لقد كانت صديقتي... هي امرأة من نوع آخر.... قرأتها في كتابات جبران خليل جبران في روايته الأجنحة المتكسّرة:

(إن المرأة التي تمنحها الآلهة جمال النفس مشفوعاً بجمال الجسد هي حقيقة ظاهرة غامضة نفهمها بالمحبة ونلمسها بالطّهر وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس..)

التقيتها .... بعد سنين طويلة ...للحظات.. لم أكن أستطع التعرّف عليها....

لولا لون عينيها الذي لم تستطع الأيام امتصاصه وكيف... بدت شاحبة نحيلة

تلك المرأة المرحة جميلة النفس والجسد ... انقلبت لتصبح امرأة حزينة مكسورة الجناحين...

امرأة بعينين مثقلتين بالهموم...مشبعتين بغدر الأيام ... امرأة ... من نوع آخر..

كيف أصبحت امرأة تشكي وتبكي بعدما كانت امرأة تنسج خيوط المستقبل المشرق

بعدما كانت نشيطة وذكية... احتضنتها لأعرب لها عن حزني لها وتشبثي بصداقتها..

لكن ما الذي حصل؟ كيف تُغير الأيام نفوسنا وأجسادنا..؟!...

تساءلت حينها... فيما راحت هي تتأمل ازرقاق البحر الذي انعكس في عينيها..

الزرقاوين...فبدتا أشدّ ازرقاقاً وحزناً...

كيف نَسيَا أجمل اللحظات... عندما التقى قلبيهما.؟.. لحظة داعبتهما نسمات الحبّ؟!..

كيف قال لها كم أحبك؟!... كيف تعلّمتْ معنى الحبّ على يديه؟....كيف غرّدا معاً

في فضاءاته ؟!.... كيف كانا يسبحان في بحره كما يسبح السبّاح الماهر..!.

كيف أصبحا لا يخجلان من الاعتراف  باعتزاله..!

غريب كيف يموت الحبّ؟ كيف يُخنق ويُشنق؟!

كيف يَغرق؟!... كيف نراقب هلاكه ؟!!..من على جبل الصمت ؟

كيف نبيعه؟!... كيف لا نمدّ أيدينا لننقذه من مذبح الأيام العتيد؟!..

كيف أصبحت اللامبالاة عنوان الجلسات.؟!.. كيف كسّر قلبها ورماه عند ضفة النهر...

وترك كلابا تعصف به...

غريبة هي كيف دافعت مرارا وتكرارا عنه؟!... كيف ضحّت؟ كيف لم يكترث

لشيء من هذا القبيل؟... كيف غيّرتهما رياح الغربة ؟... وقطّعت أوصالهما كما يقطّع

الجزّار لحم الشاة....

غريبٌ كيف انهار هذا الحبّ  كبركان أعلن انفجاره.. وعصف بكل ما احتواه حتى أصبح من المستحيل إخماده...

كنت هنالك جالسة لحظة التقيا.. في المرة الأولى... كنت مراقبة من الدرجة الأولى... لم يفلح  صغر سنّي يومها في وصف الحالة... كل ما كنت أعرفه أني غبطّتهما وتمنّيت لو كانت في حياتي قصة حبّ كهذه...

فهل يعني هذا أن الحب كما قالوا جزء من وجود الرجل لكنّه وجود المرأة كلها..

لحظة ابتسم لها ابتسامته الحلوة .. لحظة قال لها:

لا أستطيع أن أتنفس بدونك... لحظة كان يتباهى بجمال عينيها... أيّام الشباب..

ألم يكن يستطيع أن يردّ عرفانا لعينيها المتعبتين ... أوَ هكذا يكون ردّ الجميل.؟. أوَ هكذا نشكر..

 الآخرين..!..

ألم يستطيع أن يقدّر أنه هو من أطفأ أجمل سنين عمرها الورديّة.. كيف قدمها لأهله حينها

كصيّاد .... عثر على جوهرة ثمينة... أوَ هكذا يحافظ الآخرون على جواهرهم الثمينة.!..

أوَ هكذا نترك الحبّ ينتحر ويعلن الموت ؟!...

هل صحيح كما قال أرسطو: (إن الحب الذي ينتهي ليس حبّا حقيقيّاً..)...

ولكنّها كانت متفانية في فهمها له...!.. في الحفاظ عليه والتشبّث به كما يتشبّث الغريق

بقشّه... لا ليُنتَشل هو بل ليلتقي من انتشله ويعلن عليه الحبّ...

كيف أهدته ... ما أهدته... من حبّ... كيف قدّمت الإهداء على طبق من الألماس... وكيف

ارتشفه بسرعة .!.. كيف لم يكترث كم أنها ستنجرح..؟. عندما يعلن حبهما الانتحار...

كيف لا يأبه الرجل لدقّات قلب امرأة مجروحة ... امرأة متفانية... كيف يهتم الرجل ؟!...

للأخريات في أتعس لحظات الانفصال... وفي لحظات انتحار الحبّ...

غريب أمرها عندما سألتُها أما زلت تحبينه؟...وكيف ردّت بقوة..

أنها تحبه... تحبه ... حتى لو كان آخر رجال الكون... حتى لو كان ... بلا قلب..

غريبة هي المرأة كم هي متفانية في عطائها ..!؟...كيف هي ثقيلة في الحبّ...

.... غريب  ماذا يسمى هذا الحبّ ... ألا يسمى الحبّ الحزين..؟!!...

صحيح كما قال جان جاك روسو:

( الحب لا يقتل العشاق...!هو فقط يجعلهم معلّقين بين الحياة والموت..!.)

نعم لقد كانت معلّقة بين الحياة والموت..