syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
المساهمات في هذا الباب لاتعبر بالضرورة عن رأي المركز
الكابوس المخيف (حكاية سورية بامتياز) ... بقلم : هاني يحيى مخللاتي
مساهمات القراء

كيف لا أعمل أو حتى أخفف من عملي؟ إذا لم أعمل كيف نأكل وإذا لم نأكل كيف نعيش؟ أما إذا خففت العمل فعم أستغني؟!!...

حدثت معي هذه القصة في إحدى ليالي الشتاء الباردة، عندما عدت إلى منزلي الصغير البارد الذي يكاد لا يختلف في طقسه عن الطقس الخارجي على الإطلاق، جلست على أحد الكراسي بائساً متعباً خائر القوى، تنفست بصعوبة ونظرت إلى الساعة القديمة على حائط الغرفة، صعقت حين رأيت أن أصغر عقاربها قد تجاوز الواحدة بعد منتصف الليل، فبدأت تدور في رأسي أفكار حمقاء لاتدل على أي معنى، فأولها بدأ بان أضرب هذه الساعة التي تسبب لي كل هذا الإحباط النفسي، وأحطم بيدي هاتين ذلك العقرب الصغير الذي يدور متابعاً خطاه دون أي توقف أو حتى تباطؤ وكأنه ليس من هذا العالم الذي نعيش فيه، والثانية كانت بأن أتوقف عن العمل، أو على الأقل أخفف من الروتين الذي أعيشه على مدار الأسبوع، فأنا نشيط جداً أستيقظ في الصباح الباكر قاصداً تلك الوظيفة التي خصصت راتبها كثمن للخبز الذي نأكله، والتي عند انتهاء دوامها، يكون عملي قد بدأ من جديد لأنني أعمل في دكان بعد الوظيفة مع أن راتبه ليس أحسن حالاً من راتب تلك الوظيفة، فخصصته كثمن للطعام، وعند انتهاء العمل الثاني يكون الأمر مضحكاً لأني أنطلق إلى مكان ثالث أيضاً وأعمل فيه براتب بسيط لا يكفي لسد جزء بسيط من مصاريفنا اليومية، وعند انتهاء هذا الدوام يكون ذلك العقرب هذه المرة قد لدغ صاحب العمل الذي يتمنى أن نعمل لديه على مدى ساعات اليوم وبنفس الراتب الضئيل.

ما هذا؟ كيف لا أعمل أو حتى أخفف من عملي؟ إذا لم أعمل كيف نأكل وإذا لم نأكل كيف نعيش؟ أما إذا خففت العمل فعم أستغني؟!!...

عن الخبز الذي قضيت عمري بين الكتب للحصول على الوظيفة التي منحتني إياه، أم عن الطعام الذي لا حياة بدونه؟ حسناً سأستغني عن المصاريف اليومية فهي ليست بكثيرة، ثم أن كلها فواتير ومازوت وأجور منزل و،و،و.. إلخ، وكيف أستغني عنها، تنهدت وابتسمت ونظرت مرة أخرى إلى ذلك العقرب علّه كان يمازحني ولكنه لم يكن ليفعل ذلك بل وقف برأسه البشع على الرقم اثنان وكأنه سعيد بما يفعل فقررت أن أنام وأرتاح من هذا الإحباط ولو لفترة لا تتجاوز الخمس ساعات أي أنها أقل من فترة النوم الطبيعية لدى الإنسان.

استيقظت من نومي مستعيداً لكامل نشاطي نظرت إلى العقرب الصغير فوجدت أنه لم يتجاوز الساعة السابعة تعجلت في أمري وذهبت إلى الحمام، غسلت وجهي (والغريب أن الماء لم يكن مقطوعاً) وارتديت ثيابي ثم تناولت قطعة خبز بعد أن وضعت فيها جبنة طرية طازجة (لا أعرف من أين جاءت) زاد طعمها الرائع من بهجتي أكثر فأكثر.

قبل أن أخرج نظرت إلى ذلك العقرب فوجدت أنه لم يمش سوى ربع ساعة ففرحت وخرجت بعد أن أيقنت أن هذا اليوم الجميل لن يحمل لي توبيخاً جديداً كالعادة وسيغير ولو بشكل بسيط من نمط الحياة الذي أعيشه، وأنا في طريقي وجدت أن الازدحام الذي نعيشه يومياً كما لو أنه سراب فالسيارات تمشي براحتها والطريق هادئ جداً والأكثر غرابة أنني لم أسمع صوت الزمور في ذلك اليوم.

وصلت إلى الوظيفة فابتسم مسؤول القسم الذي أعمل فيه واستقبلني برحابة صدر كبيرة والغريب أن كل الموظفين كانوا يومها ملتزمين وعلى رأس عملهم على غير العادة وكانت الابتسامة الجميلة لا تفارق وجوههم وكان المراجعين بقمة الالتزام فلم يحاول أحدهم أن يحصل على دور الآخر أو يفكر بدفع الرشوة للحصول على أي شيء ولا حتى على إمضاء بسيط.

أدركت حينها أنه يوم غريب وعندما انتهى دوام الوظيفة كان بعض المراجعين لا يزالوا موجودين في الدائرة فلم يطردهم أحد أو يؤجلهم إلى يوم آخر لكنني لم أستطع أن أبقى أكثر من ذلك، لأن صاحب الدكان التي أعمل بها سوف يستغني عن خدماتي لأتكبد عناء البحث عن عمل آخر إذا ما تأخرت عليه فأسرعت مسروراً وكلي أمل بأن تبقى الحال على هذا الشكل.

وصلت إلى الدكان وأنا على علم أنني تأخرت لأكثر من عشر دقائق وهذه كارثة عند صاحب الدكان والسبب في ذلك كان أن سائق الباص أوصل أحد الموظفين المسنين إلى باب بيته لأنه كان يشعر بالتعب علماً أنها كانت المرة الأولى التي يفعل بها ذلك مع موظف من الجنس الذكري وحتى الموظفات المسنات ما كانوا ليحصلوا على ذلك بغض النظر عن السبب، المهم أنني كنت متوقعاً أن أنال توبيخاً اعتادت أذناي على سماعه ولكني فوجئت بترحيب غير مسبوق وسلام لم أعتده من قبل، وعلى المنوال السابق قضيت كلاً من الدوام الثاني والثالث، الأمر الغريب أن كلاً من صاحب عمل الدوام الثاني والثالث أخبرني أنني حصلت على زيادة في راتبي بنسبة خمسين بالمائة مما زادني غبطة وسعادة لا توصف، وعندما انصرفت من العمل الأخير شعرت برغبة بالبكاء، فيوم بدون تأخير وازدحام وضجيج وشجار ورشوة وسرقة وكذب وتلاعب وتكبر واختلال في العقل وامتصاص جهد موظف شريف مسكين سبب لي بعض القلق، فمثل ذاك اليوم لم أعتده في حياتي، وصلت إلى المنزل ولنفسي الراضية دور كبير بأني لم أكن متعباً كالعادة بل شعرت كما لو أنني قضيت يومي في نزهة لا أعرف عنها سوى أنها تحتاج إلى الكثير من النفقات.

وأخيراً نظرت إلى الساع، فذهلت !!؟ كان العقرب الصغير الذي أصبح صديقا لي واقفاً وبشكل أنيق على الرقم تسعة فظننت أن الساعة معطلة وراقبت العقارب الأخرى، لكنها لم تكن متوقفة، فبدأت حديثاً مع نفسي، هل هذه حقيقة أم أنه ضرب من الجنون؟ إنه يوم غير طبيعي؟ أو على الأقل يوم غريب عن باقي أيام الزمان الذي نعيشه، كيف سيكون الغد؟ ما سر تلك الجبنة التي لم أتذوقها من قبل؟ أسئلة كثيرة دارت في خلدي لم تكن لتنتهي لولا ذلك الصوت المزعج الصادر عن سيارة الشحن الخاصة بجاري القبيح لتؤكد شكوكي وتخبرني أن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً وأنا لا أزال أغط في نوم عميق، فأدركت أن ذاك اليوم ما هو إلا محض خيال، ربما هو حلم جميل، لكنه كان بالنسبة لي كابوساً مخيفاً لم أعتده من قبل، كابوساً مخيفاً أو علامة من علامات يوم القيامة (والله أعلم).


2009-10-29 13:00:43
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق
moni9612009-10-29 20:35:01
أفلاطون القرن الـ 21
شعرت منذ البداية بأنه حلم ( كابوس ) لأنه كثيراً ما يزورني ذلك الحلم الجميل , أفكر أحياناً بأفلاطونية قريبة من أحلامك,ولكن بفارق الأمل أشعر بأنه لابد أن يأتي ذلك الحلم ليأخذ مكانه في الواقع ,دمت ودامت أحلامك النابعة من تلك القطعة الطرية التي تذوقتها وما هي إلا طراوة روحك الحالمة.
-سوريا