لكن لا بد لهم من التسلح بسلاح المعرفة والثقافة لمجابهة الصعاب التي تعترضهم ولمجاراة التطور الذي لا يلبث أن يلقي برحاله ويحط على عتبة اكتشاف، حتى يقفز إلى الآخر والآخر والآخر!، لذا من الضروري أن نغرس منذ نعومة أظافر أولادنا، حس المسؤولية والتعلم عندهم، وحب الإطلاع والتثقف.
أن يتقن المرء أكثر من لغة أمر بتنا نستهين به في عصر التقدم والعولمة هذا. بيد أنه عادة مكتسبة ويتطلب جهدا إضافيا لمحاولة التأقلم مع كل أجناس البشر، مهما تعذرت عليهم محاولات التخاطب.
إن عبور مرحلة انقطاع الحديث لبلوغ إمكان التواصل الحقيقي بين الشعوب، مرده إلى السعي الدؤوب للناس إلى تطوير ثقافتهم واكتساب أكبر كم من المعلومات عن الآخرين المختلفين ربما في التعبير في اللغة، لكن المماثلين بالفكر والمنطق والرأي.
إن تعدد اللغات جوهري للعيش في العولمة التي تلفنا من المحيط إلى الخليج، من الشرق إلى الغرب! وهو أمر يبدأ تلقينه منذ السنوات الأولى للطفل، إذ إن قدرة استيعابه تكون أكبر و"العلم في الصغر كالنقش في الحجر".
فمتى الكلام عن تعدد اللغات؟ وكيف تطبيقه؟ وما هي حسناته؟ وهل من سلبيات؟
تساؤلات عديدة تحاول الاختصاصية في علم التربية ريتا عبود الإجابة عنها في ما يتعلق بموضوع اكتساب الطفل لمهارة الحديث والكتابة والقراءة بغير لغته الأم التي من المحتم أن يتقنها في مرحلة يانعة من عمره.
اكتساب اللغة:
تؤكد عبود أنه "يمكن الحديث عن اكتساب اللغة منذ تكون الجنين في رحم والدته. فهو أمر يبدأ منذ ذلك الحين ويرافق الإنسان على مدار سنين حياته. فبعد نحو عشرين أسبوعا من الحمل، أي في الشهر الخامس، يتكون الجهاز السمعي عند الجنين، ويصبح باستطاعته أن يلتقط بعض الأصوات التي تتسرب إليه، بينما لا يزال في الرحم. وابتداء من الشهر السادس، يبدأ الجنين بتمييز الأصوات اللغوية ويتأقلم مع خصائص صوت والدته المميزة، وبالتالي مع اللغة أو اللغات التي تتكلمها. وبهذه الطريقة، يمكن للطفل أن يتعلم من دون أية صعوبة تذكر، اللغة الأم التي يبدأ بتعلمها منذ الولادة، عبر محاولات إحداث أصوات مختلفة غير مفهومة، إلى حين التطور إلى مستوى التعبير الواضح على نطاق الفهم والحديث، في مرحلة لاحقة من طفولته".
يمكن القول إن الطفل متعدد اللغة عندما يكون باستطاعته أن يتكلم بلغة مختلفة عن لغته الأم. فمتى أمكنه التعبير بلغة ثانية أو أكثر عما يريد قوله، يكون يتقن أكثر من لغة ويصبح بالتالي متعدد اللغات.
تعليم اللغات:
غالبا ما يتولى الأهل مهمة تعليم أطفالهم الكلام منذ السن الباكرة، وهم يشكلون القدوة والمثال، ويحثونهم على التكلم والتحدث.
تقول عبود إن محاولة تعليم الطفل أن يتكلم بأكثر من لغة، أمر بالغ الأهمية وتتداخل فيه عوامل عدة من شأنها أن تساهم في اكتساب اللغة، منها النضج الدماغي والفكري عند الطفل، والبيئة الثقافية والكلامية التي تحيط به، والسن التي بدأ فيها بتعلم أكثر من لغة، وكثافة استخدام اللغة وسواها من المعطيات التي يجب أخذها في الاعتبار".
فالولد يخزن المعلومات التي تصل إليه، ليعاود استعمالها وفق الحاجة في اللغة عينها التي سمعها بها. يعمد الولد إلى استخدام اللغة المتداولة في مجتمعه وبيئته، والتي يشعر أنها الأكثر استعمالا وانتشارا في محيطه، كونها اللغة التي يستعملها في حياته اليومية.
إن تكرار الكلام بلغة ما يحفز الولد على استعمالها، ويشجع على تعلمها والتخاطب بها، وينمي استخدام مفرداتها، فتنتشر في المجتمعات ويتم التداول بها أكثر فأكثر.
إيجابيات تعدد اللغات
تقول عبود إن تعدد اللغات من شأنه أن يخدم الطفل من ناحية أنه يسمح له بأن يكون منفتحا أكثر، ومرتاحا إلى التعبير بأكثر من لغة ومن وسيلة. كما يسمح ذلك بتنشيط التحاور والتخاطب مع الآخرين.
وبالتعبير عن الذات، وبالحصول على شتى المعلومات". بما أننا نعيش في جو تخترقه الحضارات من كل حدب وصوب، لا بد من أن يكون الإنسان على دراية بما يجري حوله، وأن يستطيع التأقلم مع اللغات الغريبة التي تنقل المعلومات عبر الإعلام على اختلاف وسائله. وعندما يتقن الطفل أكثر من لغة يستطيع أن يجاري العصر وأن يحقق مآربه ويحصل على التنوع في الأخبار والترفيه.
كما أن تعدد اللغات عند الطفل يفتح له بابا واسعا للتقرب من الغير ويعطيه مجالا للتعبير بحرية ووعي عن حاجاته ورغباته للجميع.
سلبيات تعدد اللغات
تشير عبود إلى "أن تعدد اللغات قد يشكل في بعض الأحيان حجر عثرة ويكون عقبة عند الأشخاص الذين ينمون لغة معينة على حساب اللغة الأم التي تضعف. فمع تزايد عدد المعلومات بغزارة عبر لغة معينة، لا يعود في استطاعة الذاكرة تخزين كم هائل من المعطيات في أكثر من لغة، فتنمو واحد وتقوى، فيما تضمحل الأخرى ويخف استعمالها". إن تداخل اللغات بعضها مع بعض يمكن أن يسبب حالات من الضياع والصعوبة في التعبير وتركيب الجمل. فلا يستطيع الطفل استيعاب ما يزيد عن طاقته الطبيعية. وعندما تدفق المعلومات مكثفا على نحو غير مدروس وغير سليم، قد يؤدي إلى تشويش الولد فلا يعود قادرا على التمييز باختلاف اللغات، ويضيع بالتالي في محاولة التعبير والتكلم بطريقة سليمة بلغة معينة.
دينا الأشقر – مجلة لها