كنيسة "حنانيا" ثاني أقدم كنيسة في دمشق، ومن أقدم الكنائس في العالم، تقع داخل السور بالشارع المستقيم بين منطقة "باب توما" و"باب شرقي".
وهي عبارة عن مغارة مكونة من غرفتين ينزل إليها من درج ذي إحدى وعشرين درجة، تعلو أحد الأبواب لافتة رخامية كتب عليها : (كنيسة القديس الرسول حنانيا الأرثوذكسية تأسست عام 1815)، تعود إلى الحقبة الرومانية أطلق عليها "بيت حنانيا" لأنه كان بيتاً للقديس "حنانيا" قبل أن تصبح كنيسة، لا يوجد تاريخ دقيق لتحول البيت إلى كنيسة ولكن من المؤكد أنها تحولت قبل الفتح الإسلامي عام 636 .
وقد ذكر بمجلة "سوريا" العدد الخامس منها عام 1924 أن "الكونت اوستاش دي لوريه" مدير البعثة في سورية قد قام بحفريات سنة 1921 بمدينة دمشق في منطقة كانت تعرف باسم "حنانيا" بالقرب من الباب الشرقي، حيث كان هناك كنيسة تدعى باسم "المصلبة" وهي احدى الكنائس التي سمح وليد الأول للمسيحيين باستعمالها بدلاً من الجامع الكبير.
وقد اكتشف "دي لوريه" موضوع الهيكل، كما أظهرت حفرياته أنّ هذه الكنيسة كانت هيكلاً وثنياً بالسابق، وبنفس المجلة العدد السادس لعام 1925 ذكر "لوريه" أن هذا الهيكل الوثني يعود للقرن الثاني أو الثالث بعد المسيح، ولم يكن اكتشاف هيكل وثني في مكان عبادة للمسيحيين شيئاً غريباً، فقد بنى الإمبراطور "ادريانوس" هياكل وثنية على جبل الجلجلة وفوق مغارة بيت لحم خصوصاً لإبعاد المسيحيين عن هذه الأماكن المقدسة.
كما ذكر أيضاً أن هذه الكنيسة بيزنطية تحولت بعدها إلى جامع، وبعد بضعة قرون قال "ابن عساكر" بأن: "كنيسة "حنانيا" تقع قرب السور بين "باب توما" و"الباب الشرقي" وأنها هدمت سنة 700 تقريباً".
أما الراهب "الفرنسيسكاني بوجيبونسي" 1347 قال: "قد تحولت كنيسة "حنانيا" إلى جامع على أيامه، وسنة 1363 قال الكاتب العربي "ابن شاكر" أن الخليفة "وليد الأول" (702-712) أعطى المسيحيين خربة "كنيسة المصلبة" بدلاً من كنيسة القديس "يوحنا المعمدان" التي تحولت إلى "الجامع الأموي" حالياً".
وقد زار الأب "بونيفاس دي راكوسا" -حارس الأرض المقدسة- كنيسة "حنانيا" بالقرن السادس عشر وقال: "إنه ينزل إلى هذه الكنيسة بعدد من الدرجات".
كما زارها الأب "كواريسميو الفرنسيسكاني" وقال واصفها إياها : "يقع هذا البيت في القسم الشرقي من المدينة، وهو عبارة عن بيت تحت الأرض ينزل إليه من الجانب الشرقي عبر باب ضيق ودرج وهو مثلث الشكل وضيق جداً طوله من الجانبين عشرين قدماً وعرضه عشرة، ويدخله النور من الأعلى عبر نافذتين مدورتين".
وقد أثبت الأب "أنطونيو ديل كاستيليو الفرنسيسكاني" أن بيت القديس "حنانيا" مكرم من قبل المسيحيين والأتراك المسلمين الذين كانوا يحرسونه ويشعلون فيه قناديل عديدة وقيل ذلك سنة 1630.
وفي عام 1820 استملك الآباء الفرنسيسكان التابعون لحراسة الأرض المقدسة هذا المكان المقدس وبنوه وكرسوه للعبادة، وهدمت الكنيسة في ثورة 1860 وأعيد بناءها عام 1867، وفي عام 1973 تم ترميمها، وبيت القديس "حنانيا" الحالي الذي يعرضه الآباء الفرنسيسكان اليوم على الزائرين للعبادة هو جزء من الكنيسة البيزنطية التي تعود للجيل الخامس أو السادس التي اكتشفها دي لوريه، وتحديد هذا المكان المقدس مطابق من جميع النواحي لما تناقله المسيحيون منذ أوائل المسيحية على أنه بيت القديس "حنانيا" أول أسقف لمدينة دمشق.
وقال الأب عاطف فلاح: "تأتي أهمية كنيسة "حنانيا" من كونها كنيسة رسولية ذكرت في الإنجيل المقدس، كما أنها أول مكان يظهر فيه السيد المسيح بعد القيامة، وهي مقصداً للمصلين والحجاج من كافة أنحاء العالم فتعتبر مكان حج للمسيحيين، فعندما تدخل إلى هذه الكنيسة فإنك تحس بنعمة خاصة كما أي كنيسة أخرى".
