news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
ظاهرة الفساد ظاهرة الظواهر العالمية ( أسباب الفساد – الجزء الأول) ... بقلم : نصر زينو

أولاً: التعريف:


إن الفساد يندرج كمفهوم ضد الصلاح والاستقامة والأمانة، وهو من المعاجم اللغوية، انحراف وانحلال وقبح، وحالة تعفن وتدهور أخلاقي، ما يعني أن الفساد يصدع ويهدم البنية البشرية في أي مجتمع يتسرب إليه ويهدم شخصيته الاعتبارية،ولا عجب أن يطول الفساد البنيان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والنفسي في مجتمع غاب عنه القانون وسلطته الشرعية، وأهمل المسؤولون عنه تطبيقه، وحلت محله سنن وأعراف وضعها أصحاب المصالح والمطامح الشخصية، لتخدم أغراضهم غير المشروعة...

 

ما ترك آثاراً سلبية جسيمة على أخلاقيات العمل وقيم المجتمع، وأدت إلى تبرير الفساد وتحويل الرشوة والعمولة إلى حق مكتسب وعرف اجتماعي مشروع، وصار المرتشي شاطراً أو محنكاً أو حاذقاً... ولقد تعددت أوصاف ظاهرة الفساد بتعدد أساليبها وتنوع سبلها، وهي بالإيجاز، استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فهي تأخذ معنى الرشوة تحت ستار الهدية، ومعنى العمولة التي تسهل عقد الصفقات وتسويقها، وهو ما يسميه الناس بالبرطيل، كما تأخذ معنى التدليس والنصب والاحتيال، ومعنى وضع اليد على المال العام من قبل بعض شاغلي المناصب الحكومية، أو من قبل أهلهم وأقاربهم، بالنهب أو بالسطو أو الاختلاس والسلب... الخ

 

- وعرّف تقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي عام 1997 الفساد بأنه سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب ومنافع خاصة.

والفساد وفق تعريف منظمة الشفافية العالمية، هو إساءة استغلال المنصب الحكومي لتحقيق مكاسب شخصية. وبالتالي هو مشكلة خطيرة، تؤثر بشكل أكيد وكبير وسلبي على التنمية والتطوير، وتهدد وتائر تحقيقها في أكثر من 70 دولة في العالم، وهو أيضاً آفة هائلة التأثير الضار والمدمر على الحاضر والمستقل لكل المجتمعات التي تسربت إليها بغفلة من المضادات لها أو بالطواطئ معها...

 

ويضيف د. خلف جراد أن الفساد هو اكبر معوق للإصلاح والتنمية والذي يتكون من: المسؤول الفاسدوالإداري المتردي وجدانياً وأخلاقياً- والسياسي المنافق والمتلون- والقاضي الذي لا يحكم بالعدل بين الناس والمثقف داعية الاستسلام واليأس والانسلاخ عن أمته وتراثها وهويتها- والصحفي الذي يستعمل كلمته ومكانته وسلطة الكلمة ليبتز أبناء وطنه- والأستاذ الجامعي الذي يبيع الأسئلة والدرجات- والطبيب غير الملتزم بقسمه، وشغله الشاغل جمع المال لا الحفاظ على الأرواح... كل هؤلاء وأمثالهم الكثير يشكلون الورم الخبيث والفيروسات الخطيرة والمدمرة لحيوية جسد المجتمع...

 

راجع سيريا نيوز في 18/5/2011 لاستكماله..............

- فالفساد بالنهاية, في مجمله هو تعبير عن حالة الفرد والمجتمع النفسية والاجتماعية الثقافية والأخلاقية, فآثاره سلبية كارثية على الاثنين معاً, بترسيخ الأنانية الفردية, ونزعة الشر فيها, وانتشار ثقافة الفساد الهدامة في بنية المجتمع, على حساب قيمه ومثله الإنسانية النبيلة، لذلك لابد من معالجة أسباب الفساد وإزالتها قدر المستطاع, لحماية المجتمع والوطن من هذه الآثار المخربة والمدمرة الهائلة الاتساع والقوة والخطورة.

ولابد بالختام من انه يجب عدم التعميم في هذه الدراسة, حتى لا نظلم الشرفاء في هذا الوطن وهم الأغلبية الساحقة, ونعتذر لمن أصابه خطأ ما وقعنا به عن غير قصد والمسامح كريم.

 

ثانياً:أســــباب الفســاد

 

أولاً: السلطة:

أرى أن السلطة بأنواعها هي السبب الرئيسي الأول لوجود وانتشار ظاهرة الفساد.

أ- لأن السلطة التنفيذية التي أطلقت يدها بصلاحيات واسعة، استغل بعض مسؤوليها تلك الصلاحيات، وأثروا على حساب المال العام، بدون رقيب ولا حسيب، إلا لبعض المسؤولين الذين كانت محاسبتهم وإحالتهم إلى العدالة انتقائية، ولأسباب أغلب ما كانت سياسية وتنافسية على السوء وليس على الأداء الأفضل، وكان كل مسؤول يعتبر القطاع الذي يتولاه كأنه حيازة شخصية هو حر التصرف بها أحسن أو أساء، فحسب ضميره وضميره فقط، حيث أن لا أحد يسأل أو يُسائل أحداً، وحتى إذا ما فكر أحد بذلك فان البعض منهم يملك حصانات يصعب اختراقها  كما حصل لخدام كمثال فقط...

 

فالموافقات على العقود والصفقات، وعمولتها أو فروضها المادية على حساب كل شيء فيها متوقع مثلاً، بالإضافة للاستثناءات البريئة أو غير البريئة... من خلف ظهر القانون، والأخطر مما سبق والأكثر انعكاساً على حياة الناس، كانت الأزمات المعاشية التي ظهر أن أغلبها مفتعلة لإلهاء الناس عن الاهتمام بالشأن العام، من الكبريت للسمن للرز للسكر للدخان للحمة للـ... وظهور أثرياء أزمات التموين كأثرياء الحروب وهم كثر، والدليل على افتعالها أن السلطة عندما قررت إنهاءها انتهت بشحطة قلم، وانقلب الأمر من القلة إلى الوفرة الزائدة، وصار المواطن من قلة المواد إلى قلة ذات اليد لأخذ ما يريده من الوفرة المثيرة. بالإضافة إلى نهر المساعدات الذي تدفق على سورية من الدول العربية الشقيقة، إبان السبعينيات وبداية الثمانيات من القرن الماضي، وغرف الكثير منهم ما تيسر لهم، وبذلك تراكمت ثروات هائلة لدى البعض... مليارات الدولارات... حتى أن البعض باشر بالاستثمارات بها في خارج الوطن وهم عديد للأسف...ونبت الطفيليون على هامش مسيرة بناء سورية الحديثة والعظيمة، وتكاثروا كالجراد وأكلوا الأخضر واليابس، وعرقلوا هذه المسيرة الخلاقة قدر ما نهبوا مما كان يجب أن يصرف على إشادة الصرح الحضاري الأجمل، وتحسين مستوى معيشة المواطنين لدرجة الكفاية والرفاه بحق وإنصاف... وتنطبق على هؤلاء بجد مقولة علي ( عليه السلام ) " ما أتخم غني إلا من جوع فقير..." كما أن السبب الرئيسي لاستمرار تصاعد السوء، هو طول مدة بقاء المسؤولين في مناصبهم كأنها أصبحت ملكاً لهم، فهل يعقل أن يبقى رئيس مجلس وزراء 14 سنة، والكثير من الوزراء مثله... حتى تكلست أخطاؤهم وتعاظمت، لا بل وتحجرت وأصبح أمر إزالتها أو إصلاح ما تراكم من الفساد كالجبال، وأصبح حِملاً ثقيلاً لمن أتى بعد... أو عاملاً مشجعاً لمن أراد الاستمرار بما كانوا يفعلون، وقرر بعزم اللحاق بهم بما جمعوا من ثروات لا تحصى، وبما امتلكوا من سلطات وسطوة سلطوية ومالية لا حدود لها ولا ردع.... والله اكبر...وكانت الخطوة الأخطر والسابقة الأسوأ، التي مهدت لأغلب مظاهر الفساد في اغلب المجالات السائبة وشجعت عليه...

 

وأول مخالفة للقانون وخرقه علناً بقرار السلطة التنفيذية، هي السماح لمهربي السيارات السياحية بجمركتها وجعلها نظامية، بالتالي كانت مكافأة لمخالفي القانون ومعاقبة للملتزمين بالقانون... ومعروف جداً من كان وراء هذه الخطوة المرعبة... وكانت البداية والمثل الأقوى للتشجيع على مخالفة القوانين، طالما سيكافئ على ذلك بدلاً من المحاسبة والجزاء... وأصبحت هذه مجالاً للتباهي والتذاكي والشجاعة، وكرّت السبحة على طريق الفساد الأكبر كمرض معد رهيب وخبيث... بالإضافة لأسلوب خطير خاطئ آخر، وهو عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب أيضاً، وتداعياته السلبية ونتائجه السيئة واستطالاته الخطيرة على مستويات عدة.

 

ب- السلطة الإدارية: وهي الأسوأ دوراً والأبشع تأثيراً لتعلقها بحياة الناس، وهي تبدأ من سلوك الأدنى في أي مكان إداري إلى رئيس الهرم مروراً بجيش عرمرم من المتصيدين لحاجات الناس وشؤونهم المتصلة بدوائر الدولة... ومركزية هذه السلطة كإقطاعية لرئيسها فان كان جيد الأخلاق والسلوك، كانت إدارته بغالبيتها كذلك... والعكس صحيح، فالفساد، رشوة، برطيل، حلوان، بخشيش، هدية... والعمل بالمثل " الدراهم كالمراهم " تسلّك المستعصي أينما كان وكيفما كان وبسرعة الأجفان... كما يقولون... بدأَ بالبسيط وبالسر والخجل... الذي أعان العامل الرسمي على قضاء حاجاته الضرورية التي لا يكفي الأجر الرسمي لقضائها... وكان يدفعها المواطن أحياناً برضى وعطف وأحياناً بتأفف وتذمر، وأحياناً بجبر وإذلال يفرضان عليه أن يغضب ويثور لكرامته وحقه، ولكن غالباً ما يصمت بقهر مخيف وذل رهيب... وطبعاً كان الأجر حينذاك لا يكفي العامل أكثر من أسبوع إلى عشرة أيام " كما قال احد أعضاء القيادة في مجلس الشعب في يوم ما سابق إن الأجر لدينا يجب أن يسمى أجراً أسبوعياً وليس أجراً شهرياً لأنه لا يكفي لأكثر من ذلك " ويقولون رزق بعض الناس على بعضهم الآخر... والأمور تسير بالتيسير، فالبعض يدبر نفسه بعمل شريف ثاني أو أكثر... والبعض بسرقة المال العام عملاً بفتاوى شيوخ إخوان المسلمين والمتعاطفين معهم أثناء فترة الصراع معهم /1976 – 1982/ الذي انتهى بانتهائهم كقوة جهل وشر " بأن سرقة مال الدولة حلال لأنها دولة كفر وعدوان واستغلال وليست بالحكم الصالح الواجب إطاعته ودعمه... لا بل الواجب تدميره وإسقاطه..." ووجدها بعض الناس مخرجاً لازمتهم المعاشية وبلسماً لعلاج ضميرهم حتى سرى قولٌ " السارق من السارق كالوارث من أبيه، فباعتبار أن السلطة تسرق المال العام، أي الشعب فحلال سرقتها لاسترداد حق منهوب منه " وتعاظم الخطر بتعاظم آلياته المبتكرة والعلنية والمفروضة بقوة القهر السلطوي المتسيب، لدرجة أصبح فيها أي عمل أو حاجة أو إجراء أو موضوع له علاقة بالسلطة الإدارية... لا يمكن أن يتحقق حسب الأصول القانونية والعدلية في الأغلب، بل يجب أن يدفع عنها لتمشي، وإلا تبقى وتؤجل إلى أن يذعن صاحبها أو يجد من يعينه من شرفاء السلطة، وقد قال احد رجال الأعمال: كنا في السابق نقدم الرشوة والبخشيش للموظف إذا كانت المعاملة ناقصة، وإذا ما أردنا تجاوز القانون... أما اليوم فحتى يقوم الموظف بواجبه فإننا مضطرون لان نرشوه، وإلا عقــّد المعاملة التي هي نظامية مئة بالمئة... أليس هذا هو الابتزاز بعينه... وعلى الدنيا السلام؟!

