البورصة هي ببساطة عبارة عن سوق تجري فيه الصفقات و عمليات البيع و الشراء للأوراق المالية و بالتالي البورصة هي نتيجة شيء ما حدث في الاقتصاد و ليست غاية أو هدف بحد ذاته .. في البداية هناك أوراق مالية بلغت من الضخامة و التنوع بحيث تتطلب وجود سوق لها, ثم يتم إنشاء هذا السوق كحل للمشكلة التي ظهرت.
أما المؤشرات فهي تعطينا خلاصة التداول في هذه البورصة و يكون المؤشر مهمّا عندما يعبّر فعلا عما يجري في اقتصاد دولة ما , فمؤشر داو جونز في بورصة نيويورك مثلا هو عبارة عن مؤشر صناعي لأكبر 30 شركة صناعية مسجلة في بورصة نيويورك ويبين مؤشر داو جونز الصناعي متوسطات أسعار مختارة من الأسهم والسندات المتداولة في سوق الأوراق المالية ( أسهم وسندات تلك الشركات الثلاثين ) و يتم حساب هذه المتوسطات بشكل معين متعارف عليه وفق معايير معينة .. و الجدير بالذكر أن دخل شركة واحدة من هذه الشركات قد يتجاوز الدخل القومي لبلد نامي ما . و باعتبار أن الاقتصاد الأمريكي يقوم على الشركات المساهمة و بالتالي فمؤشرات البورصة كمؤشر داو جونز يكون لها معنى , و تعطينا قراءات واضحة عن أداء الاقتصاد الأمريكي.
نلاحظ أن من متطلبات وجود بورصة هو وجود شركات مساهمة أي أن يكون في الاقتصاد شركات مساهمة و هذه الشركات هي المكوّن الرئيس و اللاعب الأهم في العملية الاقتصادية أي أنه في البداية تظهر الشركات المساهمة بشكل واسع في الاقتصاد و بعدها تظهر مشكلة تداول الأسهم لهذه الشركات و بعدها يأتي الحل بإنشاء البورصة .
بالنسبة للاقتصاد السوري لا تلعب الشركات المساهمة دورا جوهريا أو محوريا في الاقتصاد .. فالقطاع العام مسيطر على الحياة الاقتصادية بشكل كبير و بالنسبة للقطاع الخاص فتعتبر الشركات العائلية هي الشكل السائد ,أما الشركات المساهمة فهي قليلة و ضعيفة نسبيا إذا ما قورنت بحجم الاقتصاد السوري .و السبيل الوحيد للتقدم الاقتصاد و الاجتماعي هو تفعيل دور الشركات المساهمة في الاقتصاد لأنها أكثر كفاءة و مساهمة في الدخل القومي و أقلها هدراً للموارد من أي نوع آخر من الشركات حتى شركات القطاع العام.
ظهرت مؤخراً فكرة تحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة ولكن لم يتم الإعلان عنه و نستشف ذالك من خلال قانون الشركات رقم 29 لعام 2011 حيث ظهرت مادة تعرّف (الشركة المساهمة العامة) بأنها شركات مساهمة تنطبق عليها الأحكام المتعلقة بالشركات المساهمة المغفلة, وتكون الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو جهة أو أكثر من الجهات العامة مالكة لأسهمها بالكامل.
ونوّه القانون المذكور بأنه لا يجوز طرح أسهم هذه الشركات أو جزء منها للتداول إلا بموافقة مجلس الوزراء
هذا الموضوع أثار حفيظة بعض القوى السياسية اليسارية حيث شككت هذه القوى بنيّة الدولة و اتهمتها أنها تحاول خصخصة القطاع العام, مع العلم أن هذه الخطوة (الشركات المساهمة العامة) تعتبر خطوة إلى الأمام وفي الاتجاه الصحيح .و لكن الشيء الذي يثير الريبة والقلق فعلا هو كيف سيتم تطبيق هذا( التحويل) إلى الشركات المساهمة ؟ فقد جرت العادة أن يتم إحباط كل مرسوم و كل قانون جديد يكون لمصلحة الشعب أو الدولة و جعله في خدمة بعض المصالح الضيقة, حيث كانت تقوم الحكومة السابقة بإحباط المراسيم و القوانين من خلال آلية تطبيقها (التعليمات التنفيذية) .
فإذا مثلا تم تحويل الشركات العامة إلى شركات مساهمة و تم الدفع باتجاه بيع هذه الأسهم لحفنة من الرأسماليين البورجوازيين حتما ستكون خطوة سلبية من الناحية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية أما إذا تم بيع هذه الأسهم للطبقة الوسطى و الفقيرة من المجتمع نستطيع أن نقول أننا ضربنا عصفورين بحجر واحد فمن ناحية نكون وضعنا الاقتصاد على الطريق الصحيح و من ناحية نكون قد حققنا مصالح الأغلبية من المجتمع عن طريق إبقاء ملكية الشعب لرأس المال القومي فيسود الاستقرار السياسي و الاقتصادي و العدالة الاجتماعية.
بالعودة لموضوع البورصة السورية ,أتت هذه الخطوة مبكرة جدا صحيح أنها خطوة حتمية و لكنها مبكرة, قد يدافع المدافعون عنها بقولهم أننا يجب أولا أن نفتح الطريق و بعدها يتم السير في هذا الطريق و لكن مع ذالك كان يجب القيام بالخطوات الأخرى ( التحويل ) بالتزامن مع هذه الخطوة و المقصود بالتحويل هنا تحويل الشركات العائلية بالإضافة للشركات العامة إلى شركات مساهمة.
..أي أن لا نقوم بالتركيز على الأمور السهلة و نترك الأمور الصعبة للزمن (الهروب إلى الأمام ) فأي بلد مهما بلغ من التخلف يستطيع بناء مقر للبورصة و يستطيع أن يضع فيها الحواسب و الشبكة و السوفت وير ..أي أن التحدي ليس هنا, التحدي في تطوير الاقتصاد و تحويله إلى اقتصاد ناجح و قوي و بعدها تأتي خطوة البورصة كتحصيل حاصل.