والجدير بالذكر أنّ القديس "حنانيا" فهو إحدى الشخصيات الواردة في الكتاب المقدس، فقد ذكر "حنانيا" كشخص دمشقي من أصل يهودي، ولما عمد "شاؤؤل الطرطوسي" ( بولس الرسول) كان سبق وتنصّر، وكان يتمتع بشهرة وتقدير عظيمين في كنيسة دمشق، وله كشف السيد المسيح المهمة التي عينها الله لرسول الأمم فأعظم شهرة للقديس "حنانيا" أنه قبل في الكنيسة الناشئة "شاؤؤل" الذي كان يضطهد الكنيسة وعلّمه مبادئ الدين المسيحي.
ويؤكد التقليد الشرقي أنّ "حنانيا" كان أحد تلاميذ المسيح الاثنين والسبعين الذي كلمنا عنهم القديس "لوقا"، وأنه قدم إلى دمشق بعد رجم القديس "استفانس" ثم رسمه الرسل أسقفا لكنيسة دمشق.
كان "حنانيا" يبشر بالإيمان المسيحي بالبلاد السورية لما قبض عليه الحاكم الروماني ليسينيوس وحكم عليه بالموت، ومات "حنانيا" مرجوما بالحجارة خارج سور دمشق في اليوم الأول من شهر تشرين الأول، ونقل المسيحيون جثمانه إلى داخل المدينة.
وأضاف الأب فلاح: "مازالت حتى اليوم تقام الصلوات بشكل يومي في الكنيسة، ويأتي إليها المصلين والحجاج من كل مكان، فنحن نصلي لجميع الأمم ولبلدنا الحبيب سورية الذي يمر الآن بأزمة صعبة".
ومن صلواتنا لبلدنا سورية: " أيها الرب يسوع المسيح، يا من ظهرت في سماء دمشق لتلميذك "بولس"، كما ظهرت لتلميذك "حنانيا" في بيته هذا، ومنحتهما محبتك وقوتك وسلامك، نسألك بشفاعتهما، أن تحفظ وطننا سورية، من كل شر، ونبتهل إليك بشفاعة أمك مريم العذراء التي لا ترد لها شفاعة، أن تهبنا وتهب جميع إخوتنا وأخواتنا في سورية، نعمة الانتماء الحقيقي لوطننا الغالي هذا، فنكون على الدوام، مواطنين صالحين، صادقين وأتقياء، ونقوم بدورنا الفعال في بناء هذا الوطن الذي اتخذته أنت بالذات منطلقاً لنورك ومحبتك على الأرض كلها، فيبقى أرض السلام والمحبة والإخاء والاستقرار، ومنارة للعالم أجمع ، آمين".
أما قصة شخصيات هذه الكنيسة القديس "حنانيا" والقديس بولس الرسول "شاول" كما وردت بالإنجيل المقدس:
أما "شاول" فما كان ينفث صدره غير تهديد وتقتيل لتلاميذ الرب فقصد إلى عظيم الأحبار والتمس منه رسائل إلى مجامع دمشق حتى إذا وجد اناساً على هذه الملة رجالاً ونساءً ساقهم موثقين إلى "اورشليم"، وإنه لسائر وقد اقترب من دمشق إذ بنور من السماء قد سطع حوله فسقط إلى الأرض وسمع هاتفاً يقول::
"شاول" "شاول" لماذا تضطهدني؟"
فقال: "من أنت يا سيّد؟"
وأما رفقاؤه فوقفوا حائرين يسمعون الصوت ولا يرون أحداً، فنهض "شاول" عن الأرض وهو لا يبصر شيئاً مع أن عينيه كانتا منفتحتين، فاقتادوه بيده ودخلوا به إلى دمشق فلبث ثلاثة أيام مكفوف البصر لا يأكل ولا يشرب.
وكان في دمشق تلميذ اسمه "حنانيا" فناداه الرب في أثناء الرؤيا :"يا "حنانيا""..
قال: "لبيك ربي"
فقال له الرب: " قم فاذهب إلى الزقاق المعروف بالزقاق المستقيم واسأل في بيت يهوذا عن رجل من طرسوس اسمه "شاول" وانه الآن يصلي، وقد رأى في رؤياه رجلا اسمه "حنانيا" يدخل ويضع يديه عليه فيبصر"
فأجاب "حنانيا": "رب سمعت بهذا الرجل من أناس كثيرين، كم أساء إلى قديسيك في "اورشليم"، وهنا لديه سلطة من الاحبار يستطيع بها أن يوثق كل من يدعو باسمك"
فقال له الرب: " اذهب فقد اخترته داعيا يحمل اسمي إلى الوثنين والملوك وبني إسرائيل وسأريه ما يجب عليه أن يتحمل من الألم في سبيل اسمي"
"يا أخي "شاول" إنّ الرب يسوع الذي تراءى لك في الطريق التي قدمت منها، قد أرسلني إليك لتبصر وتمتلئ من الروح القدس"
فتساقط عند ذاك من عينيه مثل القشور، وعاد البصر إليه فقام واعتمد ثم تناول طعاماً فعادت إليه قواه ولبث مع التلاميذ بضعة أيام في دمشق ثم أخذ من ساعته ينادي في المجامع بأن يسوع هو ابن الله فكان كل من يسمعه يدهش ويقول: " أليس هذا كان في "اورشليم" يطارد من يدعو بذاك الاسم؟ أما جاء إلى هنا ليسوقهم موثقين إلى الأحبار؟"
وإذا أردت أن تزور هذا البيت "كنيسة حنانيا" ما عليك سوى أن تذهب إلى منطقة باب شرقي وتدخل بالشارع المستقيم ومن ثم تدخل الحارة اليمينية فتجد الكنيسة مواجهة لك.