سواء كانت (القاعدة) أو (مجموعة ثالثة)، أم إحدى المجموعات الإرهابية الناشطة في سورية، هي من خطط ونفذ مجزرة (الحولة) منذ أيام، وراح ضحيتها عشرات القتلى الذين مات قسم كبير منهم ذبحاً، وتقطيعاً بطريقة همجية، فإن هذه المذبحة تحتاج إلى وقفة جادة من كل السوريين من أجل أن نقول كفى!
نقولها لكل السوريين، لأن هذا المسلسل الدموي لن يوفر أحداً على الإطلاق، وأولئك الذين أعْمت أبصارهم الأحقاد والانتقام وتنفيذ مآرب الأجنبي، لن يكونوا بمنأى عما هو أفظع، إذا استمر الانحدار الأمني على هذا المنوال. رأفة بالأطفال الذين يموتون ولا يعرفون ماذا يدور حولهم، رأفة بالنساء والشيوخ الذين لا يتمكنون من فعل شيء أمام ما يدور حولهم، رأفة بأرواح الشباب الذين يجب أن يكونوا غد بلادنا الواعد، رأفة بكل حبة تراب من أرض هذا الوطن، فليتوقف القتل!
فليتوقف الرهان على مخطط قلب الأوضاع بقوة السلاح الغاشمة! فليتوقف استدعاء الأجنبي والمراهنة عليه! إن ملايين العراقيين والليبيين والفلسطينيين وقبلهم الجزائريين وغيرهم هم شهود إثبات، أحياء كانوا أم أمواتاً، على أن هذا الأجنبي المستعمر هو المصدر الرئيسي لخراب أوطاننا، فلا تستقووا به، فشعبنا قادر على حل أزمته بنفسه! وتأتي هذه المجزرة الفظيعة متزامنة مع مشروع فتنة أخرى يجري الإعداد لها في لبنان، ليكون التفجير الكبير واحداً في البلدين، وليتساوى الشعبان الشقيقان في السراء والضراء فعلاً.
إذ بعد خلق الأجواء المشحونة في طرابلس التي صارت تعجُّ بألوف السلفيين والإرهابيين المسلحين من كل حدب وصوب، من أفغانستان وباكستان وتونس والجزائر وليبيا ومصر وغيرها، وبالطبع من سورية أيضاً، أصبحت مدينة طرابلس نقطة ارتكاز وجسر عبور لهؤلاء المسلحين للتسلل إلى سورية والانخراط في المجموعات المسلحة الناشطة فيها، وصارت مثل برميل بارود، لا يحتاج إلا إلى شرارة لكي يشتعل.
وفي هذه الأثناء برزت فجأة قضية الحجاج اللبنانيين العائدين من العراق إلى لبنان، واختطافهم على الحدود السورية التركية من قبل جماعات مسلحة، بقيت هويتها غامضة إلى أن اكتُشف أن الخاطفين هم ذاتهم المجموعات السورية المسلحة الخارجة عن الشرعية، بعد أن حاولوا هم والسلطات التركية إخفاء هذه الحقيقة، ثم ما لبثوا أن وضعوا شروطاً لإطلاق سراحهم، فأصبحوا في عداد الرهائن، وبات مصيرهم مجهولاً.
وتشير التقديرات إلى احتمال استدراج (حزب الله) إلى الرد على هذا الاختطاف بإجراءات مماثلة تزيد من تعقيد الأمور وتؤدي بها إلى الانفجار المذهبي الواسع النطاق في لبنان بكامله، الأمر الذي يستتبع إشاعة فوضى السلاح في طرابلس بالذات، وفوضى وفلتان حدودها مع سورية، ما يسمح للإرهابيين المعسكرين فيها بالانتقال إلى سورية بأعداد كبيرة والعبث بأمنها وأرواح مواطنيها القاطنين في مناطق الحدود المجاورة، وإرسال قسم منهم إلى باقي المحافظات السورية لدعم مواقع المجموعات المسلحة التي تنشط في أكثر من محافظة سورية.
إذن، وفي حال صحة هذا التقدير والتوقع، نكون أمام سيناريو تصعيدي مخيف، تلتهب فيه مناطق التماس اللبنانية- السورية وأجزاء من الداخل السوري والداخل اللبناني قابلة للتوسع أكثر فأكثر. إن هذا الوضع الخطير، يتطلب لبنانياً عدم استدراج أي من الأطراف اللبنانية إلى الفخ الذي نصب لها باختطاف الأحد عشر مواطناً لبنانياً، والتعامل مع الموضوع بسعة صدر واستيعاب، لتفويت الفرص على دعاة الفتن والحروب الأهلية.
إن الأيام القادمة، تحمل في طياتها عناصر خطر وتفجر، ومجيء كوفي عنان إلى سورية، وإعادة عرض القضية السورية أمام مجلس الأمن بعد يومين، من المحطات التي تؤشر إلى القادم من التطورات، والجميع يعلم علم اليقين أن التحالف الغربي- الخليجي يحاول الإجهاز على خطة عنان منذ يومها الأول، لأنها، ولسبب بسيط تنادي بالحل السياسي للأزمة، بينما التحالف المذكور يسعى لشرعنة التدخل المسلح الخارجي وإسقاط الدولة السورية، وبين هذا وذاك فرق كبير.
والسوريون الذين نُكبوا بمجزرة الحولة وبغيرها من النكبات، طيلة الفترة الماضية، سيتعالَوْن على جراحهم، ويترحمون على كل الشهداء الذين قضَوْا، ويتابعون إصرارهم على الحل السياسي الذي ينقذ أرواح الجميع، وعلى السير في طريق تنفيذ الإصلاحات، وعسى أن يجمعهم مؤتمر وطني سوري شامل تكون شعاراته هي المصالحة الوطنية، ووقف نزيف الدم السوري، وحماية البلاد من خطر التدخل الخارجي، وهي أهداف لا نظن أن أحداً من السوريين يتوانى عن بذل الغالي والرخيص من أجل تحقيقها. نقلاً عن جريدة النور