في الأمس القريب دعمت روسيا تطلعات الشعب المصري الى الحرية، وإلى حل المشاكل الإقتصادية – الإجتماعية المتراكمة منذ عشرات السنين والتناقضات الإجتماعية – السياسية، فإتسم الموقف الروسي بالوضوح في التعامل مع ثورة 30 يونيو في مصر والتي تعد موجة مهمة وأساسية بعد ثورة 25 يناير، فالروس يساندون الإرادة الشعبية بدون أي تحفظ ويتطلعون الى القيام بأي شيء يدعم الإستقرار الأمني والسياسي السريع لمصر.
فالتجارب التي حصلت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، قد أثبتت أن موسكو لا تتخلى عن حلفائها بعكس الولايات المتحدة الأمريكية، التي سرعان ما تخلت عن حلفائها في دول الخليج مقابل إتفاق ليس نهائي مع السلطة في إيران، وروسيا أثبتت أنها لا تتخلى عن حلفائها وهذا تجلى بشكل كبير وواضح في الساحة الإيرانية والسورية، وبالتالي فإن التحالف المصري الروسي في قضية سد النهضة قد يكون إضافة إلى التفاوض المصري الإثيوبي المباشر وبداية حل هذه الأزمة.
من المعطيات الإيجابية الكثيرة، بعد زيارة المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، خاصة فيما يتعلق بالملف المائي المصري، تم مناقشة أزمة سد النهضة الإثيوبي، والموقف التركي والأمريكي ضد مصر في دعم أثيوبيا لبناء سد النهضة، وجاء تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بوجوب الدفاع عن الحقوق المائية للدول دليل واضح على دعم روسيا لمصر للوقوف ضد إثيوبيا، من خلال عرض الأزمة في المحافل الدولية للضغط عليها، موضحاً أن روسيا هي من قامت ببناء السد العالي، وساعدت مصر في الحفاظ على حقوقها المائية كنوع من أنواع المساندة التاريخية.
فمشروع سد النهضة هو ليس فقط مشروعاً إثيوبياً ولكن أيضاً للمشروع شركاء كثيرين، فهناك الجانب الاسرائيلي و الأمريكي وتدخل فيه إثيوبيا ودول إفريقية بشكل ضخم جداً، فإسرائيل تمتلك حوالي أكثر من خمس قواعد عسكرية وإستخباراتية ضخمة في إثيوبيا، وحتى أن السفارة الاسرائيلية في تل أبيب أعلنت أكثر من مرة عن تلقيها تبرعات من تل أبيب لبناء سد النهضة، وبالتالي فالموضوع ليس مرتبطاً فقط بمصر وإثيوبيا، وهذا يجعلنا نقول إن سد النهضة قد يستخدم كسلاح في الحرب التي تشنها الآن الولايات المتحدة ضد مصر بعد 30 يونيو، بمعنى أن من يقوم بتنفيذ أولى مراحل بناء سد النهضة الأثيوبي هي شركات إسرائيلية، وهذا يكشف لنا بإن إسرائيل تصول وتجول فى أفريقيا، عن طريق الموساد في التسلل إلى الدول التي يريدها، من خلال مشاهد الفقراء والجياع والحروب الأهلية التي فتحت الباب للعديد من الهيئات الإنقاذية لتدخل وتتحرك على أساس إنساني
وهو الأمر الذي ساعد على جعل المخابرات الإسرائيلية متواجدة، وأكثر من ذلك قابعة في شكل شركات وهمية، تعمل على إيهام الحكومات أنها جاءت إلى بلدان فقيرة من أجل الإستثمار في موارد لا يعرفها حتى أصحاب البلد، وتهدف إسرائيل من خلال تغلغلها في إفريقيا إلى إستكمال خطة الطوق الإفريقي (جنوب السودان، كينيا، إرتيريا، إثيوبيا)، عبر آليات عدة منها شراء العدد الأكبر من السندات في سد النهضة، والتعامل مع مصر من خلال الطوق الإفريقي، وإيجاد آليه للتعاون مع الصين التي تملك الكثير من الشركات والمصالح، وإغراق مصر في المشكلة وإبتزازها في المواقف السياسية.
يبدو أن أزمة سد النهضة التي تعاني منها مصر، قد تطورت بشكل ملحوظ خاصة بعد فشل المفاوضات مع الجانب الإثيوبي الذي تعنت أمام الوفد المصري، ويبدو أن الجانب الإثيوبي أيضاً قد رأى أن مصر ليس لديها قدرة وقوة خاصة بعد الفوضى وعدم الإستقرار التي مرت بها مصر في المرحلة الأخيرة.
في إطار ذلك دخل
"الدُب الروسي " حلبة الأزمة، بما له من علاقة وطيدة مع الجانب المصري منذ عهد
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والتي تطورت بشدة مع زيارة المشير عبد الفتاح
السيسي، حيث تعد روسيا مفتاحاً للخروج من الأزمة، خاصة بعد تطور العلاقات العسكرية
بين الدُب الأبيض وأديس أبابا، أما تركيا تقف أمام طموح الشعب المصري بعرض
المساعدات على الجانب الإثيوبي، وذلك لعلمها الجيد بأهمية مياه النيل للوطن، في
جانب آخر نجد أن الكيان الصهيوني "إسرائيل " هي الراعي الرسمي لبناء سد
النهضة، بل وتدعمه بوجود الشركات الخاصة ببناء السد، وذلك من أجل تعجيز مصر التي
تراها إسرائيل العمود الفقري للوطن العربي.
وهنا يمكنني القول أن علاقات روسية قوية مع جميع
دول إفريقيا وليس إثيوبيا فقط، وتوطيد العلاقات معها أمر إيجابي، فوجود روسيا في
المشهد العربي ضروري جداً ليعيد للمنطقة توازنها بعد أن فككتها الولايات المتحدة،
وبالتالي فإن علاقات روسيا القوية بإفريقيا ستساهم بشكل كبير في حل هذه الأزمة
نهائياً إذا فشلت جميع مفاوضات مصر واستنفدت جميع خطواتها، كون إن روسيا تستطيع خلق
حلول لأزمة سد النهضة وإقناع إثيوبيا بعدم بناء السد وإنشاء سد أصغر أو طرح حلول
وسطية ترضي الجميع بعد التعنت الإثيوبي، لاسيما أن الاتحاد السوفيتي سابقاً كان له
دور فعال في دراسة آثار السد العالي.
وفي سياق متصل تراجعت الدبلوماسية المصرية في الآونة الأخيرة في إفريقيا بعد أن كانت مصر تبسط سيادتها وسياستها الكاملة على القرن الإفريقي، فالذي يحصل في الوقت الحاضر هو نوع من أنواع دفع الثمن، كون مصر تركت القرن الافريقي للكيان الإسرائيلي ينهب فيه، والذي أصبح تدخله بشكل كبير في قضية سد النهضة وقضية منابع المياه.
وهنا أرى بإن هناك رؤية إستراتيجية موجودة في كل الأوساط الروسية وعلى أعلى المستويات مفادها أن مصر القوية التي تقود العالم العربي، هي مصر التي يمكن ان تسهم في عودة الإستقرار مرة اخرى الى منطقة الشرق الاوسط المضطربة كما ان هناك رؤية إستراتيجية ثابتة وهي دعم مصر في كل الاوقات بغض النظر عن الذي يوجد في السلطة.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن ما تمر به مصر حالياً هو فترة قاسية ولكن مؤقتة في تاريخ هذا البلد العظيم، لذلك فإن الدبلوماسية المصرية تحاول الآن أن تستعيد دورها بشكل مختلف قليلاً، بتدويل القضية، ومع ذلك تحاول مصر ألا تصطدم مع الجانب الاثيوبي، فمصلحة مصر هي التعاون والتكامل مع دول القارة الإفريقية، وخاصة مع دول حوض النيل وليس في التصادم معها، وبالتالي فإن الدافع الإيجابي لزيارة الوفد المصري الى روسيا يتمثل في تقوية موقف مصر في قضية سد النهضة الإثيوبي من خلال استغلال العلاقات مع روسيا لتشكل ورقة ضغط على مسؤولي إثيوبيا حتى لا يتحول الخلاف إلى صدام في قضية السد، فضلاً عن تقوية موقف مصر في حال اللجوء إلى تدويل القضية دولياً.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews