سؤال حيرني كثيرا :
لماذا في مجتمعنا السوري اعتقاد بأنه واجب على الــ (غير مدخن) أن يتحمل دخان الــ (مدخن) ، وليس على الــ (غير مدخن) أن يستنكر أو يستهجن أو يتضايق أو حتى يلمح بتلميح صغير جدا بأنه متضايق من دخان الــ (مدخن) ؟!! ..
لماذا واجب على الــ (غير مدخن) أن يصمت ويراعي شعور الــ (مدخن) ويسمح له بالتدخين ونفخ سموم دخانه في الهواء وتعكير الهواء النقي واستبداله بدخان سيجارته ، دون أن يبدي الــ (غير مدخن) أي اعتراض على ذلك بل يجب أن يتمتع بحس الذوق معه فيبتسم في وجهه ولا يشعره بأنه متضايق أو بأن نَفَسَهُ مقطوع من سيجارته ؟!! ..
لماذا هذا هو الاعتقاد السائد في مجتمعنا السوري ؟!! ..
وهذا يقودني إلى سؤال : لماذا يستنكر الناس فعل (من يُخرج ريحاً كريهة من بطنه) ولايستنكرون فعل (من يخرج دخانا كريها من فمه) .. ما الفرق بين الفعلين ؟!! .. بالرغم من أن الفعل الأول غير مضر بالصحة ، لا للفاعل ولا للمفعول به ، بينما الفعل الثاني يضر بالفاعل وبالمفعول به .. فلماذا هذه المفارقة العجيبة (في مجتمعنا السوري بالذات ولا أتحدث عن باقي المجتمعات) ؟!! .. لماذا ؟!! ..
لماذا يعتبرون الفعل الأول منكر وعيب وقلة أدب وقلة حياء مع الناس الحاضرين في المكان ، ولا يعتبرونه كذلك بالنسبة للفعل الثاني ؟!! .. لماذا ؟!! .. ما الفرق بين الفعلين ؟!! ..
وأين نحن من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لاضرر ولا ضرار ) .. أي لاتسبب لي الضرر ولا أسبب لك الضرر .. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الذي يستنشق دخان المدخن يتضرر أكثر من المدخن نفسه ، وأطلقت على ذلك اسم (التدخين السلبي) .. فلماذا لايعي مجتمعنا هذا الشيء ويقف في صف الــ (غير مدخن) ويعذره ؟!! .. بينما تراه دائما يقف في صف المدخن ويعذره .. فيقولون لك (الزلمي بدو يدخن ، مو من حقك تمنعو ) .. وماذا عني أنا الــ (غير مدخن) ، أليس من حقي أيضا أن لا أتأذى من دخان الــ (مدخن) ؟!!..
لماذا لايدخن المصلون المدخنون في المسجد ؟!! .. الجواب : لأنهم يراعون حرمة المكان الذي هم فيه .. فالمدخن يعتبر في قرارة نفسه أن الدخان منكر خبيث .. ولكنه عندما يكون خارج المسجد فإن شهوته وتعلق قلبه بالدخان تجعله يتعالى ويتكبر عما تقرره نفسه في أعماقها من أن الدخان منكر خبيث .. فينطبق عليهم قول الله تعالى في وصفه لقوم فرعون الذين أنكروا المعجزات التي جاءهم بها موسى فقال تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) النمل/14/ ..
إذا الدخان منكر خبيث .. والله تعالى يقول : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) .. وهو هلاك للإنسان بشهادة كل الأبحاث الطبية .. والله تعالى يقول : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .. فلماذا لايعتبر المصلي المدخن حرمة بيته أو بيت صديقه أو دكانه أو مكان عمله أو سيارته أو أي مكان يجلس فيه (عدا المرحاض) .. لماذا لايعتبر هذه الأماكن من حرمة مسجده ، فلا يدخن فيها .. هل رب العالمين جل جلاله وتقدست صفاته وأسماؤه موجودٌ فقط في المسجد .. ؟؟!!!!! ..
أخيرا .. أقول (لنفسي أولا) ثم لكل مدخن : إن أردت التدخين فابحث عن مكان لايراك فيه رب العالمين ..وقديما قيل : (لاتجعل الله أهون الناظرين إليك ) .. وأقول له أيضا لاتكن أنانيا تسعى لإرضاء شهوتك من التدخين متجاهلا مشاعر ورأي الحاضرين معك من الــ (غير مدخنين) ..
وأقول لمجتمعنا السوري .. رفقا بغير المدخنين وأنصفوهم من المدخنين وكونوا عادلين بينهم في الحقوق .. فالهواء ليس ملكا للمدخن فقط ، وإنما يشترك فيه الــ (غير مدخن) أيضا (سواء كانوا نساءً أو أطفالا) .. وللمدخن أن يستخدم هذه النعمة (أي الهواء النقي) دون أي إساءة أو تخريب فيها ..
وشكرا لكل من تابع قراءة المقال حتى نهايته ، وعذرا على الإطالة ، وللحديث بقية ...
بقلم المدخن التائب /صهيب أسمر/ ..