هاجر ابو النور المولود عام 1918  احدى الدول التي انحسرت عنها الوصاية العثمانية واستبدلت بالانتداب البريطاني بعد اتفاقية تقسيم الوطن العربي الى مناطق نفوذ  وكان عمره في ذلك الوقت 22عاما وكان خريج مدرسة الكتاتيب التي كان الصف الدراسي فيها ظل شجرة في منطقة تقع بين عدة قرى ويسير عدة كيلومترات مشيا على الاقدام حتى يصل اليها لان الحمار غير متوفر فوالده يستخدمه للحرث والزرع

 اما ابن العمده فكان يأتي راكبا خلف قطروس (عبد اختياري )العمدة على حصان  وكان التخلص من الفقر والطموح الى التغيير وتحسين دخل العائلة هو الغرض وترك زوجته التي اكمل معها خمس سنوات ومعها وثلاثة ابناء وابنة واحدة وادار ابو النور ظهره وانقطعت اخباره وجاهدت الزوجة حتى وصلت بابناءها الى بر الامان

  وبعد اربعين عاما عاد ابو النور وقد تخلى عن الحطة والعقال ولبس الزي الاوروبي ويحمل حقيبة سفر  وفوجئت زوجته بالعودة الميمونة واعتقدت ان الحظ ابتسم لها اخيرا ولكن ابو النور عاد حاملا معه حقيبة ملابسه الشخصية وخانته حساباته حتى ان اجرة التاكسي دفعتها الزوجة التي اعتقدت ان ابو النور يحمل عملات اجنبية ولا يعقل ان ابو النور عاد كما ذهب والحقيقة ان ابوالنور انطبق عليه المثل القائل (غاب الغراب وجاب لامه بومه )

 وبعد انتهاء اسبوع الضيافة والاهل والاقارب والجيران وابناء القرية فرحين بعودة ابو النور من اوروبا صادف حضور وفد اجنبي الى القرية واقترح الجميع ان يقوم ابو النور بدور المترجم ويتفاهم معهم ولكن ابوالنور خيب الظن حيث انه لا زال محافظا على نفس الكلمات التي تعلمها في صغره فقط  وبعدها سألته زوجته اربعون عاما ولم تتعلم أي شيء من لغة بلاد الحرية والشمس الدافئة والحرية

وهنا قال لها هل تعرفي انني قضيت الاربعين عاما وانا اعمل في مخيطة اقوم بتنظيفها ولا يسمح لي بمغادرتها وراتبي يكفيني لاكلي وشربي ولباسي ولم اختلط بالمجتمع الذي كنت محسوبا انني مقيما بينهم ومن كنت اقابلهم كل عدة شهور هم ابناء الوطن حين يحضرون لزيارتي او اذهب لزيارتهم اذا سمح لي رب العمل بذلك

وهنا علقت الزوجة وما فائدة معاناتي وتحملي شقاء السنين وانا في خانة الارامل وانت لم تجن من الغربة شيئا ولم ترسل لي ولابناءك مليما واحدا وعشنا في فقر وحرمان وسافرت لتحقيق احلام الثراء ولكنك عدت بعد اربعين عاما وابن العمدة زميلك في الدراسة وزيرا للعدل وانت كما انت حتى انك لا تجيد النطق بجملة صحيحة واحدة وابن العمدة يجيد التحدث بثلاث لغات اجنبية وانت لا تدري ان ابن العمده هو من كان يتكفل بنفقات بيتك ودراسة اولادك وعلاج ابنتك التي كانت على وشك الموت وانت رجعت بخفي حنين

ولم يمض  شهر على العودة المفاجئة لابو النور حتى توقف باص اسود  مساء احد الايام كان بداخله عشرة اشخاص اشكالهم غير مريحة وافرغو في المخزن اكياس وصناديق واحكم ابو النور بعدها اقفال المخزن وطلب من ام النور تجهيز طعام العشاء للضيوف ولم تكن الوجوه تعكس شخصيات محترمة واثناء استماع ام النور للحوار بصوت غير مرتفع عن الترتيبات التي يجب عملها حيث ان لديهم سلاح وهو سيجلب لهم المال من الخطف والفديه والخاوه تحت ستار تحقيق الحرية للشعب وتخليصه من الظلم الذي يعانيه

 وقد كان لهذا الكلام وقع الصاعقة على رأس ام النور التي لم تكمل تجهيز الطعام لانهم لا يستحقون وارسلت ابنها البكر الى مركز الامن ليبلغهم بما يجري في بيتهم وبعد اقل من ساعة كان ابو النور ومجموعته في السجن واعترفوا انهم مدعومين من جهات خارجيه لتغيير النظام الحالي لانه ظالم وفاسد وقد كانت التعليمات بقتل اكبر عدد ممكن من الناس بغض النظر عن العمر والجنس والمنصب المهم اشاعة الفوضى لتقويض الحكم

 وقد حصل ابو النور على وعد بتعيينه عمدة البلدة  وقد حكموا بالاعدام وذهبت ام النور  لحضور حفل الاعدام  وطلبت ان تتحدث الى زوجها بعدة كلمات فسمحوا لها واقتربت منه وقالت  له امام الناس انت فاشل وحاقد واناني  وكل هذا تحملته اما ان تكون خائنا لوطنك واهلك فهذا ما لا يمكنني ان اتسامح به وانصح الحكومة ان لا تدفنك في تراب الوطن لان الانجاس والخونة من  امثالك لا يستحقون هذا الشرف ويجب ترك جثتك القذره للوحوش الضاريه والغربان التي يمكن ان تصاب بالتسمم من قذارتك وقبلة الوداع كانت كرة لزجه انطلقت من بين شفاه ام النور الى جبين ابو النور لتنساب قناة بين عيونه وكانت تساوي الاعدام قبل حصوله وقالت باعلى صوتها (ياحيف ) على كل من لا يعرف معنى الانتماء للوطن