news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الفصل الأخير للأزمة السورية ... بقلم: مهند قصار

هل وصلت الأزمة السورية إلى ذروتها؟ لقد تعملنا في الأدب أن لكل رواية أو قصة أو مسرحية لا بد من ذروة تصل إليها أزمة القصة ومن ثم تبدأ بالانحسار والعقد بالانفكاك، وغالباً ما تكون القصص كلاسيكية حيث ينتصر الخير على الشر.


ولكن في المشهد السوري الحبكة أعقد من مسرحيات ويليام شيكسبير أو روايات تشارلز ديكنز، فالأطراف متشعبة ومبهمة أحياناً؛ فهل هي قصة الحكومة والمعارضة؟ أم قصة الإصلاحيين وغير الإصلاحيين في الحكومة؟ أم قصة دعاة حوار أو رافضوه من المعارضة؟ قصة مندسين وشبيحة؟ هل هي قصة مثقفين يطالبون بالحرية والإصلاح أم مخربون يسعون إلى الخراب؟ هل هي ثورة داخلية أم ثورة مأجورة؟ مؤامرة أم مطالب شرعية؟ في ظل كل تلك الأطراف ما دور الغمامة السوداء المحيطة بالمشهد والتي تلعب دورها الدول الغربية؟ لمصلحة من تتحرك دول الغرب؟ لمصلحة الشعب؟ لمصلحة المعارضة؟ لمصالحها فقط؟ منذ متى كانت الأمم المتحدة الأم الرؤوم التي تخاف على شعوب العالم الثالث؟ لماذا لم تبكِ على سجناء غزة؟ كيف ينظرون لمهجري فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان وجياع الصومال ومعتقلي غوانتانامو وأبو غريب وحقوق السكان الأصليين في أمريكا وأستراليا؟ لماذا حكمت دول الناتو بالإعدام على القذافي الآن مع أنه كان في الحكم ما يقارب الأربعة عقود؟ لماذا كان القذافي ممول لحملة انتخاب ساركوزي؟ لماذا أعمى الغرب بصره عن مظاهرات البحرين واليمن؟ لماذا سورية؟ حباً بالشعب السوري؟!  

 

ربما.. ولكن هل تقوم الأم بتجويع طفلها حين تود التعبير عن حبها له؟ هل الحصار الاقتصادي والعقوبات على الشركات السورية وقطاعات الغاز والنفط والصيرفة والاتصالات تضر رامي مخلوف فقط؟ كم مئة ألف مواطن سوري يعملون في تلك القطاعات؟ كم مليون مستفيد من تلك الخدمات؟ هل إغلاق تلك المنشآت وتوجيه لكمات موجعة للاقتصاد السوري تخدم المعارضة؟ لماذا لم يجتمع مجلس الأمن ليصدر قراراً بحق الحكومة أو المعارضة في اليمن رغم لجوئهما إلى السلاح؟

 

لقد تحدث الكثير ومن بينهم أعضاء في مجلس الشعب أن الأزمة هي بأغلب دواعيها داخلية تستغلها جهات أجنبية لتحويل مجرياتها لتصب في سيل مصالحها الجارف. وتحدث الرئيس السوري في خطابه الأول بعد بداية الأحداث في سورية أمام مجلس الشعب عن بعض الممارسات الخاطئة في الحكومة وتقصير بعض الجهات بترجمة توجهات الإصلاح إلى أفعال أو حتى إلى قرارات. والإقرار بالخطأ هو نصف الطريق إلى إصلاحه، فهل تم التعامل مع النصف الآخر؟ عندما بدأت التظاهرات في سورية كانت مطالبة بالحرية والإصلاح، ولكن سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية كبيرة. هل تقصير الحكومة بتعبيد النصف الثاني من طريق الإصلاح هو ما أجج الاحتجاجات، أم الإعلام الخارجي الذي يقود مؤامرة واضحة كان اللاعب الرئيسي في إشعال الموقف؟

 

بعد خمسة أشهر على بداية مسرحية الأزمة تحولت الأرض السورية إلى رقعة شطرنج فيها لونان من الحجارة لا ثالث لهما، إما أبيض أو أسود يتنافسان على السيطرة على الرقعة ويقتل بعضهم بعضاً. أصبحت البيادق تقتل وتُقتل والقلاع تتحرك في أكثر من اتجاه والوزراء تطير من على كراسيها وكل طرف من أطراف الرقعة ينادي باسم ملكه ويشيد له. ولكن ما هي نهاية اللعبة؟ بعد انتصار طرف على آخر هل سيظهر اللاعبون الحقيقيون الذين يقومون بتحريك أحجار الشطرنج؟ هل من الممكن عودة رقعة الشطرنج إلى وضع السكون بعد تلطخها بلون دماء مئات القتلى الذين هم أيضاً حملوا ألقاباً مختلفة مثل (شهيد، مخرب، مندس، مدني، عسكري، إرهابي ..)؟

 

انحسرت أصوات المعتدلين في تلك الأزمة، فكل فريق عزم على طريق واحد لا رجعة فيه. الحكومة مصرة على تتبع من تسميهم بالمخربين إلى نهاية المشوار، في حين تقول المعارضة إن نصف الثورة يعتبر انتحاراً، وإنه لا بد من الوصول إلى نهاية المطاف. كلا الحلان لن يصلا بسورية إلا إلى مزيد من القتل والدم تحت مسميات عدة منها طائفية أو ثأرية أو ثورية أو ربما إصلاحية. والغرب هو المستفيد الوحيد من تلك الأزمة مهما كانت نتائجها.

 

تحدثت إلى الكثيرين من كلا الطرفين وكل طرف متشبث برأيه ويلقي باللوم على أخيه على الضفة الأخرى ويصر أن الحل الوحيد هو مآل هابيل وقابيل وأن البيت السوري لا يتسع إلا لأخ واحد فقط. ولكن لم ينجح أحد من طرف المعارضة بالإجابة عن سؤال كنت أطرحه دائماً في نهاية الحوار، "لو استقل الرئيس السوري طائرته وترك البلد للشعب ليتولى أمرها، من سيحكم البلد؟ وهل ستعامل المعارضة حين استلامها للبلد مع مناصري الرئيس الأسد بديمقراطية وتتقبلهم كمعارضين لها حتى لو لجؤوا إلى السلاح للحفاظ على مصالحهم كما يفعل المعارضون الآن؟" سؤال لم أجد له جواباً شافياً. وبعد أخذ ورد مع كلا الطرفين وجدت أن الحل يكمن في تسويةٍ سوريةٍ بحتة يقودها حكماء الطرفين لا مكان فيها للمجازفة أكثر من ذلك. لقد استُنزفت سورية شعباً واقتصاداً وسياسةً وعلاقاتٍ دولية وآن الأوان إلى جولة من الحكمة، فالديمقراطية المنشودة تعبر عنها أقلام الصحافة وتحركات الأحزاب المختلفة ولا تأتي بالتظاهر الذي يعتبر الحل الأخير لأي أزمة. لذا قمت برسم خارطة طريق تنهي حمام الدم وتسدل الستارة على مسرحية العنف، ولا بد فيها من بعض التنازلات والمكاسب لكل طرف على حساب الآخر ، حسب مبدأ باريتو الاقتصادي، حيث لا يوجد رابح دون خاسر من الطرف الآخر.

 

إن السيناريو المقترح لنهاية المشهد هو أنه لا بد من اجتماع عاجل يضم أصحاب القرار من كلا الطرفين في يوم محدد وليكن أول أيام عيد الفطر "السعيد" ليتم إقرار ما يلي:

-        اعتبار هذا اليوم يوماً وطنياً تسامحياً يَجُبُّ ما قبله، تعترف فيه الحكومة بأهمية وجود معارضة سلمية تسعى لمصلحة البلد وتعبر عن نفسها في ميادين الديمقراطية (الصحافة ومجلس الشعب). ويعلن فيه عن إنهاء احتكار السلطة، عملاً بمبدأ أن الاحتكار ممنوع في الشرع وفي القوانين الدولية.

 

-        التزام المعارضة بالعودة إلى منازلهم واللجوء إلى الصحافة وتشكيل الأحزاب للتعبير عن توجهاتهم لأن مصلحة الوطن تقتضي السلم وإعادة إنعاش الاقتصاد ليتسنى للشعب الحصول مجدداً على لقمة عيشه.

-        التزام القوى الأمنية بعدم ملاحقة من خرج في مظاهرة مهما كانت شعاراتها، وملاحقة ومحاكمة فقط من تورط بجرم قتل أو تخريب أو إثارة النعرات الطائفية من كلا الطرفين.

 

-        اعتبار كل من سقط قتيلاً على تراب الوطن الطاهر شهيداً بغض النظر عن انتمائه للنظام أو المعارضة، ومعاملة ذويه معاملة أسر الشهداء.

-        التأكيد على استقلال القضاء والسماح للصحفيين بمتابعة مجريات التحقيق في جرائم العنف الأخيرة.

-        الإفراج عن معتقلي الأزمة الذين لم يثبت تورطهم بجرم قتل أو تخريب، وخاصة معتقلي الرأي الذين لا يحرضون على استخدام السلاح وقتل الآخر.

-        التزام الحكومة وإسراعها بتطبيق الديمقراطية التي وعد بها الرئيس السوري مع بداية الأحداث، حيث قال إن سورية ستعطي دروساً في الإصلاح والديمقراطية.

-        التزام المعارضة بالمساهمة في مسيرة الإصلاح التي تهدف إلى رخاء الشعب السوري وأمن واستقرار البلد.

-        التزام المعارضة بإسكات كل من يحرض على الفوضى والقتل وخاصة أولئك الذين يقبعون في منازلهم الفارهة في أوروبا وأمريكا ويزجون بالشباب السوري إلى الشارع ليقتلوا ويُقتلوا.

 

-        التأكيد على مبدأ القضاء على الفساد ومحاسبة كل مرتشٍ وفاسد مهما علت أو انخفضت درجته الوظيفية، وتشجيع ثقافة الإبلاغ عن كل من يطلب رشوة أو يعرضها.

-        الطلب من الشعب وقف نشر الصور والمقاطع المصورة التي يتداولها غالباً الشبان لتأجيج مشاعر الحقد ضد الآخر.

-        التأكيد على مسح الألوان التي تصبغ بها الشعب، والتحلي بمحبة وتقبل الآخر فالاختلاف يُغني والخلاف يَفني.

لكي تبقى سورية مهد الحضارات ومنبع الثقافات، بلد الإخاء الديني وحاضنة أول أبجدية وأقدم عاصمة مأهولة علينا جميعاً العمل على كتابة سيناريو الخاتمة السعيدة. فلنتحلى بالتسامح والمحبة وندع العقلاء يقودوننا إلى الخير مع إبقاء أقلام الصحافة موجهة تجاه كل مخطئ، فكما يقول العرب "صديقك من صدقك وليس من صدّقك".

2011-08-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد