يقف سامر البالغ من العمر خمسة وعشرون عاما على شرفة منزله ، وينظر للبحر ويتنهد كما لو أن في قلبه هما كبيراً ينقص قليلاً منه عند التنهد.
البحر الذي ينظر إليه يفتح له حكايات وقصص صغيرة أحياناً ومثيرة، جميلة ربما ومؤثرة. حكايات عاشها في بلده مع أسرته ربما أو مع أصدقائه ، وعاشها أيضا وحيداً. ففي الوحدة تغزل بسماء وطنه ببحره برمل شاطه الحريري.
هو اليوم يتذكر. وسيعود حكماً بعد التذكر لواقعه. في بلد غريب أٌجبرَ على اختياره . ومنزل مستأجر لا دفء فيه ولا سكينة. ونهار ضائع في البحث عن عمل.
وبالرغم من كونه جامعياً مثقفاً، لا يشترط في عمله أية شروط غير كفاية حاجة الطلب. أن يطعم نفسه أصبحت الغاية الكبرى.
إلا أن شرط الحياة هذا صعب المنال وخاصة في عالمنا العربي. هذا العالم الذي غدا بلدة صغيرة مهجورة مقطوعة يائسة في وجه السوريين.
تضيق الأمور أيضاً على أبو أحمد فيضطر لترك منزله، فما عاد قادراً على تحمل إجار منزله بعد تركه عمله ويعلق قائلا " لا ثقة تجمع بين أصحاب العمل والعمالة السورية ، فتهم كثيرة كالإرهاب نُسبت إلينا ونحن منها براء ".
أبو أحمد يقطن اليوم هو وعائلته في مستودع لا تدخل له الشمس, وهكذا أمضى جزءا من الصيف الحار أي بين الرطوبة الشديدة و رائحة العفونة.
لديه ولدان يعيلان العائلة، الأول في السابعة عشر من عمره والثاني في الرابعة عشرة ، اضطرا لترك مدارسهم والبحث عن لقمة العيش. يتقاضيان مبالغ زهيدة نظير عمل طويل مضنٍ. وأملهما ببلد آمن جميل يعودان إليه.
ولا خبراً واحداً يطمن نسرين عن خطيبها. فالفتاة الجميلة صاحبة العشرون ربيعاً اضطرتها الأحداث المؤلمة في سورية للذهاب مع أسرتها خارج البلد، وترك قصص الحب مرسومة على جدران أزقة دمشق القديمة وشوارعها، وتبحث في جدران البلد الغريب عن عبارة تبقي ذاكرتها منتعشة. تبحث عن منقذ ربما لمشكلتها ، لبريق أمل، للحظة تفاؤل ، ولا إجابة تشفي غليلها أو قشة تتعلق بها.
ربما تكون القصص حزينة أكثر ، عميقة ومجروحة أكثر ، وربما يكون الأمل ما يبقيها تتنفس ، وردة ربيعية حمراء تشققت الأرض لتظهر وتعطي نضارتها.
وربما أكثر.. حكايات مفتوحة لنهايات مجهولة.