محظوظون أكان ذلك من حيث تلك المساحات الخضراء التي أعطت نظرنا منذ البداية رؤية خاصة تستدعي التفكير العميق بالأشياء و الظواهر و تاليا خلق مساحات حقيقية للتفكير و التأمل ، أو من خلال احتكاكنا المباشر بتفاصيلها وجمالياتها الأمر الذي خلق عندنا من حيث لا ندري نوعا من الذائقة البصرية والسمعية "ثقافة" جعلتنا نحسن التعامل مع الأشياء والأشخاص، كذلك للقرية والريف فائدة صرنا ندركها اليوم..لقد علمنا على احترام للآخرين، ليس لأن هذه الخصلة صناعة ريفية حصرية بل ربما لأن القرية بحد ذاتها مكانا غير معقد يتيح إمكانية للتواصل الإنساني البسيط واليومي..
نستطيع القول أن هذا الأمر كان موجودا في المدينة قبل حالات التشوه العمراني الذي أصابها ، و التي أدت بدورها لحالات تشوه تربوية يتم تشخيصها حقيقة في الأحياء الشعبية حول دمشق ، نعم عدد كبير جدا من السكان المحسوبين على المدينة هم ريفيون يعيشون في تلك الأحياء، الريفيون الذين لم يستطيعوا أن يبقوا مثلما هم ولا استطاعوا أن يكونوا مدينيون.
هذه الأحياء تفتقد لكل شيء، فالشوارع فيها هي ملاعب الأطفال و حدائقهم رغما عنهم ورغما عن آراء سائقي التاكسي الذين غالبا ما يردون ذلك لسوء تربية الأهل ، نعم هذه هي المساحات المتبقية للتفريغ عن الطاقة وهذه هي فقط المساحات المتبقية للعب واللقاء مع الأصدقاء وقبل كل هذا هذه هي المساحات المتبقية لمعرفة الآخر والتواصل مع "الطبيعة" .. لون الأسمنت هو ما تقع عليه عيني الطفل منذ نشأته ، علينا فقط أن نتخيل أي أحلام وردية وأي ذائقة سمعية وبصرية ستنمو مع أطفال هذه الأحياء..
بكل تأكيد سيمّس لون الأسمنت هذا، طبعا هو اللوحة الطبيعية الوحيدة التي يصبح ويمسي عليها، روح هذا الطفل،و سيشكل خلفية وذاكرة ..لكنها بكل تأكيد ذاكرة رمادية وقاحطة.
المشكلة لا تنتهي هنا، الحي الشعبي يفرز لغة خاصة وثقافة خاصة وسلوك خاص، لغة هي بين لغتين، لغة لا تنتمي لا للريف ولا للمدينة، ثقافة تقع بين ثقافتين لا هي ريفية ولا هي متمدنة، أما السلوك فبكل تاكيد هو النتاج العملي لتلك الإشكالية وهذا التناقض.
لذا ليس من المستغرب أن يكون الحي الشعبي في مناطق المخالفات أو مايسمى أحزمة البؤس المنتشرة بكثافة حول دمشق هو المصدر الأول للكثير من الحوادث الجنائية..أليس في وضع اقسام عملاقة للشرطة وحفظ الأمن في بعض تلك الأحياء "مثل القابون ، اليرموك" دلالة..!!
في هذه الأحياء حكايا غريبة لكنها حقيقية مثل .. أن طفلا لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يردد شتائم من النوع الثقيل لطفلة بعمره، تلك الشتائم يمكن لها أن تثير استغراب سامعها من كان ، و طفل آخر لا يتجاوز الثلاث عشرة عاما ، يمكن أن يجلس في شارع قريب من منزله و يحمل علبة سجائر (حمراء طويلة) و يدخن بطريقة لا تخلوا من إيحاءات الرجولة .
قصص لها علاقة بالمشاجرات و السرقات و الشذوذ و ربما الدعارة تقتل أحلامهم المخبأة في عيونهم إلى المستقبل.
خالد سميسم ـ سيريا نيوز