وفي المدرسة عينها، ولكن في القسم الابتدائي وقفت سها ابنة الأعوام الستة تخطب في زملائها وزميلاتها محذرة إياهم من «الأنفلونزا الطيورية» وداعية الجميع إلى عدم الاقتراب من مطاعم الوجبات السريعة لأنّها قد تنقل هذا المرض. وفي برنامج «حراس البيئة» الذي يبثه التلفزيون المصري صباحاً للأطفال، أذيعت فقرة عنوانها «باي باي يا عصفورة» وهي عن صبي في السابعة من عمره كان يحتفظ بعصفورة من عصافير الزينة، لكنه فتح باب القفص لتطير بعيداً خوفاً من أن تنقل له ولأسرته المرض القاتل المسمى بـ «انفلونزا الطيور».
رقابة من نوع جديد
شعور مفاجئ بالقشعريرة يسري في الأبدان، ليس بسبب حمى الأنفلونزا، لكن خوفاً من ان نكون نشهد حالياً انتهاء قصص الطيور الموجهة للأطفال، وتشبيه براءة الصغار وانطلاقهم بشقاوة العصافير الصغيرة، واستخدام طيور الحمام البيض للدلالة على نشر السلام والمحبة، ومنع هؤلاء الأطفال من إطعام اليمامة التي اتخذت من نافذة غرفة نومهم عشاً لها.
منى (30 عاماً) أم لطفل في الخامسة من عمره، ولأنها مدرسة رياض أطفال، فهي تحرص كل ليلة أن تحكي لابنها أو تقرأ له قصة قبل النوم. لكنها وجدت نفسها تفرض نوعاً من «الرقابة» على نوعية القصص، تقول: «منذ اكتشاف انفلونزا الطيور في مصر، وجدت نفسي ألغي تماماً كل القصص التي كنت اقرأها أو أقصها لعمر التي تحوي تفاصيل عن طيور بمختلف أنواعها. كما أنني أكرّر على مسامعه بين الحين والآخر ضرورة الابتعاد عن الطيور بكل أنواعها. بل انني اتبعت معه أسلوب التخويف في شكل يعتبره البعض مبالغة، لكنه يعكس ذعري الشخصي من هذا الوباء».
وفي مدرسة ابتدائية في ضاحية مدينة نصر في القاهرة، تعرضت التجهيزات التي تجري على قدم وساق هذه الأيام للعرض الفني السنوي لعملية تبديل سريعة. فبدلاً من مسرحية «مملكة الطيور» التي كان تلاميذ الصفوف الاول والثاني والثالث الابتدائي ينوون تقديمها في اول نيسان (ابريل) المقبل، حلت مسرحية ألّفتها في أقل من 48 ساعة مشرفة اللغة العربية تحت عنوان «وعكة الطيور». تقول السيدة لميس مؤلفة المسرحية الجديدة: «قررنا قلب المسرحية رأساً على عقب بعد ظهور حالات انفلونزا الطيور في مصر محققين بذلك أكثر من غاية. فقد وجدنا أنه من غير المناسب أن يقدم الاطفال مسرحية عن الطيور في هذا الوقت من دون أن نلفت الى الخطر الآتي منها. ولذلك قررنا ان نستفيد من الملابس التي جُهّزت للاطفال على شكل طاووس، ودجاجة وحمامة وغيرها، وتدور احداث المسرحية حول مرض انفلونزا الطيور وسبل العدوى به والوقاية منه بأسلوب مبسط».
وعلى رغم هذا التفكير الذكي من تلك المدرسة وغيرها، إلا أن اكثرنا لا يسعه سوى النظر الى عصافير أفلام الكرتون التي طالما عشقها الجميع وتمتع بمشاهدتها على مر المراحل العمرية المختلفة والتي مثلت البراءة وخفة الدم والسرعة والشقاوة، وذلك بعيون مليئة بالأسى.
يتساءل هشام (5 أعوام): «يعني خلاص كل الطيور أصبحت شريرة وعلينا ألا نقترب منها؟ طيب والقطط والكلاب، شريرة هي الأخرى؟». ويحاول والد هشام عبثاً ان يفهم ابنه ان الطيور ليست شريرة لكنها قد تصاب بمرض يقضي عليها وعلى كل من يقترب منها من القطط والكلاب والبشر. فيعاود هشام سؤاله: «إذن فهي شريرة». يلجأ عندها الوالد الى أسلوب آخر، فيقول لابنه الصغير: «هي ليست شريرة، لكن المرض الذي قد تنقله شرير»، فينظر هشام اليه محتاراً: «لكن ناقل الشر شرير». فيسلم الوالد ويعلن هزيمته ويقول: «نعم يا هشام هي شريرة، المهم الآن هو ألا تقترب منها».
السؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو: «هل سنتمكن يوماً من إعادة أواصر الثقة والصداقة بين أطفالنا والطيور؟ وكيف يمكن أن نقنعهم بأن الطيور نفسها حسنة النية، لكن المرض الذي تنقله قد يفتك بنا، اذن هل نحبها أم نكرهها؟ وهل نغني لها «طيري طيري يا عصفورة» أم نغني ليها «باي باي يا عصفورتي» او بالأحرى «الوداع يا عصفورتي»!
أمينة خيري - الحياة