يعيش العالم اليوم تجاذبات حادة سببها الأساسي الأزمة السورية خاصة بعد استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في 21 آب من الشهر الماضي في منطقة غوطة دمشق، والتي استعصت حلها بالطرق الدبلوماسية وجعلت الخوف يسيطر على المشهد العالمي، خاصة إذا تجاوزت الحرب الحدود السورية، وقد ارتفعت الأصوات للمطالبة بضرورة توجيه ضربة عسكرية لسورية لتأديب النظام وإسقاط التوازن الذي كانت تشكله سورية وحزب الله مع الكيان الصهيوني، في حين ينادي البعض الآخر بعدم التوجه للحل العسكري والبحث عن حلول بديلة تضمن عدم الدخول في نزاع مسلح لا يمكن لأحد تقدير نتائجه، ولعل الاتصالات الدبلوماسية حاضرة بقوة بين روسية من جهة وأمريكا وحليفتها بريطانية من جهة أخرى.
فالمتابع للمناخ المتأزم الذي يشمل المنطقة برمتها وقرع طبول الحرب، يجد أن هناك شيئاً يجمع الفرقاء المتصارعين وهو الخوف من هذه الحرب المرعبة، وتداعياتها الخطيرة على سورية وشعبها وعلى المنطقة بأكملها، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه على صراع إقليمي خطير.
إن مجلس الشيوخ المنشغل بالانتخابات التمهيدية الداخلية لتجديد أعضائه مطلع السنة الجارية قسمّته الضربة العسكرية المحتملة ضد سورية الى ثلاثة مجموعات، يقود أولها المحافظ المتشدد راندبول الحامل لشعار أمريكا أولاً إذ يؤكد أن من مصلحة أمريكا عدم الزج بجيشها في مستنقع حرب أهلية بمنطقة مشتعلة كالشرق الأوسط، بالإضافة الى مجموعة من الديمقراطيين الذين سيجدون أنفسهم مجبرين على التصويت ضد الحرب في سورية وفاءاً لمبادئهم وتصويتهم السابق بمعارضة الحرب في العراق وأفغانستان، أما المجموعة الثالثة فتتشكل من مزيج من النواب الديمقراطيين والجمهوريين في قرارهم النهائي رغم ميولهم الى تأييد الهجوم على سورية لإنهاء الصراع الذي طال امده في المنطقة والمهدد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن أمن واستقرار الكيان الصهيوني.
خرقت المبادرة الروسية التي ترتكز على وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت مراقبة دولية جلسة الكونغرس الأمريكي المخصصة لمناقشة مشروع ينص على إجازة توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وهي المبادرة التي اعتبرها وزير الخارجية الروسي أنها ستجّنب سورية التحرك الأمريكي العسكري ضد نظامها، إذ أكد وزير الخارجية السوري أن بلاده ترحب بوضع أسلحتها الكيماوية تحت رقابة دولية حفاظاً على سلامة المواطنين السوريين، وقال إن لافروف" قدم مبادرة في شأن الأسلحة الكيماوية، وبناءاً على ذلك أعلن ترحيب الجمهورية العربية السورية بالمبادرة الروسية إنطلاقاً من حرص القيادة السورية على أمن بلدها وحياة مواطنيها وسعياً لمنع الضربة الأمريكية على سورية"، وكان لافروف قد دعا القادة السوريين، أيضاً الى الانضمام بالكامل الى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
وبنفس التوقيت جاء اجتماع وزير الخارجية الأمريكي مع الوزير البريطاني واللهجة كانت هنا مضادة للدفاع الروسي -السوري لكن في باطنها ما يشبه استحالة الضربة لتأتي مطالب وزير الخارجية الأمريكي بتسليم سورية الأسلحة الكيماوية خلال أسبوع لتلافي الضربة العسكرية، حيث أكدت الوزيرة السابقة للخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، عقب لقاء مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما " إن الخطة الروسية القاضية بتخلي سورية عن أسلحتها الكيماوية ستكون خطوة مهمة"، أما باريس فاعتبرت على لسان وزير خارجيتها لوران فابيوس " أن الاقتراح الروسي يستحق بحثاً دقيقاً، بينما اعتبرت المستشارة الألمانية أنفيلا مركل، التي تعارض التدخل العسكري في سورية بأن الاقتراح الروسي مثير للاهتمام، هذا مما يعطي تفسيراً لاحتمالات أن البديل القادم هو الضغط السياسي تحسباً لرفض الكونغرس إعطاء الضوء الأخضر لأوباما بشن هجومه على سورية وهو الإشكال الذي ترى فيه دول المنطقة بما فيها تركيا وإسرائيل ومعظم الدول العربية الذين حشدوا قواتهم على حدود سورية خوفاً من أي مجازفات يقوم بها النظام السوري بالرد المباشر.
