يحكى أن سيارة كانت تمر في قرية نائية ، و على متنها عدد من الرجال الغرباء .
و بحسب إدعاء هؤلاء الغرباء ، أن إحدى عجلاتها العربة سقطت في حفرة على الطريق و انكسرت البراغي الأربعة التي تثبتها، مما أدى إلى خروجها من مكانها و توقفت السيارة ...
أقنع أصحاب السيارة أهالي القرية الذين هبوا للمساعدة ، بأنهم سعوا بشتى الوسائل لـتأمين بديل عن البراغي لكنهم عجزوا عن اصلاحها ، لأنه لا يوجد في القرية أية محلات لتصليح أو لبيع قطع الغيار، وهناك صعوبة بجر السيارة أو شحنها لمسافة طويلة ، حيث تتوفر هذه الخدمات ...
قضى الغرباء مدة من الزمن مع الأهالي في محاولة لإيجاد حل و لم يتمكنوا , و كان خيارهم البقاء في القرية ، حيث قدم أهل القرية الطيبون مكانا للاقامة و قدموا مستلزمات العيش الأخرى فأصبحوا زوارا ، يوم و يومين، ومع طول المدة دخل الضيوف إلى عقول الناس و عرفوا همومهم و مشاكلهم و خلافاتهم و أصبحوا جزءا من الأهالي .
ما هي إلا أيام حتى طفت كل القصص المنسية و الخلافات المردومة بين عائلات و أفراد القرية على سطح أمسيات الأهالي الهادئة ، لتحولها إلى أماسي صاخبة تضج بحفل انتصار هنا ، أو مأتم هناك ، و أصبحت السيارة المتوقفة و أصحابها مزارا لطلب المعونة، و محكمة للفصل في صراعات أهل القرية، و صار وجودها ضرورة بذريعة ، أن لا حل لإصلاحها . و كثر الاقتتال .
في يوم من الأيام قدم باتجاه السيارة شخص مهلهل الثياب و البدن ، اقترب من أصحابها و من الأهالي و سأل عن المشكلة ..
بالطبع لم يجبه أحد بل سعوا إلى طرده من المكان، كيف لا و هذا الشخص هو مجذوب القرية...
المجذوب عرف تفاصيل المشكلة من أهل القرية الأكثر عقلا ،و سعى لاقناع الأهالي بأن المشكلة لم تعد في السيارة المعطلة و لكن في أصحابها الذين استولوا على عقول الناس ، و قلبوا حياتهم رأسا على عقب..
نُهر المجذوب في البداية، إلا أن أحد الزوار طلب الاستماع للحل تحت ضغط بعض العقلاء من الأهالي .
اشترط المجذوب حضور كل الأهالي، و سأل الغرباء هل ستغادرون القرية في حال كان الحل مناسبا ، و بالطبع كانت الإجابة بنعم ، لأن السيارة المعطلة هي ذريعة البقاء , و لأن لدى الجميع قناعة، بأن لا أحد يعول على ما سيقول هذا المجذوب..
تسائل المجذوب : هناك أربعة براغي كسرت ! و هناك ثلاثة عجلات أخرى لدى صالحة في السيارة كل واحدة منها أربع براغي سليمة ..!! هل هذا صحيح .
حسنا ، نأخذ من كل عجلة برغيا واحدا و نضعة على العجلة المصابة فيصبح لدى كل عجلة ثلاثة براغي و بالتالي ستتمكن السيارة من السير بهدوء ريثما تصل إلى مكان تتوفر فيه خدمات الصيانة ...
تأكد اصحاب السيارة و الأهالي من أن الفكرة قابلة للتطبيق من حيث المبدأ ،و فعلا هّم الناس للعمل و تمكنوا من إصلاح السيارة ..
لكن أحد الزوار سأل الأهالي بغضب شديد : ألم تقولوا أن هذا الشخص ( أجدب )؟
قالوا: بلى .
قال: كيف إذن وصل إلى هذه الفكرة الذكية ؟
هنا تدخل ( الأجدب ) و أجاب الزائر: بالفعل أنا أجدب أيها الضيف،و لكني لست (حمارا).
هناك الكثير من الناس الطيبين (الجدبان) الذين راهن عليهم الخبثاء في الداخل و الخارج من هذا الوطن . آن الأوان ليثبتوا أنهم ليسوا مطية لأولائل الذين يريدون شرا بالوطن و أهله ، فقد أصبح واضحا تماما من هو الصديق و من هو العدو ،و من يريد بنا خيرا ،و من يريد تدمير هذا الوطن.
إن الطيبة و الكرم و حسن الضيافة ،و الحس القومي , و الجيرة, و التعاطف الانساني, التي دخل ضباع الليل من بوابتها إلى سورية، يجب أن يعاد فيه الحساب , حرصا على نظافة الوطن ..
فالمعروف بغير أهله ضائع .