أذكر حين كنتُ بعدُ صغيرةً لا أقوى على مواجهة الحياة، أني كنتُ ألجأ إلى أمي، فأجد عندها الراحةَ والأمان، فهل من ملجأ سوى حضنها الذي تعطي من خلاله حبَّها الدائم؟
ومع ذلك لم تكن أمي تواسيني فقط بكلامها، بل تخفف عني بصلاتها التي تصدر عن قلبها العامر بالإيمان، والتي تحمل في مضمونها كلَّ معاني الرضا والأمان. كانت حين تصلي من أجلنا أنا وأخي، ترفع يديها الحانيتين إلى الله تطلب منه بقلبها قبل شفتيها، وتسأله أن يحفظَنا بكنفه ويشملنا بعنايته.. وكانت تلك الصلاة تمنحنا محبةَ الله وحنانَه والشعور قربه بالاطمئنان..
كانت صلاةُ أمي الدنيا والراحةَ بأكملها، وكانت أمي قدّيسةً أو وسيطةً بيني وبين الله. وقد علَّمتْنا بصلاتها الصامتة محبّتَه منذ أن كنّا صغاراً. لقد استمرت أمي تحملُ هذه الصلاة من أجلنا طوال حياتها فكانت تصّليها لي ولأخي، ثم صارت تصليها لحفيديها الصغيرين اللذين كانت تحبُّهما كثيراً. وذاتَ مرة طلبتُ من أمي أن تُسمعَني صلاتَها جهاراً فاكتشفتُ أنَّها تعويذة... لكن لا أعرف لماذا أحببت أن تستمرَّ في هذه الصلاة من أجلنا؟
وأردتُ أن أستمرَّ في تعلقي بها وبصلاتها؛ ربما لأنها بسيطةٌ شفافة صادرة عن قلبٍ مؤمنٍ ومحبٍّ لله... وقد بقيت أمي تصليها لي بصمتٍ كعادتها.. لقد ورثتْ أمي هذه الرقية عن أحد أقربائها، لكني لم آخذها منها عندما ورثتُ أمي، لأنني أحببتُ أن تصدر صلاتها الصامتة عنها هي فقط.. أحببتُ طريقتها في الصلاة، وكنتُ أعتقد أنها الطريقُ إلى الله... وها إنَّ الأيام تمرُ مسرعة بي، وأنا ما زلتُ أحنُّ إلى صلاةِ أمي، مازلتُ أحتمي بصَلاتها، ومع أنها الآن غائبةٌ عني لكني مازلت أذكر قسماتِ وجهها وتعابيرَ عينيها عند الصلاة.. إنني مشتاقةٌ لها ولصلاتها وليديها المرفوعتين دائماً إلى الله تطلبان منه الحمايةَ والمعونةَ والتوفيق.. 11 / 5 / 2012