ففي حال تراجع الموقف الامريكي عن الحل العسكري فالرؤية تتباين حسب تفسير كل دولة، فتركيا مثلاً ترى نفسها بانها ستقع في مشكلة أمنية مع جارتها سورية التي يضعها في حالة استنفار دائم فضلاً عن تدفق اللاجئين السوريين الى أراضيها، أما إسرائيل فإن نتائج الامتناع عن العمل العسكري تجاه سورية سيؤدي الى تقوية ايران ويدفعها الى التعنت في موقفها من التسلح النووي، بالإضافة الى حزب الله الذي سيرفع من معنوياته وقدراته القتالية ضد إسرائيل، وايران التي تعتبر الحليف الأول لدمشق والأم الحاضنة لحزب الله ورأس محور المقاومة والممانعة ترى أن إشعال أمريكا الحرب في المنطقة سيؤدي الى زوال إسرائيل من الوجود كما ستكون سورية فيتنام أخرى للأميركيين.
ومن هنا فإن جميع الأطراف مدعوة الى تقديم مبادرات أو بالأحرى تنازلات وخاصة النظام والمعارضة لتجنيب بلادهم وشعبهم من الموت والقتال والجوع، وتحول سورية الى أرض محروقة وتدمير بنيتها تدميراً شاملاً، فضلاً عن إشعال الحرب الطائفية والمذهبية التي تهدف الى إقامة دويلات طائفية متناحرة فيما بينها.
من خلال ما سبق أرى أن الحرب على سورية حتى الآن لا تبدو حقيقية، ولا تعدو كونها حرب إعلامية، أو فقاعة سياسية هدفها فرض تسويات معينة، وقد كان أوباما مرتبك بما فيه الكفاية عندما تحدث في قمة العشرين عن الحل السياسي في سورية، بعد أن تلقى تحذيرات جدية من الرئيس الروسي وإن كانت بطريقة غير مباشرة بعدم ارتكاب مغامرة في سورية لأنها ستكون أصعب من فيتنام على الجيش الأمريكي، وقد بدا كيري وزير خارجيته يتحدث عن الرجوع الى المجلس الامن بعد أن كان المحرض الأول لضرب سورية.
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، هل يتورط أوباما فعلاً في شن هجوم عسكري على سورية متجاوزاً شعبه وشعوب الدول الحليفة ومتجاوزاً الشرعية الدولية المتمثلة بمجلس الأمن الدولي؟
لذلك يجب على الرئيس الأمريكي أوباما أن يحترس من التورط في شن الحرب على سورية الذي لا يستطيع تطويق حدودها ومجابهة الدول الإقليمية المرشحة للاشتراك فيها مثل إيران وحزب الله وروسيا، وهي حرب سوف تكون مكلفة لبلاده عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وإمكانية تطورها الى حرب إقليمية بأبعاد عالمية قد تنقلب من حرب محدودة الى حرب مفتوحة والتي سوف يكون لها آثار مدمرة متى إشتعلت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي.
وفي إطار ذلك فإن ضرب سورية هو جزء من المخطط الذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير دول الشرق الأوسط لصالح إسرائيل والتي بدأت بالعراق واليوم في سورية وغداً الجائزة الكبرى في مصر على حد قول جنرالات الجيش الأمريكي، والذي من شأنها أن تزيد من وتيرة التطرف، كما هو الحال في أفغانستان والعراق ولن يتمخض سوى المعاناة والتشرد والضياع.
وأنهي مقالتي بالقول بأن هناك بصيصاً من الأمل لنزع فتيل الانفجار وتجنب هذه الحرب المدمرة، وتداعياتها الخطيرة على سورية وشعبها وعلى العالم بأكمله والرجوع الى الحل السياسي الذي بدأ يرتسم في الأفق في ضوء الاقتراح الروسي حول وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الإشراف الدولي كسبيل لإنقاذ سورية وشعبها من كارثة المعاناة والمجازر بحق المدنيين الأبرياء كما حصل في العراق وأفغانستان.
لقد أكدت الأحداث والوقائع التي عصفت بسورية، فشل الحلول العسكرية والأمنية، وأن السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية، وإنقاذها من التقسيم وطناً وشعباً، هو الحلول السياسية، الكفيلة بالمحافظة على وحدة البلاد، وتجنيبها دواعي التقسيم وإغلاق الباب على التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول التي حولت الساحة السورية الى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.