قررت هيفاء إجراء التحليل المطلوب من قبل طبيب الغدد لمعرفة فيما إذا كانت المادة السائلة المتجمعة في الكيسة المتوضعة على الغدة الدرقية خبيثة أم حميدة، وذهبت بخطوات مرتجفة لتكشف عن ذاك المجهول على الرغم من أنها كانت على يقين بأن ربنا عز وجل يختار دائماً ما فيه الخير لنا ولقد كان لديها فكرة عن كيفية سحب المادة وتحليلها لكنها لم تتوقع ولم تستطع التخمين عن مدى الألم الذي سيسببه التحليل المذكور.
قابل الطبيب المختص بإجراء التحليل هيفاء بلطف وحاول أن يدخل الطمأنينة إلى نفسها ثم قام بعمله بدقة متناهية لكنها لم تخلو من بعض الألم الذي شعرت به هيفاء من جراء إيلاج الإبرة بالرقبة وسحب تلك المادة وبقي أن تعرف النتيجة والتي أعلن عنها الطبيب بعد عدة أيام قائلاً: الحمد لله المادة سليمة ولا يوجد ما يثير القلق، هنا ارتاحت هيفاء وبادرت بسؤال الطبيب عن الحل فقال لها أنت أمام خيارين، إما أن تقومي بعمل جراحي لإزالة الكيسة وإما أن تقومي بإفراغ الكيسة بالبزل في حال امتلائها بالسائل والذي سيكون متوقع والقرار يعود لك والأفضل أن تستشيري الطبيب المعالج.
هنا أصبحت في حيرة من أمرها وقررت أن تأخذ رأي طبيب الغدد وما يرتئي في الموضوع لعله يخلصها من حيرتها وقد كان واضح معها وأخبرها بعدم ضرورة إجراء عملية جراحية كهذه لأسباب عدة منها, أن العمل الجراحي في منطقة العنق لا بد وأن يترك أثراَ مهما كانت الجراحة تجميلية، كما أن هناك احتمال لأن تعود الكيسة مرة أخرى، عدى عن إمكانية تأذي الحبال الصوتية وهو من جهته ينصح بعدم إجراء الجراحة لعدم ضرورتها والتي تشكل مبرراً للإجراء، علماً أنه يستطيع أن يقول لها بضرورة الجراحة للاستفادة المادية ولكن هدفه ليس الربح المادي, وهكذا اقتنعت هيفاء بكلام الطبيب ولكن والدتها رغبت بأن تعرض الحالة على أطباء آخرين للاطمئنان وفعلاً اصطحبتها لطبيب مختص ( غدد صم ) إلا أن هذا الطبيب لدى رؤية الصورة الإشعاعية للعنق وفحص هيفاء عن طريق الضغط على العنق قال وبكل ثقة ودون تكلف: اوووووووف، كيف متحملة لهلأ ؟؟؟؟
فاستغربت هيفاء وبادرته بالسؤال عن قصده فقال: إن الغدة الدرقية لديك متضخمة بشكل مخيف ولا بد من عمل جراحي لاستئصال الغدة قبل أن تتأزم الحالة، ومع سيطرة الاستغراب لدى هيفاء حاولت أن تناقشه بالموضوع سائلة عن إمكانية الاستغناء عن الغدة وما سيحل بوظائفها، فقال متبسماً: الحل بسيط تأخذي دواء بديل مدى الحياة عن ما تقوم به الغدة من وظائف، وشعرت هيفاء بأن الطبيب يحاول أن يمارس عليها الإيحاء ليقنعها بضرورة العمل الجراحي قائلاً لها: إنك تختنقين وأنت لديك القدرة للتخلص من الاختناق وعندما شعر الطبيب بعدم اقتناعها بكلامه، أنهى الزيارة بعد أن كتب لها عدة تحاليل وصور بقوله: عندما تقررين إجراء العملية أجري التحاليل والصور هذه وتعالي لأحدد لك موعد لإجرائها ولكن لم تكن هيفاء وأمها مرتاحتين لما قاله الطبيب فقررا أن يزورا طبيب آخر (اختصاص غدد صم ).
المهم ذهبت هيفاء وبقلبها حيرة، دخلت للطبيب وشرحت الحالة فلم يكن منه إلا أن قام من وراء مكتبه بعد أن انتهت من الحديث وضغط بيده على مكان الانتفاخ بالرقبة ثم قرر أن الغدة متضخمة والأفضل إجراء عمل جراحي إلا أن هيفاء واجهته بالصور والتحاليل التي توضح أن الغدة سليمة والحالة مقتصرة على كيسة ماء متوضعة عليها، هنا ارتبك الطبيب وطلب الإطلاع عليهم وبعد أن رآهم قال متفاجئاً: ( آه فعلاً، كلامك صحيح ) _ وعاشقة الليل تقول: حمى الله طبيب كهذا كم أنه عبقري ومرن _ فسألته هيفاء بماذا ينصح فقال لها نجري عملية لاستئصال الكيسة فتلته بسؤال آخر: وهل هناك إمكانية لأن تتأثر الغدة من جراء هذه العملية، فقال لها: نعم ممكن لأن الكيسة ملتصقة عليها، فبادرته بسؤال جديد: وما الحل، فقال متبسماً: ببساطة نقوم باستئصال الغدة.
طبعاً هيفاء لم تكن مرتاحة لأي ٍمن الطبيبين ولكن كانت تلبي رغبة والدتها والمضحك بالموضوع أن الهدف من زيارة واستشارة أطباء آخرين الاطمئنان ولكن للأسف ولد ذلك لدى هيفاء تنافر معرفي, والذي لازمها حوالي الشهر إلا أنها وبعد أن تذكرت الراحة التي لمستها لدى ذاك الطبيب الذي لم ينصحها بإجراء العملية موضحاً لها الأسباب بشكل منطقي ومعقول ودون لجوءه للتخمين الذي مارسه غيره، قررت أن لا تجري العمل الجراحي وهو القرار الذي وافقت عليه العائلة والذي كلفها الكثير من كل النواحي فلم يكن من السهل الوصول إليه.