"إنّ روح الحكمة لا تعرف الراحة  إلا في القلوب وكلماتها لا تنشد السكينة  إلا في العقول ولا تتغير لا تبعاً للمكان  ولا عبر الزمان  "

كلمات خطت ربما بالوحل  فوق المدخل لشبه خيمة على قمة جبل بعيد

وهي خيمة فارغة إلا من جذع شجرة عمّرت مئات السنين وفوق الجذع بعض الأوراق وقلم وحيد

ولأنه لم يعد للحكمة من مقر فقد  نقل حارسها و تركت الخيمة بعهدة راعٍ اعتاد أن يرعى قطيعه من الماعز الجبلي حول الخيمة  وقد كان رواد هذه الخيمة على مدى  الأيام الأخيرة من الهاربين من الأحداث أو المارين بقصد الراحة بعد عناء تسلق الجبل واقتصرت أسئلتهم عن متى وكيف ستنتهي الأزمة  , تلك الأسئلة التي تجاوزت أجوبتها حدود الحكمة ووصلت إلى حافة اللا حكمة  وقد كان حتى من صاغها لا ينتظر عنها جواباً من خيمة أقل ما يقال عنها أنها هاربة يضاف إلى  تلك الأسئلة بعض الدعوات لنقل بيت الحكمة  إلى أمكنة مقترحة شفقة على ما آل إليه بيتها أو رثاء على حالها وكان أصحاب الدعوات على اختلاف مشاربهم يعلمون مسبقاً الإجابات المتمثلة بالرفض مع تعليل بأنه لا يمكن لأحد الادعاء بأنه يملك بيت الحكمة

أما في الطرف الآخر فقد تم تعيين صانع جديد للمدينة المنحوسة وقد جاء هذا الصانع رافعاً لشعار المسامحة مع كل من أخطأ شريطة أن يعود لحضن الوطن فالوطن باعتقاده كما باعتقاد الكثيرين كالأم يغفر كل الخطايا ولا يتطلب إلا التوبة ليمحي الذنوب وقد جاء سابقاً ذكر الاجتماع الذي عقده بعد فشل الفاسدين في بناء بيت الحكمة

وبعد عناء وجهد ما أثمر إلا فشلاً وفشلٍ ما أثمر إلا احباطاً واحباطٍ  ما أثمر إلا يأساً اقتنع الصانع الجديد بضرورة اللقاء مع الحكيم  الذي لطالما سمع عنه وعن حكمته قبل أن ينجح صانع المصالحة في هدم بيتها  ليعرف منه لما لن تنجح  المسامحة في إعادة إعمار  القلوب قبل البيوت فقصد الخيمة بموكبه الفخم وحراسته المشددة

وما أن رآهم الراعي حتى  وضع طرف جلبابه في فمه وأقبل عليهم مهرولاً وصارخاً بهم  "لا تقلطوا . . . لا تقلطوا " مشبراً إليهم بعدم الدخول إلى الخيمة

وما إن وصل حتى رمقه القوم بنظرة استعلاء مشيرين إلى السيارة التي يجلس فيها الصانع الجديد

وقال أحدهم يريد سيادته أن يقابل المسؤول عن هذه التي  تسمونها الحكمة

فقال هو غير موجود حالياً وقل لسيادته أنه يستطيع وحده أن يدخل الخيمة  من غير مرافقة ولا سلاح ليكتب طلبه ومن ثم عليه أن يعود بعد عدة أيام ليحصل على الجواب

فهرع أحدهم ونقل لسيادته الحديث الذي دار مع الراعي فنزل من السيارة وتوجه إلى الخيمة مشيراً لهم بالبقاء في أمكنتهم

دخل الخيمة وتبعه الراعي فمد يده بتواضع ليسلم على الراعي لكن الراعي لم يمد يده وقال له أخشى أن تتلوث يد سيادتك بالتراب ورائحة البرية والرعية إن صافحت يدي

فتجاهل ذلك وسأله هل أنت المسؤول عن هذه الخيمة ؟

فقال لا ولكنني أرعي قطيعي هنا وقد طلب مني حارس بيت الحكمة قبل أن يتم نقله أن أنتبه للخيمة وأراقب من يأتي وأمنع أن يدخل إليها إلا صاحب الحاجة فقط .

فهل تعرف المسؤول عنها ؟

لا ولكن هناك رجل لا يعرفه أحد يأتي في عتمة الليل ويأخذ الأوراق المكتوبة ويترك أوراقاً أخرى عليها أسماء أصحابها وأنا أسلم الأوراق إلى أصحابها شريطة أن يحضروا لي الحلويات التي تسمونها شعبيات   وأضاف بلكنة بدوية " آبي أسألك شلي يجيب أمير فخيم على هيئتك  لخيمة  فقيرة معدمة "

أطلق تنهيدة كبيرة وأحس أنه سيرتاح فعلاً لو كان يستطيع أن يقول كل ما في قلبه للراعي ولكن كيف سيفعل ذلك وبينما هو يفكر بهذه الطريقة لمع في ذهنه ومضة بعكس السؤال ليصبح  ما الذي سيخسره لو أزاح هذا الهم عن قلبه وقال للراعي  الذي لن يقول لأحد لأنه أصلاً لا يعرف أحد فقال ألا يوجد كرسي يمكنني  الجلوس عليه

فأجابه لا ولكن تستطيع أن تجلس على عباءتي  وهي نظيفة وقام بفرشها على الأرض التي لازالت تحتفظ ببعض الأعشاب الخضراء رغم نصب الخيمة التي حجبت الشمس عنها

فجلس على طرف العباءة وأرخى ثقل جسده الضخم على  يديه اللتين أسندهما  على العباءة  وقال أتيت طالباً للاستشارة حول المسامحة فأنا عندما كلفت بعملي وضعت نصب عيني أن أعفو وأسامح كل من أخطأ كي أعيد اللحمة إلى الشعب ولكنني لم أنجح بل على العكس لم أعجب أيّا من  الأطراف

فسأله : فهل سامحت الوطن

فشعر بأنه أخطأ حين فتح قلبه لراعٍ وقال الوطن أكبر من أن أفكر بأن  أسامحه

فسأله : فهل سامحت الشرفاء

فقال مبدياً استيائه من غباء الراعي وقال وما حاجة الذين لم يخطئوا لمسامحتي

فسأل : فمن سامحت

فقال : سامحت الذين غرر بهم فحملوا السلاح وأساؤوا للوطن

فسأل :فهل حاسبت الفاسدين الذين أخذوا من جيب الوطن ووضعوا في جيوبهم

فقال : لا فليس هذا آوان محاسبة الفاسدين

فقال "آني راعي و ما أفتهم باللي تقوله  واللي أفتهم بيه  إنه حين الريال ( الرجل ) ياخذ حقي  وتجي أنت ما تحاسبه  فحينها أنت تضيعلي حقي  فقبل ما كنت تفكر أنك لا تحاسبه لو انك  فكرت بانك تسامحني ولا  تضيعلي حقي . . .

ومّا (حين ) يجي من يخرب ويدمر ويقتل ولاد بلده وتجي أنت تسامحه فانت تضيع  حق الوطن وقبل لا تسامحه لو انك سامحت الوطن ولا ضيعت حقه . . .

ومّا واحد ياخذ من جيب الوطن ويحط بجيبه وتجي انت لا تحاسبه  فهاذ معناه أنك تتستر عاللي سرق الوطن ويا ريتك سامحت الوطن ولا ساعدت وتسترت عاللي سرقه "

أنت لا تفهم القصة فالقضية صارت معقدة ومن أجل الوطن يجب أن يسامح الإنسان حتى بدمه

إي هذا صحيح لو كنت حاسبت  بالأوله وبالتانيه سامحت أما انك لا تحاسب بالأوله و تسامح بالتانيه  شنون  الوطن يقدر يسامحك وأنت ما حاسبت اللي سرقوه وسامحت اللي قتلوه  

فهب واقفاً ومشى إلى خارج الخيمة ولم يكترث عندما  سمع صوت الراعي يقول  ماتبي تترك طلب أو سؤال للحكيم  وتابع طريقه وركب سياراته التي انطلقت مسرعة

فرفع  الراعي عباءته عن الأرض وأمسك القلم وكتب يمكن يكون افتَهمْ إن المسامحة تصير للي يتوب  أما اللي مازال يسرق من ايام صانع الحلم وايام صانع الطيبة وايام صانع المصالحة واليوم عم يفكر كيف يستفيد من الأزمة فهاذ لا يمكن يفكر بالوطن وكل همه يعمر جيبته .واللي يبي يعمر وطن  لازم يفتح صفحة نقيه  مو  صفحة ملوثة واللي ما افتهم لا يمكن يعمر وطن  

بانتظار صانع جديد يتبع . . . 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews