غادرت هيفاء عيادة الطبيب بقلب مرتجف وعيون ممتلئة بدموع الألم والحيرة، فما هو المرض الذي عجز الطبيبين عن معرفته وتشخيصه، خرجت مقسمة بالله أنها لن ترتكب من الآن وصاعداً حماقة جديدة بعودتها لذاك الطبيب ذو الوجه البشوش فما نالها منه يكفي من سوء معاملة وعدم معرفة ولكن ما العمل فهي في حيرة من أمرها فمرضها ما زال لغزاً بعد كل هذا العناء الجسدي والنفسي ولا بد من الإحاطة بهذا اللغز فهو يمس حياتها.
وبفضل الله استطاعت بعد أيام معدودة أن تنتصر على حيرتها باتخاذها القرار الذي كانت تتأمل حينها أن يكون صائباً فقد أخبرتها إحدى صديقاتها أن هناك طبيب مشهود له بحسن الأخلاق والمعرفة وبناءً على ذلك حاولت أن تقابل الطبيب (اختصاص أنف، أذن حنجرة) ولكنها فوجئت بأن الطبيب مشغول جداً لدرجة أن عليها انتظار حوالي الشهر حتى يأتي موعد المعاينة، ولحسن حظها وبظروف قدرها الله استطاعت أن تقابله بعد أسبوع.
دخلت هيفاء وهي تحاول جاهدةً أن تكون هادئة، متزنة، سألها الطبيب عن سبب الزيارة وما هي المشكلة التي تعاني منها، فحدثته باختصار وعرَّجت قليلاً على ما قاله الطبيبين السابقين وما حصل معها، ومن ثم فحص الطبيب هيفاء بتأنٍ والابتسامة مرسومة على وجهه ونظراته تبعث بالنفس الهدوء وقد كان ذلك كافياً لإدخال الطمأنينة إلى قلبها وعندما انتهى قال لها: خير إن شاء الله والموضوع بسيط ولكن ما تعانين منه ليس ضمن اختصاصي وإنما هو من اختصاص طبيب الغدد وإذا أردتي لي صديق مختص بالغدد الصماء أرسلك إليه.
طبعاً هيفاء كانت مرتاحة جداً لطبيب لديه الشجاعة والصدق لأن يقول: ( ليس من اختصاصي ) دون خجل أو مراوغة ودون المتاجرة بأحلام المرضى، وهي بدورها رحَّبت بالفكرة وشكرته على حسن التعاون وصدق التعامل ولكنها فوجئت أن الطبيب رفض أخذ معاينة متذرعاً بقوله أنه لم يفعل شيء ولم يعطيها أي دواء فما فعله أقل من واجب ( حسب قوله ).
في تلك اللحظة غمرت السعادة قلب هيفاء ونسيت ذاك اللغز المحير المتعلق بمرضها ولم يكن ذلك من أجل النقود وإنما يكفيها أن هناك أطباء ما زالوا يحملون سمات إنسانية نبيلة في زمن أصبحت فيه القلوب الإنسانية متحجرة.
على كلٍ خرجت هيفاء مسرعة للطبيب المذكور وفعلاً قابلته على الفور وذاك بناء على توصية من قبل الطبيب السابق ( جزاه الله خير الجزاء ) وبعد الفحص وجد أنه بحاجة لصورة ( إيكو ) لمنطقة الرقبة غير الصورة السابقة لأنه وببساطة تبين معه أن الصورة السابقة غير صالحة ولا يمكن الاعتماد عليها في التشخيص فطبيب الأشعة يبدو أنه غير متمرس أو ............. أو ............. وطبعاً كان ذلك صدمة جديدة لهيفاء فهل يمكن أن تحصل هكذا أخطاء في مهنة تحتاج لدقة بالغة فهي تتعلق بحياة أشخاص ليس لديهم حول ولا قوة.
المهم وبعد إجراء الصورة المذكورة تبين للطبيب أن ما تعاني منه تلك الفتاة هو عبارة عن كيس ماء متوضع على الغدة الدرقية مع تأكيده على سلامة الغدة ووظائفها بناءً على نتائج التحاليل التي أجريت وبقي على هيفاء أن تقوم بتحليل تلك المادة الكيسية للاطمئنان، أهي حميدة أم خبيثة وعليه تؤخذ الإجراءات اللازمة.
كان لدى هيفاء في تلك اللحظات إحساس رائع ومغاير عن إحساسها السابق، فكما قوبلت بطبيبين ليس لهما علاقة بمهنة الطب، فوجئت أيضاً بطبيبين نزيهين يعرفان ما هي أخلاقيات تلك المهنة ويمارسونها قولاً وفعلاً وذلك كان كافياً لأن يدفع هيفاء للقول وبراحة نفسية ليس لهل مثيل ( لسه الدنيا بخير ) و( إذا خليت خربت ) فقد أنساها إحساس الأمان رهبة إجراء التحليل المطلوب على الرغم من صعوبة إجراءه _ وهو ما يعرف في المصطلحات الطبية (بالبزل) والذي يتم بواسطة إبرة لإخراج سائل من المنطقة المصابة سواء للعلاج أو التشخيص _ ومن ثم التفكير بالنتيجة التي ما زالت طي الكتمان.
يتبع.................