يعتبر الوصول إلى علاقة إيجابية مع الطفل ومساعدته على بناء شخصية هادئة مثلاً أعلى يسعى إليه البيت والمدرسة معاً، مع اختلاف أساليب تحقيق الأمهات والمعلمين لهذه الغاية، ومما تجدر الإشارة إليه أن تحقيق هذه العلاقة يتطلب قدراً من التسامح الذي يختلف باختلاف الأطفال، كما يتطلب قبول الطفل كما هو والاستعداد لمنحه المجال لابتكار أنواع النشاط المختلفة والقيام بها، وكذلك القدرة على وضع الحدود لسلوكه بطريقة حازمة ولكنها ودية بنفس الوقت، ويصاحب هذه العلاقة مسألة هامة جداً وبغاية الأهمية ألا وهي الاستعداد للابتسام للطفل والضحك معه.
المدرس الذي قدم لي أكبر مساعدة
في دراسة أجريت على عينة من الأطفال لمعرفة مدى تأثير شخصية المعلم على شعور الطفل بالأمان والراحة النفسية كانت نتائج التجربة كما يلي:
المعلم عندما يكون مشجع وباعث على الثقة، نجد الأطفال قادرون على تصحيح الخطأ، ولديهم الرغبة في المحاولة أكثر من مرة، كما أنهم لا يضطربون من الأخطاء، وبالمقابل فإن المعلم الذي لا يغفر الأخطاء، والآمر، والناقد، يؤدي بالأطفال إلى أن ينشئوا على الخوف من المحاولة، واتسام شخصياتهم بالحساسية الشديدة، كما أنهم يتصفون بأشد من ذلك، ألا وهو أنهم يكونون مكبوحون أو متمردون.
وفي دراسة أخرى شملت تعليق 12000 طفل دخلوا في مسابقة بعنوان "المدرس الذي قدم لي أكبر مساعدة" كان أهم ما كتبه هؤلاء الأطفال ما يلي:
المدرس الذي قدم لي أكبر مساعدة هو الذي كان ديمقراطياً، متعاوناً وعطوفاً، عادلاً، يمتلك روح الرعاية، يهتم بمشكلات الأطفال، يستخدم أسلوب المدح والتقدير. باختصار هو المدرس الحازم المرن الذي يعتمد العلاج بالحب في تعامله مع أي مشكلة نفسية، سلوكية، وجدانية تواجه الطفل.
العناق بدلاً من العقاب
ينصح أساتذة علم التربية الآباء بألا يلجؤوا إلى عقاب الطفل عقاباً بدنياً، بل يؤكدون أن العناق هو أفضل وسيلة لتهدئة الطفل في حالة الغضب والخطأ، ويوضح علماء التربية أن عناق الطفل في حالة الانزعاج أو الغضب الشديد يجعل الطفل يشعر بأنه قريب من والديه، كما يجعله يهدأ فوراً من دون عقاب، مما يمهد للأب أو للأم الخطوة التالية، وهي توضيح الشيء الذي أخطأ فيه الطفل وتحذيره من تكراره مرة أخرى، وقد أوضحت دراسة علمية أن العناق يساعد على انتظام ضربات القلب واعتدال ضغط الدم، كما أنه يخفف من الإحباط ويحث على الاسترخاء، وأوضحت الدراسة أن السبب في ذلك يعود إلى قيام المخ بإفراز هرمون "أوكسيتوسين" الذي يسهم في شعور الطفل بالأمان، كذلك فقد خلصت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن احتضان الطفل عند البكاء يحفز من نموه عصبياً وعاطفياً، إضافة إلى ذلك فقد أكدت دراسات نفسية أخرى أن احتضان الأب والأم للطفل وتحريك يديهما على كتفه يزيد من ذكاء الطفل ونموه الطبيعي، إذا أنه يساعد على إفراز مادة "الأندروفين" في الجسم، وهي موصل عصبي يساعد على تخفيف العصبية والقلق النفسي والإحساس بالألم.
من جهة أخرى فإن حب الآباء لأطفالهم يترتب عليه الكثير من مظاهر التوازن والصحة النفسية، لذلك يشدد الأطباء وعلماء النفس المهتمون بالصحة النفسية على ضرورة إشعار الطفل بهذا الحب وإشباع حاجاته النفسية التي تنعكس إيجابياً على شخصيته المستقبلية وتعامله مع أبنائه، مع أهمية وضرورة قيام الأم بإرضاع الطفل من ثديها فقط، وألا يفطم إلا بصورة تدريجية وبعد بلوغه العام الأول على الأقل، كما أن النظريات الحديثة تدعو إلى عدم الفطام القسري للطفل، ومن ناحية أخرى تؤكد جميع الأبحاث المعنية بالمشكلات السلوكية والنمائية عند الطفل على علاج السلوكات السلبية التي يعاني منها الطفل من خلال الحوار الهادئ والإقناع والنقاش المتكرر، وهذا الأسلوب من أفضل العلاجات النفسية ويسمى "العلاج بالحب".
الحب الفائض
لكن يقع الكثير من الأهل في مطب الحب الفائض لأطفالهم، والذي يندرج تحت اسم "الدلال المفرط" دون أن يشعروا، وخصوصاً الأم، لذلك نقول أن التأثير السلبي للحب المسرف من قبل الأم يؤدي إلى إنتاج الطفل المدلل الذي قد يصل طغيانه من العنف حداً يتضاءل أمامه طغيان الموج الثائر فالمدلل يفرض إرادته على أبويه فرضاً مستخدماً الوسائل التي يعرف أنها تنفعه في ذلك من صراخ وبكاء وشدة غضب وإضراب عن الطعام وتحطيم الأثاث والفشل في المدرسة، كل ذلك لاستثارة عطف والديه وليشعر بقدرته وقوته، ومن الآثار التي تترتب على سلوك الطفل المدلل وعلى شخصيته أنه ينشأ على الغالب متواكلاً متشائماً فاشلاً في دراسته وعمله، وهنا يأتي دور الأهل في التفريق بين العلاج بالحب والإسراف بالحب.
أصبح الاهتمام بالطفل في وقتنا الحاضر من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم المجتمع وتطوره، إذ أن الاهتمام بالطفل ورعايته وحمايته في أي أمة هو في الواقع اهتمام بمستقبل هذه الأمة وارتقائها، وعندما تقوم الأسرة بعملية التنشئة الاجتماعية للطفل وتليها المدرسة بما تتضمنه من مفاهيم وقيم تتكون بالتدريج لدى الطفل نظرة حول نفسه والآخرين، من خلال علاقته بوالديه ورعايتهما له، وبقدر ما تتضمنه هذه العلاقة من دفء وتقبل وإشباع أو نبذ وإهمال تكون استجابات الطفل نحو الآخرين، ويتحدد مستوى مواجهة الطفل لمشكلاته والصعوبات التي تعترضه وتعيق توافقه.