عام مضى.. تساقطت أوراق الدموع، وأغصان أشجار تدلَّت منها عناقيد الفرح وعناقيد الفقد..
لقد فقدنا عديداً من الرفاق المناضلين من قيادة الحزب ومن الكوادر.. فقدنا الكثير من الأصدقاء الكتاب والأدباء والأحباء.. وكانت الدقيقة الأخيرة الحد الفاصل بين عامين.. عام جديد يتَّكئ على كتف عام مضى، ولم ينته بعد فهو لا يزال يحمل الكثير من البهجة والحزن وبعض الآلام، انتقل بعضها إلى سجلٍّ جديد. وظل مدوَّناً في دفتر الذاكرة..رقم أضيف إلى فاتورة ما زال فيها متَّسع لأرقام وأسماء وأمكنة أخرى..!
أسئلة كثيرة سجّلت دوراً لها في ورقة الامتحان بعد اجتياز أصعب الامتحانات، للإجابة عنها في الفصل الأول من عام ،2011 وأحلام من السهل دقّ المسامير في جسدها الطري، بعد أن اجتازت العتبة الأولى. ومن الصعب صدّها واقتحام غرفة نومها، بعد أن رضعت من حليب الحياة وقسا عودها، ونمت وأصبحت قادرة على الحركة والمقاومة..أحلام تحمَّلت كلّ هذا الوخز لا أحد مهما كان موقعه يحني أغصانها، وإن فعلت عاصفة الذكورة، فسرعان ما تنمو البراعم من جديد. والأحلام لم تكُ في يوم من الأيام جبانة، مهما كانت المساحة التي تتحرك فيها ضيقة، ومسوَّرة بالأسلاك الشائكة، والحراسات المشددة، أو بالإمكان تهريبها وبيعها في السوق السوداء!
كثيرون يتعاطفون مع الماضي، يهتفون ويهزجون ويطبّلون ويطلقون الزمامير، والألعاب النارية، ويوزعون الشامبانيا، ويتابعون الفلكيين والمنجمين ورواد الفأل والتبصير بالودع وفناجين القهوة، الذين يؤكدون صحة ما يقولون.. والناس يتابعون الفضائيات بأمل أن يكون العام القادم عاماً يكرّس أيامه للفرح.. وكثيرون يمارسون رياضة القهر مُجْبَرين، تحت سياط القبول بالأمر الواقع والقناعة بكسل الرغبة، والاتكاء على جدار من ورق.. وآخرون يحاولون نسيان ما جرى لهم من متاعب واستغلال وإذلال، فيجمّلون ما فاتهم في عام مضى وانتهى.. وقلائل يحتفظون بذكرياتهم ويكررون قراءتها مراراً، ويتباهون بها أمام أبنائهم وأصدقائهم، لتجميل ما نَفَقَ من حياتهم!
وعلى مشارف السنة الجديدة، يجلس (العالم) على شاطئ الأمل والانتظار. يوزع أفكاره وبصره فوق البحار، ويحدّق في السماء يتفقّد الكواكب. ويجمع ما بقي متناثراً في جعبته من أمل البقاء، وتحقيق بقعة ضوء لتحسين الرؤية، أو طرق باب جديد، وفتح نافذة أمل ربما تكون زوَّادة للعام الجديد. وإذا رصدنا أقوال الفلكيين، وما أكثرهم، خاصة تركيزهم على السياسيين والفنانين والباحثين والعلماء، وما تنشره الصحف المتخصصة بالرجال والنساء، نخلص إلى (نتائج باهرة).. وكل واحد أصبح يعرف مصيره أو أن مصيره وحياته يتحكَّم بهما رجل يتأمل ويفكر ويؤول ويقدم النتائج معتمداً على الحاسة السادسة، والإلهام من ربّ العباد الذي خصّه برحمته، وفضَّله على غيره، إضافة إلى أنه الرجل المعاصر القادر على التنبّؤ!
ولم يتغير شيء في العام الجديد، فالمازوت على حاله، والمواطنون ينتظرون الفرج من غيمة تُمطر مازوتاً سريع الاحتراق. ويتوهم الموظفون والمتقاعدون وعمال القطاع الخاص بزيادة الأجور والرواتب، وكذلك أصحاب العقود بتثبيتهم ، وعمال (الفاتورة) الذين يتقاضون (6000 ليرة سورية فقط لا غير!). وكذلك طلاب الماجستير الذين طردوا من المدينة الجامعية، ومعظمهم من الشابات الطموحات، أوضاعهم المادية سيّئة جداً! ماذا يحمل العام 2011؟ فالمرأة تحتفظ بأنوثتها، والرجل يحتفظ بذكوريته.. والفتاة والشاب كل واحد يمدّ خيوط أفكاره وأحلامه وآماله ويصنع منها شبكة ملونة، يتصوّر أنَّها تضفي (عليه وعليها) السعادة الوارفة الظلال، فيتدفؤون بالتمنيات التي يمكن أن تزهر وتبرعم أو تتلطخ بالبقع السود!
الدقيقة الأخيرة من عام مضى، تحاول بكل السُّبل أن تشد الدقيقة الأولى من عام جديد،وتمنعها من التقدّم، وإيقاف عقارب الساعة كي لا تجتاز أو تطرق باب يوم آخر جديد.
لماذا تُطفأ الأنوار عندما تتعانق عقارب الساعة في الثانية عشرة ليلاً؟ هل ما يقوم به مليارات البشر في القارات الخمس يهدف إلى التجديد، وأن البشرية تتمنى أن تتخلّص من عتمة العام المنصرم، ومن تجارب مريرة وحروب وقتل وتدمير للبشرية والطبيعة؟!
إنها دقيقة الوداع ظنّاً أن القادم هو الأفضل! وإنْ حضر الجاحظ وأتباعه وأنصاره، فحتماً سيسمحون لنا أن نفتح ثقباً ليدخل الضوء منه ويضيء الطريق!
باسم عبدو