news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
أ تُحِبُّ أنْ تعيشَ مَحْسُوداً؟!...بقلم : مصطفى قاسم عباس

إذا أردتَ أن تنظر إلى قلوبٍ تكاد تَميزُ من الغيظ , وإلى صدور تكاد أضلاعُها تتمزق من الحقد , وإلى أكبادٍ تتفطر كراهيةً وحقداً,وإلى عيونٍ تخبركَ نظراتُها عن بغض دفين..فإنك سوف ترى ذلك في قلوب الحاسدين وصدورهم وأكبادهم وعيونهم...

ولكن , لا تسلني : لِمَ يحصل ذلك معهم ؟ .. لأنني لا أدري , ولكن أستطيع أن أقول لك :‏


كلُّ ما أدريه أن الحسد داءٌ قديم , ظهر منذ بداية البشرية... فقابيلُ ولدُ آدم , قتل أخاه هابيل حسداً , وكان الداعي إلى القتل أنَّ الله تقبَّلَ قربانَ هابيل ولم يتقبل من قابيلَ , فقتله بعد أن حسده , لذلك نرى أن أولَ جريمةٍ على وجه الأرض سببُها الحسدُ ..‏

وكل ما أدريه أيضاً أن الحسد لا يقتصر على زمن دون زمن , ولا على أمة دون أمة , ولا على جنس دون جنس , فالحسد هو داءُ الأمم , وهو يَحلق الدين , ولأن الدين الحنيف ينهى عن الحسد فقد قال عليه الصلاة والسلام :

 (( دب َّ إليكم داءُ الأمم قبلَكم : الحسدُ والبغضاءُ وهي الحالقةُ لا أقول : حالقةُ الشَّعرِ ولكن ْ : حالقةُ الدِّين ِ)) رواه الترمذي .‏

 

وكل ما أدريه أن الحسودَ لا يسود ـ كما قالوا ـ وأنى له السيادةُ وهو يكره الخير للآخرين ؟ .‏

وكل ما أدريه أيضاً أن الحاسد يعترض على حكم الله , فهو لم يرضَ بما قسم الله لعباده , ويوضح هذا المعنى قولُ الشاعر :‏

أيا حاسداً لي علـى نعـمـتي

أتدري على مَن أسأتَ الأدبْ ؟!‏

أســأتَ عـلى الله في حُكمه

لأنك لـم تـرضَ لي ما وهَبْ‏

فأخـزاك ربـي بــأنْ زادني

وسَـدَّ عـلـيك وجوهَ الطلبْ‏

 

وإذا كنت محسوداً , فلا تجزع ولا تتذمَّر , فجميل أن يكون المرءُ محسوداً , ولذلك قالوا :‏

وكل ذي نعمة في الناس محسودُ , وهذا هو الذي جعل النويريَّ في كتابه نهاية الأرب يرى أن من المديح القليلِ النظيرِ، قولَ علي بن محمد الأفوهِ :‏

محَّسـدونَ , ومـن يَعلقْ بـحبـلهِمُ

مـن البـرية يُصبحْ وهو مـحـسودُ‏

 

وجميلٌ قول البحتري أيضاً في هذا المجال ,كما في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري :‏

مُحَسّدونَ كأنّ المكرماتِ أبتْ

أن تُـوجدَ الدهرَ إلّا عند محسودِ‏

محسدونَ وشرُّ الــناسِ مــنزلةً

من عاش في الناس يوماً غيرَ محسودِ‏

 

ومن يتأمل في شأن الحساد فسيرى أنهم يسترون الجميل , ويتتبعون العثراتِ والسقطاتِ , وينشرون السيئاتِ فقط , وقد صدق الشاعر قعنبُ ابنُ أمِّ صاحب في وصفهم عندما قال ـ كما في مختارات شعراء العرب لابن الشجري ـ :‏

إنْ يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاً ..

. مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا‏

صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرتُ به ..

. وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا‏

 

ولي قصيدة بعنوان : ( الحسودُ ) نظمتها منذ عدة سنوات , وهي في ديواني الأول (صورٌ من مأساتنا) ومنها أقتطف لك أيها القارئ العزيز :‏

1- يَسْعى إلى المجد والعَلْياءِ مجَتهـــِداً‏

يكافحُ البؤسَ لا لا يَرْعـــــــوي أبـــدا‏

2- فإنْ عـــــــلا قدرُهُ واللهُ أكْــــرمه‏

يرى أناساً تلـظى صَدرُهم كَـــــــمداً‏

3- أَيحسدوَن وربُّ الَعرشِ حـــذَّرنا‏

في مُحْكَم ِالذِّكْرِ من شرَّ الذي حَـسدا‏

4- إنَّ الحسودَ جميعُ الخــلقِ تُبْغِضُهُ‏

والهم والغم والآلامَ قـــــد حصـــــدا‏

 

ففي هذه القصيدة تصويرٌ دقيقٌ لنفسيةِ الحسودِ , التي تميِّزُه عن غيره من النَّاس , تُصَّورُ الْحقْدَ الدفينَ الأسودَ في قلبه , حيثُ لا يريد الخيَر إلا لنفسه , وتصَورُ نفاقَهُ في المعالم العامةِ لوجهه عند لُقَياكَ , كيف أنه يُظهر الِبْشرَ والابتسَامة على وجهه إلا أنّ قلَبه يمتلئُ غيظاً , بل يكادُ يتميز من الغيظ . فتتذكر على الفور قول الشاعر :‏

ومهما تكنْ عند امـرئٍ من خليقةٍ وإن خالـها تَخفى على الناس تُعلمِ‏

وعلى الحُسَّادَ أن يعلموا أن الله مُطلعٌ على سرائر قلوبهم , وأنّ الله قد قَسَم عطاءَه بين الناس بالعدلِ فحسدُهُم وغيظهم لن يغير شيئاً من قضاءِ اللَّهِ وقدرِه .‏

 

وإني أذكر هنا قولاً جميلاً لابن عطاء اللهِ السَّكنْدَريِّ يقول فيه :

 (كفى بك جهلاً أنْ تحُسَد أهلَ الدنيا على ما أُعطوا, وتُشْغِلَ قَلبَكَ بما عندَهم , لأنهَّم اشتغلوا بما أُعطوا , واشتغلتَ أنتَ بما لم تُعْطَ ) تاج العروس للسكندري .‏

 

واعلم – يا أخيأن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينجُ من الحسَّادِ وكيدِهم , وقد أمره الله أنْ يَتَعوَّذَ به من شر حاسدٍ إذا حَسَد , فليكنْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أسوتَك، والقرآنُ دستورَك ...‏

واعلم أن الحاسدَ مهما اغتابَكَ ومهما كثَر الغيظ في قلبهِ , فإنه لن يَضُرَّكَ إلا بشيٍء قد كتبه الله عليك , وتذكر قوله تعالى في سورة التوبة : ( قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) التوبة (51) , وقوله تعالى في سورة آل عمران : (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران :119 .‏

 

...فأن تعيش محسوداً يعني أنك في نعيم , ويعني أنك مميزٌ بمزايا وخصائص كانت سبباً في إشعال فتيل الغيظ والحسد عند الحاسدين , ولذلك كان بعضهم كثيراً ما يكرر في دعائه :‏

اللهم أكثرْ حُسّادي .‏

 

وقبل أن نختم لا بد أن نذكر أن هناك حسداً محموداً وهو حسد الغِبطة ويكونُ بأن تتمنى أن يعطيكَ الله مثلَ ما أعطى فلاناً من الناس , ولكنْ من غير أن تتمنى في قلبك أن يُزيل الله النعمةَ عنه فهذا حسدٌ محمودٌ , وهو تَمَنٍ جائزٌ ومستحب.‏

وما رأيكم في الختام أن نقول معاً : اللهم أكثرْ حُسادنا , وقنا من شرهم وكيدهم , إنك سميع قريب مجيب .‏

2012-06-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد