بعد سماع وجهات نظر عدد من المدرسين والمدراء وانطباعات الأهالي،أعتقد أن محاولة التطوير التي قام بها المسؤولون في وزارة التربية ظهرت بوادر فشلها منذ أيامها الأولى:
لا الصفوف صفوف من حيث عدد التلاميذ ولا المدرس مدرس من حيث التأهيل والتخصص ولا الموجهون التربويون لهم كلمة أو فعل، هذا إذا كانوا مؤهلين وأن تغيير المناهج بضربة واحدة فقد أربك التلميذ والمدرس والأهل.
إن عملية التغيير المفاجئة والتي لم تخضع إلى الدراسة المطلوبة من حيث المحتوى وكمية المعلومات والأخذ بعين الاعتبار اعتماد منهاج كل صف على منهاج السنة السابقة وكذلك عملية إدخالها إلى كل الصفوف بوقت واحد بدل أن يبدأ التغيير من الصف الأول مع تلاميذه لينتقل معهم التغيير إلى الصف الثاني ثم الثالث وهكذا .
أما أن يصطدم الطالب عند دخوله إلى المدرسة فيجد أن المنهاج ليس قائما على ما كان في السنة السابقة، وهنا مأزق التلميذ في فهم منهاج فهو لا يتناسب مع ما تعلمه قبل هذا .
المدرس أيضا تفاجأ بالمنهاج واصدم بما لا يعرفه لأنه بالأساس لا يتلقى دورات تأهيل وتطوير وتخصص، عدا عن أن المدرسين عندنا ليسوا خريجي جامعات ( كليات تدريس وهي غير موجودة عندنا )على الأغلب كما هو في الدول الأوربية و بهذا التغيير المفاجئ نكون كمن يضع العربة أمام الحصان أو أن نحمل الحصان فوق طاقته وهنا كيف للتلميذ أن يتقبل المواد بهذه الكمية وبهذه الكيفية .
مشكلة أخرى وهي مزمنة ومؤثرة على المدرس والتلميذ وهي عدد التلاميذ في غرفة الصف ، حيث يتجاوز عددهم الأربعين ، وعلى الأغلب الخمسين وهو ما يمنع المدرس من متابعة كل تلميذ ومعرفة وضعه في التقبل والفهم والواجب وتقديم المساعدة لكل واحد حسب حاجتة كما هو الحال في روسية مثلا ، حيث يتم تقديم المدرس المتخصص في كل مادة ، إضافة إلى المساعدة التربوية والنفسية والصحية وفهم الوضع العائلي والمواهب والإمكانيات لكل طالب على حدة والبناء المدرسي الراقي ، كذلك عدد التلاميذ الذي لا يتجاوز العشرين .
وأريد أن أنوه هنا إلى أن روسية هي أغنى دولة في العالم بالإمكانات الفكرية والمخزون الذهني إذا طاوعتني الكلمات في التعبير عن هذا! وباعتراف الولايات المتحدة فإن 17 عالما من أصل أكبر وأهم 35 عالم في الولايات المتحدة هم روس مهاجرون إليها خلال الأعوام العشرين السابقة .
إن عدم رضا المدرس عن هذا المنهاج سيؤثر بشكل كبير على عطائه وخدمته للتلميذ. لقد كنت أنتقد المنهاج السابق والذي ساء باستمرار منذ عشرين عاما والذي كان جامدا عديم الحياة باعتباره تلقينيا ، تحفيظيا هدفه التحفيظ عن ظهر قلب دون استعمال التفكير والتحليل والدرس والتمحيص ومن ثم الاستنتاج و الاستقراء والوصول إلى نتائج علمية جديدة وفهم ينتقل إلى الحياة العملية .
من خلال ذلك يكون التلميذ قد تعود على التمحيص والفهم ومن ثم الإقدام على المبادرة والعطاء بالاعتماد على الذات بشكل نير ومنفتح وعندها يستطيع أن يعامل المعطيات والمعلومات التي امتلك ناصيتها ليستخرج منها المفيد والمطلوب علما وفكرا ونتائج واستكشاف.
إن المنهاج الجديد سيحول مخ التلميذ من علبة سردين جامدة بفعل المنهاج السابق إلى قطرميز مكدوس مضغوط غير قابل لأي استعمال بفعل هذا المنهاج الجديد . أعتقد أن منهاج السبعينات أفضل من هذا المنهاج المسلوق والمحروق والذي سينتهي بالفشل.
لقد كان من الأفضل تشكيل لجنة متخصصة وباشتراك خبراء من دول متطورة للإستفادة من تجارب من تقدموا وأصبحوا في مقدمة الأمم في هذه المجالات وهذا أسهل بألف مرة من إجراء تجارب خطرة على ملايين التلاميذ والتي قد تنتهي بفشل كارثي.
إن أكثر ما أدهشني هو كتابة المعادلات والتمارين والقوانين العلمية في الفيزياء والرياضيات باللغة الأجنبية وحيث كنا نفتخر ويفتخر بنا بقية العرب على أننا نعلم المواد العلمية باللغة العربية . والآن بدل أن نطور هذا النجاح ونسير به إلى الأمام قمنا بالتخاذل في هذا وعدنا لنفعل ما يفعله الأخوة العرب الضعاف باللغة العربية مثل الجزائر والمبتدئين باللغة العربية وضعيفي الإمكانيات العلمية والفكرية ـمثال عجمان وأم القيوين !
وأرد وبكل قوة على القائلين بعدم مناسبة اللغة العربية لدراسة العلوم وأن اللغة الإنكليزية هي لغة العلوم فأقول وبكل قوة وثقة أيضا لا ! ثم لا ! إن هذا ضحك على الذقون وحجة أقبح من ذنب ! فها هم الروس يدرسون باللغة الروسية لا بالإنكليزية وكذلك الصينيين والألمان والطليان .
أما من يقول أن الدارسين بعد السفر لدول أخرى لإكمال دراستهم يتعرضون لصعوبات في الدراسة بلغة جديدة وقد درسوا بالعربية فأقول وبكل قوة لا فها أنا أتيت ودرست باللغة الروسية ولم أجد أي مشكلة على الإطلاق في إكمال دراستي العلمية بلغة أخرى . ولدي طفلة درست في المدرسة العربية حتى الصف السابع وانتقلت فجأة لمتابعة دراستها في مدرسة روسية وتابعت بنجاح تام ولم يؤثر عليها تغيير اللغة في دراسة منهاج مختلف جدا ومن منهاج عربي له مواصفاته إلى منهاج روسي متطور جدا ومختلف جدا وبكل المواد.
إنني أعتقد بأن المسؤولين عن تغيير هذا المنهاج وبهذا الشكل قد ارتكبوا خطأ كبيرا وعليهم تحمل مسؤولية لا تقبل المزاح أبدا .