لم يكن لدي الكثير من الأعمال التي سأقوم بها في ذلك اليوم فقررت أن أفك وحدة عدم انقطاع تغذية لأحاول أن أعرف ماهية العطل فيه وإذ بأبي حمزة و هو الشاب الذي يقوم بإصلاح الطابعات من خارج المؤسسة.......... آه لقد جئت في وقتك هيا أعطني دروسا في إصلاح أعطال التجهيزات فأخذ يضحك وقال تكرم عينك مدام عندك مفكات قلت له لدي عدتي الخاصة بي .
و فردت له العدة فأعجب بالفكرة وبدأنا نتحدث ويشرح لي إلى أن ارتجت الأرض من تحتنا و جلجل ذلك الصوت اللعين فصرخت من شدة المفاجأة نظرت من بعيد من تلك النافذة وإذ بأشياء تطير في السماء زجاج معادن لا ادري تماما ما كانت و بعدها دخان كثيف وغبار و غبار وغبار و أصوات و فوضى هل هو انفجار أم قذيفة أم ماذا يا إلهي و بدأ الناس يهرعون إلى الخارج .......
انفجار في المبنى المجاور..............لا إنها عبوة ناسفة ..........لا إنها قذيفة هاون كل هذا لا يهم لأنه وقع و انتهى الأمر لا حول ولا قوة إلا بالله المهم المكان أين وهل تأذى أحد ؟
أعلى النموذج
وإذ بشاب يقول في قاعة اجتماعات المدير العام قذيفة هاون في الطابق الثاني من بنائنا .................يا للمصيبة المدير العام!!!!!!!!!!!!!
وقد كنت شبه متأكدة أن المدراء في اجتماع و كان لدي إحساس أن يكونوا قد اجتمعوا في القاعة .
فركضت و لا أدري ما سأفعل كل ما أذكره أنني نزلت إلى الطابق الثاني والركام و رائحة المتفجرات والغبار والدخان الأسود و لا أثر لأي أحد ولكن أصوات بعيدة بعيدة و هدير و فوضى .
و بدأ الخلوي يرن لا أريد أن أجيب على أحد لكن أصدقائي من البناء المجاور ربما سمعوا الخبر و يحاولون الاطمئنان و بين أفكاري المشتتة و أسئلتهم حاولت الإجابة دون تركيز .
المهندس أحمد المدير العام من سيخبرني أين المهندس أحمد ذلك الإنسان الكبير الذي لن يعاد بشخصيته وفكره و أخلاقه العالية وعمله الدؤوب.
و بدأت استذكر بعض الأسماء ممن كانوا في الطابق الذي سقطت فيه القذيفة من شباب المتابعة المهندس وسيم المهندس أسامة المهندس إبراهيم وعبد الرحمن والمهندس محمود و غيرهم كلهم كانوا يقدمون كل الاحترام عندما أزورهم لأعمل معهم .
عمار مسؤول الهاتف والاتصالات دائما بكل المديريات و معه أبا محمد من عمال ورشة الخدمات
المهندسة هيفاء وأمل ومازن كلهم أخوتي ماذا حل بهم .
و بعدها تمالكت نفسي وصعدت لغرفتي في الطابق الخامس وأفكاري تائهة و قلبي حزين وعيوني تدمع كلهم أخوتي كلهم عائلتي وما أدراك ما تعنيه العائلة هي كل شيء الماضي والحاضر والمستقبل .
ليس من تربينا في كنفهم وعشنا معهم في بيوتنا هم فقط عائلتنا.
هناك أناس نتعامل معهم يوميا ونتحادث ونتفاعل و أعمالنا تتم بعضها و نمضي الكثير من اللحظات المريرة و الجميلة معهم هؤلاء أيضا عائلتنا .
أحياناً ينتابنا شعورٌ بالرغبة في الابتعاد عنهم لتأتي الكثير من اللحظات التي ندرك فيها أننا خلقنا لنعيش معا و نعمل معاً و غالباً المصاب هو الحدث الذي يجمعنا ويزيد رباطنا وألفتنا و يهدئ من التوتر الذي يصيب سكينة هذه العلاقات .
وأخذت أغراضي و ناديت صديقتي غادة .........تعالي تعالي لن استطيع الجلوس أريد أن أعرف مصير كل هؤلاء و نزلنا بسرعة .
ورأيت هادي مسؤول المشتريات يحاول الوصول إلى مكان الحدث و فرحت برؤيته هادي أنت بخير الحمد لله على السلامة و ردني و أنت الحمد لله على السلامة فركضت إليه وسألته هل تأذى أحد فقال لا لا تخافي لا أحد اسرعي اسرعي و ابتعدي و في تلك اللحظة شعرت بأنفاسي تصعد براحه .
وركضنا إلى أن رأيت ذلك الرجل الذي يرتدي اللون البنفسجي بهمته العالية بين الموظفين إنه المدير العام والتفت وقال لي أين كنت أنت ؟
لحظتها حمدت الله وشكرته أنه بخير وها هو كعادته من الناس و بين الناس يطمئن على أحوالهم و يهدئ نفوسهم بوجوده معهم كم هو عظيم ذلك الرجل ,و بعدها بدأ الموظفون بالذهاب إلى بيوتهم وقالوا لي هيا نذهب قلت لهم اذهبوا أنا باقية .
أردت أن أرى كل شخص بنفسي فركضت إلى البناء المجاور و قد احتشد الموظفون الذين نزلوا من الطوابق العلوية خوفاً من تكرر الحدث و قد ارتسمت على وجوههم هالات من الخوف والرعب والصدمة والهلع .
ما ذنب كل أولئك الذين يعملون في مكاتبهم بكل جدِ و فجأةً تتساقط القذائف فوقهم, لتقول لهم أوقفوا أعمالكم و غادروا أماكنكم و إلا سيحل الخراب على رؤوسكم!!!!!!!!!!!! ما ذلك الحال الذي وصلنا إليه؟؟؟؟ .
و بحثت عن شباب المتابعة فوجدت المهندس إبراهيم و المهندس أسامة و قد اغتسلوا بالماء ليزيلوا آثار الغبار والدخان ,فبدأنا نهنئ أنفسنا بسلامة الجميع وبلطف رب العالمين و قد انتابني شعور برغبتي في البقاء علني أساعدهم في بعض الأمور وفي إصلاح الشيء الذي لحقه الخراب و قبل أن أعود لمكان الحادث حاولت الاتصال بالأشخاص الذين يصلحون الخراب الذي حدث بالمكان لكنهم لم يشجعوني على البقاء لأنهم تكفلوا بالعمل لإصلاح ما يمكن .
وبعدها عدت إلى المنزل وقد اختلطت المشاعر بالأفكار بعد يوم عصيب و اتصلت بزوجي و أولادي الذين ذهبوا إلى بيت الجد للاصطياف و قد كنت بحاجة إلى ضمهم إلى صدري لأقول لهم إنني أحبهم كثيراً و أحب كل عامل وكل إداري وفني وكل الناس كل الناس في مؤسستي.
كان ذلك اليوم عبرة لي ولكل الناس.
لماذا نتقاتل على أشياء سخيفة؟ ............لماذا لا نحسن التعامل و نحن نعلم أننا بحاجة لبعضنا ولا نستطيع العيش إلا مع بعضنا و لن يتذكرنا بمثل هذه اللحظات إلا من تركنا الأثر الجميل في نفسه.
لماذا لا نكون يداً واحدة سوى في المصائب ؟ لماذا لا نجعل الفرح أيضاً موحدنا ونحاول البحث عنه في كل لحظة تمر و في كل زاوية من حياتنا ؟
ما أدراك ما الدنيا ؟ وكم الإنسان ضعيف هو يقاتل و يفنى لامتلاكها وهي ترميه بلحظات.
أسفل النموذج