سأقدم لكم قصة حقيقية ولأنني أعتبرها تجربة مريرة، لأنني لم أستطع فعل شيء، نعم يا سادتي وجدت نفسي حائراً مكتف الأيدي ولم أستطع أن أساعد واحداً من أعز أصدقائي في موقف لا أستطيع حتى وصفه بكلمة معينة.

نعم ياسادتي، رأيت الشيطان قبل أن أرسل هذه المساهمة بيوم واحد، تسلل إلى مجلسنا وقدم خدماته لصديقي الذي كان صريعاً أمامه، والذي لم يستطع الرفض على الإطلاق، حتى النداء إلى صلاة المغرب والذي كان عالياً ومسموعاً في محله، لم يكن ليردعه عن فعله، أتيته زائراً بعد غياب عدة أيام، وكنت قد اعتدت أن أمر عليه يوماً في كل اسبوع، زيارة أصدقاء جمعت بينهم صداقة عمل منذ خمس أعوام تقريباً، وما وطد هذه الصداقة إلا اجتهاد هذا الانسان وتفانيه في العمل، وطموحه الذي لا استطيع وصفه.

عندما وصلت إلى محله في تلك الساعة والتي كانت مبكرة قليلاً في هذه المرة، وجدته جالساً مع فتاة لم أراها عنده قبلاً وكانت أخته كالعادة تستعد لمغادرة المحل، لانتهاءها من عملها، وطلبت من تلك الفتاة أن ترافقها، للوهلة الأولى ظننت أنها صديقتها أو احدى قريبات صديقي واللاتي يترددن إلى ذلك المحل لزيارة اخته التي تعمل فيه.

طال الانتظار وبعد أن قررت الأخت أن تذهب وحدها، وقفت تلك الفتاة مستاءة، وقالت سأذهب معك، خرج الشاب مع اخته والفتاة لايصالهما إلى الباب وفور عودته سألته عن الفتاة وعن صلتها به أو باخته، وقبل أن يرد لي جواباً عادت تلك الفتاة ونادته وتكلما قليلا ً على باب المحل.

كاد الفضول أن يقتلني ولكنني انتظرت حتى يعود فأسأله عن حديثهما، عاد وقبل أن أتفوه بحرف واحد رما على الطاولة كيساً أزرقاً صغيراً والله ما عرفت ما بداخله الا بعد الحديث التالي:

صديقي: شوف شو لقت ع الكرسي.

أنا: وشوهاد يعني.؟

صديقي: شو انت من المريخ.؟ مابتعرف شوهاد.؟

أنا: لا والله مابعرف شوهاد.

صديقي: لك هاد واقي زكري يمكن شي واحد من الشباب حب يمزح معي مزحة تقيلة.

(وقصده بكلمة الشباب أي أحد أصدقاءه الذين يترددون عليه دائماً).

أنا: شو قالتلك البنت.

صديقي: قالتلي دير بالك على غراضك ليك شو لقيت على الكرسي تبعك..!! منيح اللي ماشافتو اختك.

أنا: لك لسا ما عرفت انا مين هي البنت.

صديقي: لك هي وحدة كانت تشتغل بمحل أمي بس أمي ألعتها من المحل لأنو مافي كتير شغل.

أنا: اي وشو رجعها.

صديقي: جاية تشوف اختي وعم تحكي معي مشان نقول لأمي ترجعها ع الشغل.

(بعد أن اتضحت هذه الصورة تسلل الشك إلى قلبي وأخبرته حقيقة شعوري).

أنا: لك ليكون هي لعبة من البنت وبدها شي منك والله أنا من أول ما فتت لعندك حسيت عينا زايغة.

صديقي: لك لأ البنت متجوزة الله يستر عليها.

أنا: متجوزة..!! (بعد أن قال هذه الكلمة تأكدت مما كان يدور في ذهني فنزلت عليه بوابل من النصائح علماً بأنه يكبرني بخمس سنوات تقريباً والغريب أنه قاطعني بكلمة سأطردها لو حاولت ذلك).

- وماهي إلا دقائق حتى رن الهاتف وقبل أن أعرف من المتحدث خرجت من محله لغرض ضروري وبعد غياب دقائق عدت لأجد أن مكالمته لم تنته ولما جلست أنهى مكالمته بشيء من الإرتباك.

أنا: مع مين كنت عم تحكي.؟

صديقي: هي نفسا.

أنا: اي وشو بدها.

صديقي: عم تحلف انو هي لقتو بالقرآن وبرمضان وشبعرفني.

أنا: لك دير بالك أحسن شي خلص انت مو قلتلي بدك تقلعها مو انت متأكد انو مو الك هاد البطيخ خلص انسى.

صديقي: اي اكيد بدي العها اعوذ بالله. يلا انا طالع جيب اكل جبلك شي معي.

أنا: لأ لا تجيب شي آكل أنا.

(وقف واتجه خلف الباب وارتدى قميصاً أسوداً ومسح حذائه ثم رش عطراً على صدره ما جعلني أشك بأنه ذاهب ليحضر الطعام).

أنا: شو رايح على عرس.

صديقي: لك انا هيك بطلع دائماً.

أنا: اي خير انشا لله اذا طولت اكتر من ربع ساعة أنا رح سكر وامشي.

صديقي: لك اي كلا دقيقتين يلا جاية.

(انطلق وقد ظننت أن الشيطان قد سيطر عليه وحمله نحو خطأ لا يصلحه شيء الا انه عاد تماماً كما قال حاملاً معه الطعام ففرحت لذلك ظناً مني أنه مسيطر على نفسه).

صديقي: تعا كول جبت الي والك.

أنا: بالله ليش جبتلي قلتلك آكل.

صديقي: اي تعا كلك لقمتين.

(وفعلاً لم اقاوم فهذه ليست المرة الأولى التي نأكل فيها معاً، وبعد أن انتهينا امسك ملطفاً وبدأ برشه في جو المحل لتخرج منه رائحة الطعام وهذا كان عادياً بالنسبة لي، سم امسك مرشاً آخر وبدأ برش الماء على السجاد ولم سألته عن السبب فقال بأنه يرشه على الغبار وكان هذا أيضاً عادياً ولم أكن لأدري بأن الماء يجري من تحتي).

- جاء بعد دقائق صديق آخر من أصدقائنا فلم يكن سلامه حاراً ليتبعه زبون من زبائن صديقي ويبدآن بتبادل المعلومات حول العمل الذي سيتشاركان به.

(صعقتُ عندما رمت سلامها ودخلت، نظرت اليه فرأيته ينظر الى الساعة وعلى وجهه علامات القلق ربما لانها سبقت موعدها او ربما لانه لم يستطع ان يحضر نفسه لاستقبالها وحيداً، طلب منها الجلوس فجلست، حسناً بات الأمر مكشوفاً، طلب من صديقنا الذهاب، ثم طلب من الزبون أن يعود إليه في وقت لاحق، ولم يبق الا انا لأجلس شوكة في حلق هذا الماكر).

- جلس بجانبها وبدأت حركات بشعة لم يوقفها حتى صوت المؤذن الذي كان ينادي لصلاة المغرب، لقد كان موقفاً بشعاً وتمنيت لو أنني اختفيت قبل هذا المشهد.

(أما الآن وبعد أن أصبحت المهمة معروفة، يريد مني أن أبتعد ولو لبرهة ليستطيع تنفيذ ما برأسه من أوامر شيطانية، أما أنا فوالله لم أعرف ما يجب أن أفعل، بقيت في مكاني، مختبئاً خلف شاشة الحاسب، منتظراً انتهاء هذه المهزلة التي طالت وطالت وطالت..!!

بطريقة ماكرة وبعد جهد دام حوالي النصف الساعة استطاع أن يخبرني بأنه يجب علي أن أنصرف وبالحرف الواحد قال بأنه يريد أن يختلي بها ليفعل فعله الخبيث).

- أما أنا لم أعرف بعد أن خرجت بهذه الطريقة ماذا أفعل فلا يكفي أن يكون قد سقط من عيني، ولا يكفي أنه لم يعد صديقي، ولا يكفي حتى أنني لن أعمل أي شيء معه أو حتى أكلمه، هل كان علي أن أخبر عنه.؟ هل كان علي أن أتصل بوالده المسكين لاصعقه بخبر قد يودي بحياته.؟ لم أستطع سوى أن أعود إلى منزلي وأسرح بما حصل. لا أنكر أن عينايا ذرفتا شيئاً من الدموع، وذلك ليس عليه فقط..!! إنما على ما آلت إليه الحال في هذا البلد المسكين، الذي امتلأ بالكفار والمنافقين.