شكلت الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي مرت بها مصر منذ عدة سنوات بيئة مناسبة ومواتية لظهور العنف السياسي والذي أخذت تتصاعد حدته منذ إندلاع أحداث الإتحادية الأولى، حيث تحول من مجرد كونه سلوكاً إستثنائياً إلى سلوك تكراري مستمر لجأت إليه بعض القوى الفاعلة كآلية لحسم الصراع الذي بات قائماً بين جماعة الأخوان المسلمين وحلفائها من جهة، وبين النظام الحالي من جهة اخرى، فالمشهد المصري الجديد ستبرز تجلياته في اليومين القادمين مع الإستفتاء على الدستور، الذي سيكون محطة تكشف القدرة التأثيرية للإخوان في الشارع المصري الذين رفضوا دعوات المصالحة والحوار والإحتكام الى الديمقراطية والصناديق، والعمل على محاولة تعطيل الإستفتاء والتصويت على الدستور.
إن الخوف والقلق من الفوضى المتسعة في مصر ناجم أكثر من تزايد العنف المسلح بما فيه التفجيرات، خصوصاً في أعقاب تصنيف الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً وإنه سيحاكم كل من يعلن الإنتماء إليه أو مساعدته، لا سيما أن معظم قيادات الجماعة باتت على قوائم المحاكمات، وموازاة ذلك عملت السلطات الحالية في التصدي للإخوان من حيث الإجراءات التصاعدية وإجتثاثهم إن أمكن ذلك، وصولاً إلى تحديد العام الحالي 2014 عاماً لإقتلاع والخلاص النهائي من الإخوان، ومحاولة السلطات المصرية تعميم التصنيف الإرهابي للإخوان على الدول العربية من خلال إرسال مذكرة إلى الجامعة العربية تطلب إعتماد الطلب المصري الممنهج بهذا الشأن.
مع بدء العد التنازلي للإستفتاء على الدستور المصري، تشتعل معركة طاحنة بين تنظيم الإخوان الذي يلقي بجميع أوراقه دفعة واحدة لتعطيل هذا الحدث الإستثنائي حتى لا يكسب النظام الحالي شرعية إنتخابية، وبين الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي يعتبره الكثير من المصريين المسؤول الأول عن حماية أمن وإستقرار البلاد، كما أن هناك قناعة لدى الإخوان بأن الإستفتاء على الدستور هو أيضاً إستفتاء جديد على شعبية السيسي، والملاحظ في هذا السياق أنه لم يعد يمر يوم إلا ويسقط عدد من القتلى وعشرات المصابين بسبب تظاهرات الإخوان الذين يهددون بأنهم "لن يمر الدستور الإنقلابي إلا على جثثهم"، وبالمقابل خاطب وزير الدفاع المصريين مباشرة قائلاً: "أدعو جميع أبناء الشعب المصري لتحمل المسؤولية الوطنية والنزول للمشاركة بقوة في الإستفتاء، وأضاف: "لا تخافوا فلن نتهاون في حمايتكم وسنتصدى بكل قوة لمن تسول له نفسه العبث بمقدرات بلادنا".
وبموازاة ذلك أصبحت مسيرات الجماعة يومية في
القاهرة أو المحافظات الأخرى بعد أن كانت تقتصر على يوم الجمعة من كل أسبوع، كما
أكدت مصادر داخل الجماعة، أن خطة الجماعة تنصب على الضغط بطرق مختلفة على أجهزة
الأمن حتى تضطر السلطات لإلغاء الإستفتاء، مضيفة أن الخطة تتضمن مظاهرات في كل
أحياء القاهرة الكبرى والأماكن الحكومية ومترو الأنفاق، بجانب التهديد بقطع الطرق
الرئيسة لشل حركة المواصلات، فضلاً عن إثارة الفوضى والشائعات بوقوع أعمال عنف أمام
المقار الإنتخابية، لإثارة فزع المواطنين وعرقلة مشاركتهم في الوصول للجان
الإقتراع.
فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل تنجح تهديدات جماعة الإخوان بإستخدام العنف في تعطيل الإستفتاء المرتقب بشأن الدستور؟
مما لا شك فيه، إن الإستفتاء بات محورياً لمستقبل المصريين، وأن الموافقة على الدستور يصب في صالح خروج مصر من وسط الإضطرابات وإستعادة الإستقرار الإجتماعي وتهيئة الظروف المواتية للإنتعاش الاقتصادي، وهنا أرى بإنه سيتم على الأرجح موافقة الشعب المصري على مسودة الدستور في هذا الإستفتاء الذي يعد بمثابة خطوة بالغة الأهمية لإتمام خارطة الطريق التي توافقت عليها القوى السياسية برعاية الجيش المصري والفريق أول عبد الفتاح السيسي لدفع المسار السياسي المصري في الإتجاه الصحيح وتمهيد الطريق لإجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، كما أن إرتفاع نسبة الإقبال على التصويت من شأنه أن يسهل الإنتقال إلى الخطوة المقبلة، حيث بات الآن صوت الشارع المصري حاسماً في إجتياز البلاد سريعاً لهذه المرحلة الإنتقالية، وعلى الرغم من أن عناصر الإخوان سوف ترفض بشدة فكرة الإستفتاء، فإن بعض الإسلاميين لاسيما الجامع الأزهر والجامعة التابعة له في القاهرة يروجون للإستفتاء بنعم على الدستور، وكذلك الحال مع حزب النور السلفي، وذلك على الرغم من وبالتالي فإن القوات المسلحة المصرية قادرة تماماً على السيطرة على الوضع، كون الجيش المصري هو العمود الفقري لإستقرار وأمن مصر، وأنه المؤسسة الوحيدة حالياً التي تملك القدرة في الحفاظ على الشعب والدولة وكيانها، فالذي يحدث حالياً من عنف، هو مؤشر لصالح أعداء مصر
بكل صراحة ووضوح، فإن معظم المصريين لا يزالون قلقون من سرعة الأحداث وبشاعتها بالمنطقة، ويزداد هذا القلق حينما ترى المؤامرات الخارجية وهي تستهدف الأوطان لتمزيقها وتفتيتها وتغيير هويتها، فمصر تعاني اليوم
جراء أعمال العنف خسائر تقدر بثلاثمائة مليون جنيه في اليوم الواحد فكل الأنشطة الآن متوقفة سواء السياحة، النقل والإستثمارات، أما الأنشطة الإقتصادية الوحيدة المتبقية هو دخل قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، وهو ما يعني مزيداً من التدهور في الوضع الإقتصادي وإنعكاساته الإجتماعية التي ستتحول إلى عوامل مغذية للعنف والتطرف، وهو ما سيدخل مصر في دورة عنف جديدة قد يستغرق الخروج منها سنوات طويلة وتكون كلفتها باهضة.
وفي سياق متصل إن الجماعة التي أُسست قبل 80 عاماً، ولديها أنصار على المستوى الدولي رغم انفضاض شرائح منهم لا يمكن أن تنتهي بقرار رغم السعي الدؤوب لمسحها من المشهد المصري، وسوء العلاقات المصرية القطرية أكبر دليل على ذلك التي تتهمها مصر بلعب دور سلبي من خلال استمرار دعم الإخوان مادياً وإعلامياً.
وهنا أرى أن العنف سيستمر في مصر بسبب إحساس الفقدان داخل المعسكر الإخواني من منطلق أنهم لأول مرة يتذوقون طعم السلطة، بالإضافة الى أن هناك موجة قادمة من العنف المستمر بجرعات متفاوتة من أنصار الإخوان في الشارع المصري، وأنها فرصة كبيرة للتنظيمات الإرهابية في سيناء حتى تأخذ مساحتها لتعمل في شبه جزيرة سيناء، وداخل المدن الكبرى لإضعاف النظام وتأجيج الصراع الذي يرونه بين الإسلام والعلمانية.
بالتالي إن ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية لإن سياسة الغرب لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثورات الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها، لذلك أدت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً رئيسياً هدف الى تكوين وتعزيز العنف الداخلي في مصر لتقسيمها الى وحدات صغيرة عديمة القدرة والقيمة، وإظهار محاولات تعاطف كاذبة مع متطلبات الشعوب العربية للإصلاح وتحقيق الديمقراطية.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول، أتمنى أن يسهم هذا الإستفتاء في نقل مصر من حال إلى حال، وأن تبدأ مرحلة جديدة من الإستقرار والتنمية والبناء، وأن تقود عصراً جديداً وطموحاً قوياً لتكون أرض مصر كما كانت دائماً ركناً أساسياً من أركان النهضة العربية، وعوناً رئيسياً في تحقيق التضامن العربي، وفي حال عدم إتخاذ خطوات جدية لنزع فتيل الأزمة المتصاعدة، فإن مصر ستنزلق إلى حالة طويلة من عدم الإستقرار، وقد نكون أمام تكرار لمشاهد الفترة ما بين عامي 1992 و1998 عندما واجهت مصر موجة من الهجمات المسلحة التي أدت إلى قتل وجرح الآلاف من المواطنين.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews