وتدلّ كثير من تلك التجارب على ان الطفل يتذوّق الموسيقى منذ أيام عمره الأولى. والحال ان الموسيقى تمثل نوعاً من اللغة المشتركة بين البشر. وتعبر الحواجز بين الشعوب والأجناس والأعمار. وبحسب المواقع المهتمة بأمور الأمومة والطفولة على الإنترنت، فإن الأطفال من ذوي الشهرين عمراً يلتفتون نحو الأصوات المتلائمة أو الممتعة في حين يلتفتون عن الأصوات غير المتلائمة. والحال ان الأذن هي مركز حاسة السمع التي تترك أثراً نفسياً كبيراً. ويُعتبر الطفل الرضيع صاحب «دماغ موسيقي» حساس!
وقبل سيطرتهم على المقدّرات اللغوية، يُظهر الأطفال قابلية بارزة للاستجابة إلى الموسيقى. أليس من الشائع، في مختلف الثقافات والشعوب، أن يتواصل الوالدان، وبتلقائية، مع الأطفال بأسلوب موسيقي مستعملين طبقات صوت واسعة المدى، غالباً ما تسمى مناغاة. ألا تشيع أغاني هدهدة الأطفال في الثقافات جميعها؟
وأجرت جامعة يورك في مدينة تورونتو الكندية دراسة موّسعة عن تلك الظاهرة عام 1999. وطلب مُعدّو الدراسة من الأمهات في شمال أميركا وشرق الهند إن يغنين الأغنية نفسها مرتين بطريقة مختلفة: مرة بحضور طفلهن وأخرى بغيابه. ولاحظ البحّاثة ان أصوات الأمهات تأثرت دوماً بحضور الإطفال، فكأنهن كن يستعملن تلك الأغاني للتواصل فعلياً مع الابناء.
وتورد دراسات أخرى معلومات عن تأثر الأطفال بالموسيقى من دون أن يكونوا قادرين على الكلام، نقلاً عن تجارب تخصصت في رصد سلوكهم. فمثلاً، وضع طفل في حضن أمه، وبقربه صناديق بلاستيكية شفافة ولكنها معتمة. وعندما يدير الطفل رأسه يساراً أو يميناً، يكافأ بإضاءة أحد الصناديق وبظهور لعبة ما مثل كلب أو قرد. وفي المقابل، عمل الباحثون على تشتيت انتباه الطفل بواسطة عزف الموسيقى، من مصدر غير بعيد عن أُذنه. وكشفت هذه الاختبارات مدى قدرة الطفل على التمييز بين نغمتين موسيقيتين مختلفتين، حتى لو كان الفارق بينهما ضئيلاً. كما لوحظ ان الأطفال يستجيبون أيضاً للتبدلات في إيقاع الانغام وسرعتها ونوتاتها. وأخيراً، وجدت باحثة أُخرى من جامعة تورنتو أيضاً، أن الأطفال بعمر شهرين إلى ستة أشهر يفضلون الأصوات المتناغمة على المتنافرة.
ويصعب اختتام الموضوع من دون الإشارة الى الدراسات التي اقترحت ان أُذنيّ الجنين تستجيبان للموسيقى في الرحم. فقد وجدت دراسة نشرتها أخيراً جامعة كوين في بلفاست، أن الأجنة بعمر أسبوعين ميّزت بين موسيقى غير مألوفة والأنغام المصاحبة للعرض التلفزيوني الذي تسمعه أمهاتهم يومياً.
الحياة