news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
مطلوب للعمل : مجرمون لمناصب قيادية... بقلم : مهند قصار

لم يعد أبناء لغة الضاد يخجلون من كونهم سكان دول العالم الثالث رغم أن مناهج التاريخ التي يدرسها العرب طوال فترة حياتهم التعليمية مفعمة ومتخمة بقصص الحضارات المتعاقبة على أرضنا وملاحم البطولة التاريخية التي حفظتها عقول أطفالنا دون إدراك لمعانيها وكأنها قصص من الخيال العلمي.


ومن هذا الواقع كان لا بد هنا من التساؤل عن سبب تخلف العرب وعدم مواكبتهم ركب الحضارة المتسارع وكأننا عدنا لنعيش حياة عرب الجاهلية الذين عاشوا ملاحم البطولة الشعرية بعيدين كل البعد عن الحضارات المعاصرة في زمن نهضة الدول الفارسية والرومانية، مع اختلاف طفيف هو أننا الآن قادرين على متابعة ركب الحضارة كمتفرجين فقط عبر الفضائيات وتقنيات العالم الإفتراضي (الإنترنت)  فكيف استطاعت الحكومات العربية السيطرة على عقول أكثر من 300 مليون عربي بمختلف أعمارهم؟ ولماذا عندما تسأل أي عربي عن سبب تخلف بلاده تجد لديه عشرات الأسباب التي تقنعه أنه مازال بخير وأنه أفضل بكثير من عشرات الدول المتخلفة، وبأن دول الاستعمار التي اندحرت على أرضنا منذ عشرات السنين تركت من الخيبة والتخلف الكثير الذي يصعب التخلي عنه، وأحياناً كثيرة يختبئ وراء حجج العدو الذي ينتظر أن ينهش ويقطع أوصال الشعب العربي. فكيف تم إقناع تلك الشعوب بأن أعداء الوطن هم سبب تخلفنا بالرغم من أن تلك الدول العدوة أصبحت من دول العالم الأول ونحن لا نزال قنوعين بتخلفنا، لا بل ونتمسك به وكأنه الترس الذي سيحمينا من طعنات العدو.

 

لقد تسارعت خطى الدول المتقدمة وتلك التي تسعى إلى التقدم للتنافس على مراتب أولى في إحصائيات التنمية ورخاء الفرد التي أصبحت أهم مؤشر لتطور الدول، وهي ما يطلق عليها "مؤشر التنمية البشرية"، فيما تقبع معظم الدول العربية في مؤخرة القائمة.  

 

ومن الغريب، حسب المبادئ التي زُرعت في عقول العرب، أن تحتل بعض الدول الناشئة المراتب الأولى في ذلك المؤشر، وأن تنعم شعوبها بأفضل وسائل الرخاء والراحة رغم قلة مواردها مقارنة بموارد العالم العربي وفقرها بتاريخ الحضارات الإنسانية  وأستراليا هي من بين تلك الدول اليافعة، حيث لا يزيد عمرها عن قرنين ونصف ورغم ذلك فهي تحتل المرتبة الثانية في مؤشر التنمية البشرية بعد النرويج، وهي من الدول العشرين العظمى واقتصادها من أقوى اقتصاديات العالم رغم كبر مساحتها، فهي سادس أكبر دولة، وقلة تعداد سكانها الذين لا يزيدون عن 23 مليون نسمة.

 

 ولمن يقول إن المساحة تعني الكثير من الموارد الطبيعية التي إن قُسِّمت على تعداد شعب قليل ستعطي الكثير من الأفضلية للشعب الأسترالي أقول إن 70% من الناتج القومي المحلي الأسترالي يأتي من قطاع الخدمات التي تتضمن السياحة والتعليم والخدمات المالية والمصرفية؛ أي أن الحكومة الأسترالية لا تعتمد كثيراً على الموارد الطبيعية بقدر اعتمادها على الاستثمار في الإنسان الذي يخلق الفرص، وأضيف أن ثلاثة أرباع القارة الأسترالية هي مناطق صحراوية جافة غير صالحة للسكن أو الاستثمار. إضافة إلى ذلك، تشكل مساحة أستراليا الكبيرة عبئاً مالياً كبيراً على الحكومة الأسترالية، حيث تشكل عقبة أمام وصل المدن المنتشرة على سواحل المحيطين الهادي والهندي، فالمسافة بين مدينة سيدني شرقاً ومدينة بيرث غرباً هي 4110 كم من الطرق المعبدة وبين مدينة داروين شمال أستراليا وآدلايد جنوبها تبلغ 3042 كم من الطرق المعبدة أيضاً. ولدى أستراليا 448 مطاراً تعمل على ربط المدن الأسترالية ببعضها البعض والجزيرة الأسترالية بدول العالم الأخرى. وقد خصصت الحكومة الأسترالية مبلغاً ضخماً وقدره 42 مليار دولار أمريكي لمد شبكة الإنترنت السريعة ووصل كافة المدن الأسترالية ببعضها البعض.

 

وبالعودة قليلاً إلى الوراء للاطلاع على تاريخ تلك الدولة الكبيرة بإنجازاتها نرى بأن البريطانيين هم من أوائل من اكتشف الساحل الشرقي لأستراليا عام 1770، وبدأت عملية استعمار واستيطان القارة الأسترالية عن طريق ترحيل المجرمين البريطانيين إليها ليقضوا أحكامهم فيها. إلا أن أولئك المجرمين قاموا ورغم سجلهم الإجرامي ببناء دولة حضارية من الطراز الأول. ورغم أنها كانت معقل المجرمين وسجنهم المفتوح، تحتل أستراليا الآن المركز التاسع على لائحة الديمقراطيات العالمية. وبالعودة أيضاً إلى منتصف القرن الماضي نجد بأن المرأة الأسترالية كانت محرومة من الكثير من حقوقها كالتعليم العالي وتبوئ مناصب عليا في العمل، ولكن وبعد جيل واحد فقط نرى بأن من يقود أستراليا اليوم هم النساء وبجدارة، فهي دولة تابعة لتاج الملكة إليزابيث الثانية وتمثلها الحاكمة العامة لأستراليا السيدة كوينتين برايس، وترأس حكومتها رئيسة الوزراء جوليا غيلارد. فلا مستحيل مع إرادة الإنسان، إن أُعطي القدر الكافي من الحرية.

 

وبالرجوع إلى وطننا العربي، نجده يعاني ما يعانيه من الفقر والتخلف وقمع حريات الرأي ونقص في الكرامة الإنسانية على الرغم من تاريخه العريق حضارياً وموارده الطبيعية الهائلة؛ فهو يحوي، على سبيل المثال، أكبر احتياطي للنفط في العالم، ولديه من التاريخ ما يجعله من أهم مناطق الاستقطاب السياحي، ومن الأماكن المقدسة ما يجعله قبلة لحجاج الأديان السماوية جميعها، ومن الموقع الجغرافي ما يمكنه من السيطرة على تجارة العالم الدولية، ومن القوة البشرية ما يؤهله لقيادة ركب الصناعة والإبداع. ولكن!!

لماذا يعاني العالم العربي من الوهن والضعف؟ أبسبب العدو الذي يهدد أمنه؟ هذه الحجة قديمة ولم تعد تنطلي على الناس، فمن المعروف أن من مبادئ السياسة أن تقوم كل دولة بإيجاد عدو لتوحيد شعبها ضده تحت لواء حكومتها. وهذا المنهج يبدو واضحاً في معظم سياسات الغرب، حيث أوجدت الولايات المتحدة الأمريكية "الإرهاب الإسلامي" لتوحيد جبهة داخلية وخارجية تحت إدارتها، وتقوم أستراليا أيضاً برسم صورة المارد الإسلامي "أندونيسيا" الذي سوف يعوث فساداً وإرهاباً في أراضيها، ويقوم خبراء أستراليون أيضاً بين الحين والآخر بتقديم دراسات عن خطر التنين الصيني على أستراليا، وأن الصين ستقوم باحتلال القارة الأسترالية كحل أمثل لمشكلة ازدياد تعداد سكانها. ولكن رغم وجود أعداء لتلك الدول لا تزال شعوبها تنعم بالعيش الرغيد وبالعزة والكرامة داخل بلادها.

 

إذاً، فإن لم يكن العدو سبب تخلف العرب فهل تكون حكوماتهم وطريقة إدارتها له السبب الرئيس في قتل إبداع عقله وقمع حريته وانتشار الفساد فيه؟ كم لدينا من قصص نجاح أسطورية خطها مقربون من عروش المُلك ومنابر الحكم؟ وكم من سياسيين وقياديين ومسؤولين توارثوا مناصبهم عن آبائهم ويورثونها لأبنائهم؟ كم من مؤسسة حكومية بمواردها البشرية والمادية أصبحت رهناً لعائلة مالكة أو حاكمة أو مقربة منهم؟ كم من مبدع قضى حياته يحلم بتحقيق فكرته التي لم تر النور إلا حين تغرب؟ لماذا نشكو من هجرة العقول في الوقت الذي نئد فيه كل فكر مبدع في التراب العربي؟ أليس تصارع الحكام العرب بالتودد للغرب على حساب بعضهم البعض سبب تفرق دولهم وشعوبهم؟ لماذا استطاع مجرمو أستراليا عام 1901 توحيد مستعمراتهم في حكومة فدرالية استطاعت استغلال مواردها للوصول إلى مركزها المتقدم دولياً؟ كيف استطاعت رئيسة الوزراء الأسترالية التي لا تؤمن بأية ديانة وتعيش مع عشيقها في بيت واحد دون زواج قيادة شعبها للرخاء؟ كيف استطاع البرلمان الأسترالي الذي تشغل بعض مقاعده شخصيات شاذة جنسياً من الحصول على ثقة الشعب؟ لماذا نتغنى بالأخلاق وبأن أرضنا مهد للديانات السماوية ونتناسى أن خالق الإنسان كرّمه ونفخ فيه من روحه؟

 

فعلى الرغم من غنى الرقعة العربية، لابد من وجود عوامل عديدة ميزت العالم الغربي عن وطننا العربي وأوصلته إلى ما وصل إليه من تطور وتفوق. وأعتقد أن من أهم تلك العوامل هي العدالة الاجتماعية وحرية التفكير والتعبير. فهل من وسيلة ترشد أولي الأمر لتحقيق الرخاء الاجتماعي لشعوبهم؟ أم على الشعوب انتظار مجرمي الغرب لتحقيق نموذج الرخاء الأسترالي على أرض المحيط إلى الخليج؟

 

2011-10-01
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد