أخوتي وأخواتي الأعزاء : إن كل مساهمة نكتبها تتألف من عباراتْ وهذه العبارات تتألف من كلماتْ وهذه الكلمات عند تجانسها تصبح بديعة لأنها تبتعد عن الصورة المبتذلة الوضيعة , والكلمة على كل حال هي أساس الإبداعْ ولولاها لما تقدمت البشرية بالإجماعْ .
أيها الأحبة إن الكلمات المتجانسة والأوزانْ هي قديمة قدم الإنسانْ , وكما تعلمون فإن أوّل أولاد بني البشر هما قابيل وهابيل ولاحظوا معي أن نسبة التجانس بين الإسمين هي كبيرة ( 4 من5 ) ومعنى ذلك أن النفس البشرية بطبيعتها تهوى الطباق والجناس منذ الأزل , ثم كانت الأوزان موجودة وحاضرة في أشعار العرب في الجاهلية على شكل ( قريض ) سماعي اشتق بدايةً من ( كلمات مسجوعة ) بعدها ظهرت القصائد و المعلقات ( عنترة بن شداد وامرؤ القيس …) , ثم جاء القرآن الكريم والذي يُعتبر مرجع لغوي ونحوي لنا نحن العرب ناهيك عن أوزانه الفريدة ( سورة مريم_ س الرحمن_ س طه…. ) وإعجازاته العديدة وعظاته المفيدة .
ومع انتشار الإسلام في الأصقاع ودخول عصر الترجمة والتأليف خاصة أيام الدولتين الأموية والعباسية توسعت علوم اللغة و ازدادت غنى , فنقّطت الأحرف العربية وشكّلت على يد ( أبو الأسود الدؤلي ) ثم بدأت
تكتب الحروف العربية وتُرسم بعدة خطوط ( الخط الكوفي _ الخط الفارسي … ) و ظهرت كتب النحو والصرف و القصة وفن المقامات ( الهمذاني _ الحريري ) وازداد فن الشعر رفعةً وتألقاً وذلك بظهور علم العروض على يد ( الخليل بن أحمد الفراهيدي)
والذي حصر بحور الشعر في خمسة عشر بحراً وقد زاد الأخفش بحر المتدارك عليها وراح الأدباء يتناظرون فيما بينهم ويتنافسون في مختلف هذه الفنون الأدبية مما أدى لنشوء علم البلاغة وساعدهم في ذلك كون لغتنا العربية : قوية جزلة كثيرة المترادفات معبّرة .
وما يهمني قوله من كل ما سبق هو ما وصلني من بعض الإنتقادات التي تُنكر عليّ هذا الأسلوب في الكتابة أي ( أسلوب السجع ) والذي لم أنتهجه حديثا إنما بدأت به منذ أكثر من ربع قرن وقد قيل قديماً (ما أحسن الأسجاعْ وما أخفها على الأسماعْ ), وأنا إذ أحترم آراء هؤلاء المنتقدين جميعاً إلا أنني أتوجه إليهم بالآتي :
_ ألم تلحظوا أن للخط العربي أنواع ولكل خط نجد متقن له ومبدع فيه و قد يأتينا بقطعة خطية نقف أمامها مذهولين من عظمة نسجها حتى أننا قد نحار في عملية قراءتها بشكل صحيح .
_ ألم تلحظوا أن للشعر العربي أوزان وبحور تختلف درجات قوتها من الكامل حتى الرجز ولكل شاعر بحر يستظرفه و يستهويه .
_ ألم تلحظوا أن للنثر أشكالاً منها : القصص والمقالات والمقامات ولكلً منها مجيدون و معجبون قال السكاكي : ( الأسجاع من النثرْ كالقوافي من الشعرْ ) .
_ ألم تلحظوا أن للأناشيد والأغاني والتراتيل أوزان وقوافي متجانسة , وعندما تُنشد أو تُغنّى أيضاً يكون لها أوزان فنقول ( نغمة صبا _ بيات _ عجم …) وعندما تُلحّن فإن إيقاعها له أوزان أيضاً .
و أخلص للقول : إن لكل منّا يا أعزائي أسلوبه الخاص في الكتابة وطريقته في توصيل المعلومة التي يريد , وانا أعشق السجع والكلام الموزونْ شرط أن يكون غير متكلف و له مضمونْ وهو يجري على لساني كما تجري المياه من الينابيع والعيونْ.
هذا ما وفقني الله إليه وهذا كل ما لديْ فإن أصبت فأعينوني وإن أخطأت فصوّبوا لي ولا تصوّبوا عليْ .