البر للوالدين أو لأحدهما هو السمة الوحيدة التي تحتاجها الإنسانية لتجسيد مبدأ التكافل بين الأفراد ومن ثم بين الأسر ومنها إلى المجتمع !
إن قصتي هذه ليس القصد منها إلا تسليط الضوء على مشكلة من أهم المشاكل التي نجدها في كل بيت عنده مسن أو أكثر! بل هي الثمرة الحقيقية لتجسيد قيم ومبادئ العقيدة السمحاء بسلوك عملي لها .
واذكر في إحدى رحلاتي في المجتمع الغربي تناقلت الصحف المحلية في باريس خبر مفاده أن جيران امرأة مسنة اشتموا رائحة كريهة من بيتها وعن طريق البوليس تم فتح الباب وهالهم مارأو المرأة المسنة ميتة منذ شهر وقطتها بعد نفاذ ماتقتات عليه قامت تأكل منها وبالسؤال عن ذويها تبين أن ابنها الوحيد يسكن على مسافة 30م بالطابق الأرضي لنفس البناء ومنذ شهر لم يمر عليها ولم يكن مسافر أو لديه عذر من زيارتها ؟!
أنا وأمي والحبايب
كنت أعيش في الأردن مع أسرتي وكنت زعلان من حلب!
وحلب ماهي حاسة بزعلي منها!
وذات يوم جاءت أمي برفقة أخواتي فاطمة، وعائشة إلى عمان .
وأصرت أمي على عودتي إلى الوطن مع الأسرة لكن زوجتي وجدت من الأعذار الكثير لتبقى في الأردن حتى تنهي بعض الأعمال ؟
عدت إلى الوطن وأنا العارف بحب الوطن فقد تغلل حبه بكل ذرة من كياني فقد كنت أحد حماته البواسل لربع قرن كضابط في احد تشكيلاته الباسلة وترجلت عن صهوة جوادي وتقاعدت بناء على طلبي .
لم يكن لدي عمل أعتاش منه ولم يكن لدي مصادر أخرى للدخل ولم يكن راتبي التقاعدي يسد الحاجة!
فقد وجدت نفسي وحيدا أنا وأمي المسنة !
فاضطررت إلى رهن بيتي في حلب بالحي الرابع بالحمدانية ! وحينما عجزت عن فك الرهن بعته بسعر بخس! لكنه بالنسبة لي الكثير بسبب الحاجة لثمنه .
فقد كانت أمي مريضة وتحتاج إلى العلاج , والدواء , والغذاء، والعناية الحثيثة لأنها أصيبت بجلطة دماغية أفقدتها كثير من قوتها لكنها واعية تمام الوعي .
كانت أخواتي البنات ياتين ببداية مرضها مجموعات، وبعد أسبوعين ياتين أفرادا مبررات وعاجزات! وبعد ذلك كن يبعثن بناتهن ليرعين أمي تكلفا!
لقد عجزت أمي عن خدمة نفسها بالذهاب إلى الحمام بل فقدت بصرها وبسبب إستلقائها المطول على الفراش كثرت القروح بجسدها فكانت العناية بها معقدة من المضاعفات التي لازمتها !
اتصلت بزوجتي أم أولادي ، وقلت لها أمي بحاجة لامرأة تقوم على خدمتها ردت زوجتي ؟ أنا أخدمك ولست معنية بخدمة أمك قلت لها لايشرفني أن تخدمي أمي ولكن بناتي من حقي عليهن أنْ يقمن بخدمة جدًتهنً .
لم تأتي ؟ توسطت لها مع جميع أهلها وصديقاتها ولكنها كالصًفاة المحيفة!
ازداد مرض أمي وأصبحت تحتاج لأكثر من الحفًاظاتْ!
اقترحت أختي عائشة المعلمة ؟ أن نأخذ أمي إلى حلب إلى دار عجزة لجمعية خيرية للطائفة الأرمينية! وحسب قولها تلقى عناية فائقة هناك ! انتفضت بقوة وقلت أمي الحاجة المؤمنة المسلمة تموت في دار مأوى عجزة ! ويلقنها شخص أجنبي من غير دينها لا والله وبي عرق ينبض ! وطردتها من البيت وأكلت الطعم لأن هذا ماكانت تريده ! ولم أراها إلا بعد شهور بالسوق برفقة أولادها وهربت مني خشية أن تلتقي عيناي بعينيها وترى بركة بري لأمي على محياي وعقوقها لها في قرارة نفسها !
أخي الوحيد كان يأتي كل شهرين ويحضر معه فطائر بقيمة 100ليرة أي 2 $ على الأكثر برفقة حرمه المصون، وقلت لزوجته ذات مرة يا أختي عافت نفسي الأكل الجاهز من المطاعم أرجوك ابعثي لي من بقايا مائدتكم مع أحد الأولاد وأنا أعطيه أجرة المواصلات مع إكرامية ردت علي لا كيف بل أرسل لك من رأس الطبخة !!! قلت لها أنا ماني شايف شيء إن كانت من الراس أو من الفِضالة كله طعام ونعمة المهم أرسلي لي طعام مطبوخ ! أرسلت مرة واحدة وانقطعت أخبارها لاطعام ولا حتى كلام للاطمئنان أو إتصال ! كلمت أمها، وكلمت أبوها فقال لي حرفي" ابنتي ماعندها مانع لكن أخوك مانعها ! قلت له أخي ليس كل النهار بالبيت لابد وأن تجد فرصة وتبعث لي مع احد الأولاد ياأخي من الفضالة أحسن ماترمي بقية الطعام بحاوية الزبالة وقد أسمعت حياً ، ولا حياة لما تنادي !
اقترح أصهاري أزواج أخواتي أن تضيفهم أمي أسبوع عند كل واحد منهم قبلت دعوة التبرير والتعجيز !
بدأت مسيرة الذل عند الأصهار في الليل، والنهار ! كنت أنقلها إلى هنالك مع مصروف جيب محرز مع الفواكه والطعام والأدوية عدا الإكراميات للأولاد والبنات من أجل رعاية أمي!
اتصلت أختي فاطمة ذات يوم أمك ماتقعد عاقلة ! طلعت على الدرج ؟
تعال وشوف عملتها على السجادة الجديدة تعال خذها ودبرها !
و فاطمة هذه كنا جلوس بحضرة أمي وسألتها ؟ أمي بيتك في حلب بيعيه وأعطينا ثمنه لنحسن من حالنا ! ردت أمي لا انتم حالكم زين أنا أريد ابني جامع وقف لله تعالى عن روحي، وروح أبوكم، وأخوكم عبد الحنان !
ردت فاطمة لا ؟ يماً أنا أبدى وأهم من الجامع !
جاءت أختي الكبيرة وطلبت أن تأخذها لعندها وضعتها هناك وكل نصف ساعة تتصل بي هي وزوجها ! أمك تريدك تسال عنك ! أخذتها من عندهم بنفس اليوم .
اجتمع الأصهار، وأخي، وأخواتي عندي ذات يوم، وكان قرارهم التالي :
نأتي لخدمة أمًكْ ولكن تزور أمك مثلنا ولو كنت في الغرفة الثانية في نفس المنزل، وكم يوم يعني بعد موتها كل واحد يأخذ نصيبه واذهب إلى الأردن لعند أولادك !
وانتفضت على الجميع وصحت بكل جوارحي أنا غريب في بيتي والبيت الذي يريدون اقتسامه بيتي أنا بنيته حجر على حجر وحرمت نفسي من كل شيء من أجل أبني بيت لأمي ووالدي وإخوتي الصغار حينما كانوا إخوتي !
وجعلته عرفاً بإسم أمي لأني مشترك في مؤسسة السكن العسكري ولا يحق لي الاشتراك وأنا أملك بيت سكن آخر .
وطردت الجميع، وقمت بمساعدة نساء الجوار أخدمها فقد كانت أمي داية بدون أجرة ؟ ومغسلة نساء متوفيات مع تقديم الكفن بدون ثمن !!
لكن الجوار ليسوا أفضل حال" من إخوتي فتبرموا من مساعدتي !
وبعد ذلك قررت أنْ لا أدع يرعاها غيري، وكنت أخدمها بنفسي وذات يوم وضعت راسي على صدرها وكانت تحب أن تعبث بشعري بأصابعها قلت لها يما ً تساوينا !!!
قالت بصوت واهن ضعيف كيف لست فهمانة عليك قلت :
حينما كنت صغير كنت تغسليني وتحفظيني، واليوم يماً، غسلتك مثل ماغسلتيني وحفظًتك مثل ماحفظًتيني تساوينا يماً مالك علي زيادة وفضل !
ردت علي وهي تحضنني بكلتا يديها وتضمني على صدرها وتشم رأسي وتقول لي :
سترت علي الله يستر عليك ياوليدي في الدنيا والآخرة !
رؤيتي لأمي فبل وفاتها وهي بمرضها الأخير لكنها واعية بدأت أمي تقص علي رؤيتها فقالت :
كنت نائمة بعد صلاة الصبح فرأيت أن اثنين شديدين القوة ممسكان بيدي ويجراني ويصرخان علي هيا إلى الحساب ! وكنت خائفة منهم كثيرا ! وأنا أحاول الإفلات منهم ولكن لا أستطيع، وأصيح عليهم اتركوني مالكم شغل معي !
لكنهم واصلو سحبي، وجري، وإذ بشاب طويل القامة، حسن الشكل والهيئة ، ويرتدي ثياب بيضاء، تقدم من الشخصين القويين الذين يقوداني وأنا عاجزة عن الانفلات من قبضاتهم الشديدة فقال لهم بصوت قوي وبنبرة آمرة اتركوها ؟ فتركاني، وكنت أظنه صديق إبني عبد القادر ! ربيعك ؟ وقلت له ياوليدي من أنت ؟؟؟؟ يلي خلصتني من هؤلاء ؟ فرد علي مبتسما أنا القرآن العظيم؟؟ الذي كنت تقرئينه !! وصحيت من نومي ياوليدي وأنا فرحانة بهذا الحلم الجميل عسى الله أن يكون قد تقبل مني اجر قراءة القرآن ؟؟ وكانت تقص علي رؤيتها وهي تبكي ! بفرح ووجهها مشرق !!!!
لقد رقمت 52 ختمة على مصحفها يارب رد عبد القادر إلى سوريًا !!
كانت ابنة أختي فاطمة ترمي بثياب أمي المتسخة في كيس مجمع قمامة المنزل ! وكنت أخرجهم واغسلهم بيدي وأنشرهم على المنشر !!!
زوجة أخي أم الفضالة !!!
اتسخت ثياب أمي فعمدت إلى المقص وقصتهم ورمتهم بالزبالة ثياب كانت من الحرير ومن أفضل أنواع المنسوجات !! وألبستها روب نوم قديم لها فكان كالقميص لأنً أمي طويلة وزوجة أخي قصيرة !
قلت لها يوم" , يماً حينما كنت صغير من أين كنت تقبليني
قالت لي : كلك حلو , كنت أقبلك من رجليك وأيديك !!! ومن يومها كنت لا أقبلها إلا من رجليها !!!
وعشنا أنا وأمي بأحسن حال نأكل من أطيب الطعام من مطاعم الرقة لمدة سنتين ومرضها لمدة عام ونيف حتى أخذ الله أمانتها رحمها الله ولم أؤدي لها زفرة من زفرات الوضع !!!! كنت اخدمها وأنا على يقين من أيامها قليلة وكانت تخدمني وهي تأمل لي العمر المديد والعيش السعيد !!!!!
رؤيتي لأمي !
لقد رأيت أمي بالمنام بعد وفاتها بفترة قصيرة بحدود الشهرين كانت الرؤيا قريبة من الفجر رأيتها وهي تلبس رداء يشبه طقم الصلاة لونه سمني يشبه الحرير الطبيعي وموشى بتوشية خضراء وأمامها ستة كرات ملونة قيل أنها جواهر في المنام فقلت كلها لي ورد صوت آخر لعبد القادر أم له ولإخوته فقط !!!!
قالت أمي بس لعبد القادر وكانت إحدى الجواهر منفردة وخمسة مع بعض وهم على الأرض أمامها !!!
لقد أثر في خاطري عقوق إخوتي لأمي ولي ! وأعزو العقوق لأزواجهم وأنً الناس على دين ملوكهم !!!
لم تكن عيوني تنزل عن السماء وهي تخاطب خالقها بما آلت إليه أفعال أخواتي وأخي وأبناء أخي المتوفى علي وعلى أمي !!!! وكان الانتقام الإلهي سريع" ومعزز" !!!! ونال كل منهم نصيبه جزاء على العقوق وكان عقاب السماء فظيع أعف نفسي من سرده !!!! حتى الدعاء حرمتهم السماء منه !!!! من عادة سكان الرقة زيارة القبور في الأعياد قبل صلاة العيد وبعضهم تروح عليه صلاة العيد !!! وذهبت كعادتي بعد صلاة العيد لزيارة قبور أهلي وعلى رأسهم بالطبع أمي وبعد أن وضعت بعض العروق الخضراء على قبرها والدعاء لها لاح لي على البعد الحبايب !!!! أخي وزوجته أم الفضالة !!!! وأختي المعلمة !!!! وأم السجادة الجديدة !!! وكانوا يقفون على قبر أحد أفراد عشيرتنا وكانت وقفتهم استعراضية أمام الأقارب أكثر منها كواجب ديني واجتماعي !!!!
وكنت لاأخاطبهم قبل الآن ومشيت باتجاههم وكان قريب من موقفهم قبر والدي رحمه الله وكنت من البارين به !!!! وكانت عيون الناس ترقبني !!! ووصلت إليهم وحاش الجميع بعيونهم عني !!! وبصوت جهوري قلت لماذا تقفون هنا !!! رد أخي وأختي المعلمة هذا قبر أمي ندعوا لها وأردفوا ممنوع علينا زيارتها بتهكم !!!! قلت الممنوع ليس مني بل جاء من السماء هذا القبر ليس قبر أمي !!! هذا قبر فلان قريبنا !!!! ذاك قبر أمي وأشرت إليه !!! ألله لم يقبل زيارتكم فقد أعمت السماء بصيرتكم عن قبرها !!!! وتسللوا مطأطئين رؤوسهم ولم ألتفت إليهم هل زاروا قبرها أم ساروا إلى بيوتهم خجلين من نظرات وضحكات أقاربنا عليهم !!!! ولاحت مني نظرة إلى زوار القبور من أقاربنا وغيرهم !!! وكانت عيونهم مليئة بالحب والتقدير لشخصي !!!! فما أن أقف على قبر من رحمي حتى يتوافد الناس رجال ونساء صغار ويافعين للوقوف بجانبي والدعاء معي لصاحب ذاك القبر !!!!
قلت ماتقدم والله من وراء القصدد