كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ينتقي ولاته { المحافظين } بمعايير دقيقة ومواصفات مثالية في السلوك ورجاحة العقل والورع , وسعة الأفق , وعفة اليد والفرج , وصدق اللسان , وثبات الجنان .
وكانت ولاية حمص تسمى الكوفة الثانية , واختار لها سعيد بن عامر بعد دراسة وافية إستوفت كل الشروط المتوفرة بالوالي العتيد المرشح لهذا المنصب الجليل ! أرسل إليه أمير المؤمنين وحضر بسرعة وكان يجهز نفسه للزواج , وأمره بالذهاب إلى حمص من بلاد الشام , إعتذر من المهمة بقوله أنا رجل ورع وأخشى على إيماني أن ألوثه بنشوة الحكم وأفقد الدارين , ألح عليه أمير المؤمنين وأعطاه مبلغ كبير من المال ليصرف على نفسه وزوجه وما يحتاج من نفقات كوالي لحمص العدية !
توجه الوالي الجديد إلى بلاد الشام وإلى حمص واستقر بدار الولاية , وبدأ يمارس مهام عمله , وكان مثالا" للوالي الرشيد أنفق ما في خزينة الولاية من الأموال على الفقراء والمرافق والخدمات العامة , وكانت هناك حاجة إلى مال إضافي لينفقه على الفقراء وبدأ ينفق من المال الذي أعطاه إيًاه أمير المؤمنين لينفقه على نفسه , فنفذ المال إلا قليل منه بالكاد يقيم أوده على الخبز والخشن من الطعام .
وكان لأمير المؤمنين جهاز رقابي صارم وشفاف ورشيد ؟ في كل ولاية { محافظة } يزوده بأخبار الولاية والوالي أولا" بأول , ويوقفه على كل شاردة وواردة في الولاية .
أرسل إليه المكلف بمراقبة عمل وأداء ومسلك والي حمص الرشيد بتقرير جاء فيه أنً الوالي يقوم بواجبه على أكمل وجه لا كنً أهل حمص يعيبونه ببعض الأمور منها :
أنه يتأخر أحيانا" في الدوام الصباحي ؟ وله في الشهر يوم لا يأتي فيه إلى دار الولاية !
وبنهاية العام كانت هناك حسابات الميزانية للولايات وحصر حاجات كل ولاية من الأموال على الخدمات والمرافق العامة والفقراء , وكان في مقدمة قائمة أسماء الفقراء والمحتاجين إلى النفقة والي حمص العتيد سعيد بن عامر ! طلبه أمير المؤمنين ليقدم إليه تقريره السنوي عن حال أهل حمص وما تحتاجه , وسأله عن شكوى أهل حمص بتأخره في الدوام الصباحي أحيانا" ؟ وسأله عن سبب إنقطاعه عن الدوام يوما في الشهر فقال :
لو لم تكن أنت بالذات السائل يا أمير المؤمنين فلن أجيب واستطرد يقول , أغيب أحيانا" عن الدوام لمدة يوم في الشهر كان بسبب كوني لا أملك إلا ثوبا" واحدا " أغسله وأرثيه وأصلح الرقع والثقوب فيه !؟
أمًا عن تأخري أحيانا" في الدوام الصباحي فهو أني لا أملك خادم , وأحيانا" تكون زوجتي مريضة فأضطر إلى عجن الطحين وتخميره وإعداده للخبز بعد تحضير الحطب وإشعال النار لزوجتي لتقوم بخبز الخبز لنا !
رحم الله الوالي الرشيد على عفته ونزاهته , ووسام من الدرجة الأولى في أرشيف الخليفة العادل على فراسته وأسلوبه في تعيين المحافظين وأسلوبه المثالي في مراقبة أداء عملهم .