في البداية لابد من تعريف الموفد وزوجته، ثم الانتقال إلى تفاصيل أكثر شمولية: الموفد: شاب تفوق في دراسته الجامعية فظن أنه أفضل رجل في العالم. زوجة الموفد: شابة (قبل زواجها) تحلم بالعريس.
بعد هذا التعريف البسيط، أنطلق معكم في رحاب الإيفاد ومشاكله، وهذه المرة لن أطرح فكرة عدم كفاية المرتب، أو وصوله المتأخر، بل سأقدم فكرة عما يحصل لهذا المتفوق، من خلال استعراض مراحل حياته في بلد الإيفاد:
في السنة الأولى يقضي الطالب وقته وهو فاغرٌ فاه (فاتح فمه) إما إعجاباً بالبلد الذي أوفد إليه أو نتيجة للصدمة التي تحصل له بعد رؤية هذا البلد وبدأ مرحلة المقارنة مع بلده الأم سورية. أيضاً، في هذه المرحلة تكثر النصائح والتوجيهات من قبل الذين سبقوه بالإيفاد، ففي الصباح يقول له فلان بأن الدراسة سهلة والنجاح روتيني... الخ، أما في المساء فينبري له علّان ليقنعه بأن نيل الشهادة من المستحيلات وعيشة الموفد كالقطران... وتكثر الإرشادات حتى يصاب هذا المسكين بالغثيان، وتبدأ الكوابيس بصحبته إلى فراش نومه.
إذا كان هذا الموفد يستحق لقب متفوق، فإنه يتجاوز المرحلة الأولى، ويبدأ التفكير بكيفية كتابة المراسلات إلى وزارة التعليم العالي ولجنة البعثات، ويتعلم صيغة اصرفوا لي أسوة بفلان، وافقوا لي على حضور مؤتمر، الكتب والملابس ....وعاملوني كما تعاملون الغير... ولا ننسى هنا تعلم فن الغيبة والنميمة على أصوله في هذه المرحلة.
يمسح الموفد المصباح السحري فيخرج له موفد آخر ليعلمه أصول التقتير في المصروف، وجمع المال (حتى وإن قلّت كمية المال المجموع) كي يتزوج، عذراً .. كي يمتطي حصانه الأبيض ويطرق باب سعيدة الحظ، ولا يساوره أي شك بأنه سيتم رفضه.
كيف ترفضه العروس أو أهلها وهو دكتور المستقبل وعريس الهنا في الحاضر الذي يأخذ حبيبته في شهر العسل إلى ....بلد الإيفاد. طبعاً فكرة مارد المصباح جيدة ومقنعة ويمكن تطبيقها، كما أن الوضع الحالي يتطلب وجود زوجة إلى جانبه، فمعركة النجاح بدأت وحمي الوطيس، ولا بدّ من إمرأة تقف خلف هذا العظيم، تسهر على راحته وتحضر فنجان القهوة له وهو يتابع القراءة، تنام بعده وتستيقظ قبله، وأبداً، أبداً لا تشاهد التلفاز حتى منتصف الليل أو بعد، كما أنه يعود من جامعته ليجدها قد حضّرت له الطعام حيث أن مفهوم عودة الطالب إلى منزله بعد قضاء ساعات في المخبر ليجد الزوجة نائمة غير مطروق أبداً.
يستل سيفه أبو زيد ويتزوج، وأول ما يقوم به بعد الوصول إلى جنة العسل هو مطالبة الوزارة بتعويض الزوجة، كيف لا وهي التي ستكون سنداً له، ولا تتذمر بعد مدة قصيرة وتريد السفر إلى سورية في السنة ثلاث إلى أربع مرات، كما أنها لا تجعل زوجها يدفع ما فوقه وما تحته بسبب اتصالاتها على أهلها لتطمأن على أخوها الصغير هل نجح في الصف الثاني الإبتدائي أم لا.
صحيح أن تعويضها يفوق ما يتقاضاه موظف درجة أولى في سورية، إلا أنها لا تفكر هكذا ولا تعاير زوجها بأنه تزوجها من أجل هذا المدخول.
وهكذا ... تستمر حكاية السعادة، ولا يعكر صفوها غيرةُ الزوجة من زوجة موفد آخر أو حتى طالبة موفدة تصادف أن زوجها يعرفها.
كيف تغار، وهي الدعامة الأساسية لهذا المنتِج العظيم؟؟ حتى بعد حملها بوليّ العهد، تبقى دعامة ولا تنهار أبداً، ولا تطالب بإحضار أمها وخالتها وأختها الصغيرة للوقوف إلى جانبها أثناء فترة الحمل وعند الولادة.
لعلكم تسألون أنفسكم: هل تقبل هذه المرأة كل هذا؟؟ إجابتي نعم (واحمدوا الله أن أغلبهن لا يعرفن القراءة وإلا لأخذن على خاطرهن بعد هذا السؤال)، والذي يثبت ذلك بأنني لم أسمع ولا مرة في حياتي زوجة موفد تقول بأنه أحضرها إلى هذا البلد لتتعب بعد أن كانت تعيش بهناء في بلدها، إضافة إلى ذلك لم أسمع منها ما يوحي بأن قريتها أجمل بكثير من البلد الذي استضافها مع زوجها.
وتأتي السنة الأخيرة، ونسمات الرحيل تداعب شعرات رأس الموفد (إن بقي على رأسه شعرة)، ويقضي نهاره وليله بالتفكير بكيفية إقناع المسؤولين ببلده بضرورة إعفائه من أداء الخدمة الإلزامية، أو على الأقل إحداث منصب مدير -لأي شي- ويترك شاغراً حتى عودته، وأضعف الإيمان إلزام كافة المدراء بتوقيع اقرار بعدم التعرض للدكتور مهما فعل أو قال.
إضافة إلى ذلك وجوب رفع مرتبه ثلاثة أضعاف ما هو عليه الآن، وهذا لأنه يستحق ذلك كثمن لتعبه وشقائه الذي وضعته فيه الوزارة.
تلك الوزارة التي تركت كل ما لديها من مشاغل وكرست نفسها لإقناعه بضرورة السفر، كما أنه لم يقف حتى تصلبت شرايين قدميه كي يحصل على الإيفاد.