع، ودفعه إلى ثقافة الغرائز والأهواء بدلاً من الثقافة الوطنية والقومية والاجتماعية، فأنشأت العشرات من القنوات الفضائية التي تتوجه إلى كل أفراد المجتمع، التي تبث فقط الغناء الصاخب الذي يحرض تفجر الغرائز الجنسية، وغدت أجساد المغنيات والراقصات شبه العاريات هي معيار أهمية ونجاح الأغنية والمغني، دون النظر إلى قيمة الكلمة أو اللحن. وإنشاء قنوات فضائية تثقف الشباب بثقافة الهوس الرياضي، المبنية على المشاهدة، من دون الممارسة الرياضية.
صُنِعت ثقافة تافهة بدلاً من ثقافة منظومة القيم، التي قام عليها البناء العقلي العربي الروحي والمادي، تلك المنظومة التي تدعو إلى قيم الصدق، والأمانة، والشرف، والكرم والمروءة، والاعتزاز بالوطن والأرض والأسرة، والتكافل الاجتماعي، وتقديم الروح في سبيل المبادئ العليا للوطن والمجتمع وغيرها. فأنتجت الثقافةُ التافهة منظومة قيم منحطة أخلاقياً تقوم على النفاق، ودبِّر رأسك، والأنا والنميمة والحسد، والغيبة، وامتلاك المال والجاه من دون النظر إلى الوسائل التي توصل إليه، شريفة أو غير شريفة، وحتى إن كانت الوسيلة بيع الوطن.


ـ الأسباب الخارجية
شعرت الدوائر البحثية ومراكز الدراسات الغربية الأوربية والأمريكية، أن الشعوب العربية بدأت في التململ من نظامها الرسمي لتغير واقعها المتردي، وتبديله بنظام عربي صالح وديمقراطي ونظيف، تحقق فيه مبادئ المواطنة، وفق عقد اجتماعي جديد، يتناسب مع التطور الحضاري العالمي. لهذا عملت مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية الأمريكية والأوربية التالي:


استغلال التحركات والثورات والاحتجاجات العربية والإسلامية، وركوب موجاتها، وقيادتها لتكون أداتها في تنفيذ مشاريعها، بالادعاء وبفتح كل وسائل الإعلام العالمية والعربية، بنشر دعاية أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة، تناصر تحركات الشعوب العربية من أجل حريتها وديمقراطيتها، وأسرعت في تقديم قيادات عميلة مرتبطة بالغرب، كقيادات تقود الحركات الشعبية، وبالتحالف مع القوى التي تتقاطع معها في معاداة حركة التحرر الوطني.
فتوصلت الخارجية الأمريكية إلى عقد اتفاق تاريخي مع تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، الذي كانت تعيش معظم قياداته في الدول الغربية والأمريكية، يقضي أن تساعد الدوائر الغربية الإخوان للوصول إلى السلطة مقابل الهيمنة على النفط، والحفاظ على الكيان الصهيوني ومعاهداته وسفاراته الدبلوماسية والتجارية التي توجد في معظم العواصم العربية عدا سورية ولبنان.


فانتقلت المشاريع الغربية والأمريكية في المنطقة من محاولة تحقيقها بالغزو الخارجي، كما حدث في العراق وأفغانستان، إلى السعي إلى تحقيقها بأيدٍ وبأموال وبدماء عربية دون أن تخسر الدول الغربية جنودها وأموالها، ومن دون خسارة الرأي العام العربي والغرب.، بل يمكن أن توفر لها قاعدة شعبية وأنصاراً في البلدان العربية، من خلال الظهور بأن الغرب حامي الثورات والاحتجاجات، وأن تدخله العسكري إذا حدث، كما في الحدث الليبي، يأتي من أجل تحقيق أماني تلك الشعوب.
لقد قام الغرب بحركة استباقية للنضوج الفكري العربي الشعبي الساعي للتغيير وتحقيق حاجاته للديمقراطية والحرية، وإلى عقد اجتماعي جديد، يسوده مفهوم المواطنة والمساواة وتداول السلطة، ويدفعها إلى تحقيق مشروع الفوضى الخلاقة، ومشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يدعو إلى تقسيم البلاد العربية إلى طوائف وقبائل، ونهب ثرواتها، خدمة للكيان الصهيوني.


وهذا ما يتطلب من القوى الفكرية والثقافية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي وعياً كاملاًلهذه الحركة الاستباقية للحركات الشعبية من قبل القوى الغربية، لتحقيق مشاريعها المدمرة للوطن والمواطن، وخاصة خطورة ما يرفع من شعارات التدخل الأجنبي، ومناطق الحظر الجوي، ومناطق عازلة، وجيوب داخل الأرض العربية لقوات أجنبية غير عربية، أو لعصابات مصنعة ومدربة لخدمة المشاريع الغربية مهما رفعت من شعارات براقة.
إن المرحلة تاريخية وهامة تتطلب وعياً دقيقاً من الجميع أين ما كانت مواقعهم، وعياً بالرفض للتآمر الأجنبي، والعمل من أجل التغيير وبناء الدولة العربية الديمقراطية، وعدم الوقوع في  فخ المشاريع الاستعمارية الإمبريالية.

x

 



 

2012-05-21
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)