 

وأضحت ظاهرة الفساد اكبر من سد الحاجة الحقيقية أو رفع مستوى المعيشة المتدني أو قضاء الضروري من شؤون الإنسان... لتصل إلى الجشع والطمع وجمع الثروات الطائلة بلا حدود، وتقليداً للكل من الكل... وأصبح الدخل غير المشروع ، كما يبدو مشروعاً بدون نص... بالإضافة للسطو على المال العام، وهو الأكبر للكبار والذي تولد منه الحيتان والغيلان والقروش، وهم كثير جداً فلا يحصون... وأصبحوا من القوة والجبروت والتعالي... بحيث لا تطالهم يد عدالة أو يد نظام أو قانون، والتخلص منهم أو القضاء عليهم، أصبح مشكلة عويصة للوطن والنظام، فقد انتشروا كالسرطان في كل المجالات والاتجاهات والنواحي الحياتية، وأمْسك بهم إن كنت قادراً، على اجتراح المعجزات وتحقيق المستحيلات... في مناخ لم تولد فيه آلية إعدام الفساد أو سجنه بعد... ولن تكون بدون إرادة سياسية حقيقية جادة وشفافة أبداً... وهنا لا بد من ذكر معلومة واضحة للجميع أو على الأقل معروفة من المواطنين، وهي أن أغلب الفاسدين من بعض الكوادر الإدارية يقبضون من أغلب الناس... وربما يدفعون نسبة منها للأعلى منهم كما يدعّون، وربما هذا صحيح فلا أحد يقبض بدون علم الأعلى منه إلا نادراً، وإذا ما حصل لا بد أن ينكشف ويحاسب بحزم، فإذا "صلَح الرأس صلح الجسد كله" أي إذا كان رأس الهرم الإداري شريفاً ونزيهاً ومخلصاً فلا فساد في دائرته يستحق الذكر...

 

وللتدليل على صحة ما رأينا، يستطيع من يشاء اللجوء إلى أبسط المعايير وأدقها وأسهل الأساليب وأجداها... وهو " كم كان يملك هذا المسؤول قبل إسناد المهمة الرسمية التنفيذية، وكم أصبح يملك بعد انتهائها... فإذا كانت ملكيته في حدود المعقول أو زيادة قليلاً... فلا بأس... وإلا فان كل ما زاد عن ذلك يعتبر كسباً غير مشروع... ويدخل في دائرة الفساد... وبالتالي يستوجب المساءلة والحساب والجزاء... وأولها استرداد المال المنهوب ليس إلا! وربما يكفي هذا... فنحن نريد العنب، لا قتل الناطور... كما يقولون... والعفو عند المقدرة وأخذ العبرة لمن يعتبر...

 

 

دمشق 8/3/2006

2011-08-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد