news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
يا ابن آدم أنت أيام معدودة ....بقلم : عاشقة الليل

منذ أن كنت صغيرة وأنا أسمع مقولة "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" لكن وبصراحة لم أكن أفهم كثيراً معنى هذه العبارة، أو بالأحرى لم أعطها الكثير من اهتمامي لمحاولة فهمها والتمثل بها..


 فقد كنت تلميذة في المدرسة الابتدائية وغالباً وقتي مستهلك إما بالمدرسة وكتابة الواجبات أو ببرامج الأطفال واللعب، إلا أن ذلك الوضع لم يبقى على ما هو عليه فقد أصبحت بالمرحلة الإعدادية والتي فرضت علي استهلاك وقت أكثر من ذي قبل لأداء ما علي من واجبات وكذا في المرحلة الثانوية والتي أصبح فيها معظم وقتي مستهلك للدراسة والتحضير لمرحلة جديدة في المسيرة التعليمية والحياتية، وبعد دخولي الجامعة بدأت أشعر بأهمية ما أملك من وقت وبمسؤولية حسن استغلاله الاستغلال الأمثل ما بين الجامعة وواجباتها والمنزل والتزاماته والحياة العملية عموماً وتوابعها من نشاطات مختلفة، ومرت السنين وأنا على هذا المنوال، أحاول ما استطعت إعطاء كل ذي حق حقه – على الرغم من صعوبة ذلك - فالوقت الأكبر كان مخصص للعمل بجد للوصول لما أصبو إليه وما بقي من وقت كان للترفيه والتسلية والتواصل مع الأهل والأصدقاء، وعلى الرغم من ذلك كان لدي بعضاً من وقت الفراغ وكنت أجد حيرة بكيفية قضاءه، فكيف الحال بمن أصبح معظم وقته فراغاً وصار يشتكي من ذلك محتاراً ماذا يفعل بتلك الأوقات!!!

 

وفي إحدى الأيام سمعت قولاً للحسن البصري رضي الله عنه يقول فيه: "يا ابن آدم أنت أيام معدودة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل"...... في تلك اللحظة بالذات بدأت أشعر بقيمة الوقت أكثر والخوف من التفريط به دون فائدة، وتذكرت مقولة "الوقت كالسيف" فشُغل بالي بأولئك الذين يعترفون صراحةً أنّ لديهم الفائض والكثير من الوقت وليس لديهم المعرفة الصائبة بكيفية استغلاله وملئه بما ينفع.

 

فتبادر إلى ذهني تساؤلات حول كيفية استغلال أوقات فراغنا والتي قد تكون كثيرة لدى البعض منا؟ فالوقت هو الحياة، ومعرفة قضاءه بشكل صحيح هو انعكاس لأهمية الحياة ومعرفة قيمتها وحسن قضاءها بما يفيدنا في الدارين ( الدنيا والآخرة ) فالدنيا دار ممر لا دار مقر...

 

فمنذ زمن بعيد كان الإنسان يقضي معظم وقته بالعمل لتأمين لقمة العيش ولم يكن لديه الكثير من الفراغ ليفكر كيف سيقضيه ويستغله، أما الأمر هذه الأيام فقد اختلف كثيراً، فالثورة الصناعية والتكنولوجية وما حملته بين طياتها من تطورات هائلة سواء بالمواصلات أو الآلات والأدوات المنزلية وغيرها كانت خير عون للإنسان فقد سهّلت عليه العمل وسمحت له بالقيام بعمله بأقل جهد ووقت ممكنين وأصبحت المشكلة تكمن بكثرة وقت الفراغ والذي بات شبحاً مرعباً بشكل خاص أمام جيل الشباب، فكثيراً ما نسمع عن خطر الفراغ بالنسبة لتلك الفئة العمرية والتي تتميز بقوة الغريزة والاندفاع نحو تحقيق الرغبات بأي شكل كان، فقد يُشغل قلب الشاب ويتعلق بالشهوات وأحلام اليقظة ويفتح لنفسه باب الهوى إن لم يتجاوز ذلك إلى ما هو أسوأ وتكون عاقبة ذلك الخسران في الدنيا والآخرة، فقد ثبت بالتجربة أن الكسل والبطالة والفراغ عوامل داعية للانحراف والفساد.

 

روى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ). صدق رسول الله

فالفراغ حسب الحديث النبوي نعمة ولكن النعمة قد تنقلب لتصبح نقمة، فالفراغ لا يبقى فراغاً فلا بد أن يُملئ بعمل ما، سواء أكان العمل شراً أم خيراً، فمن لم يغتنم وقت فراغه بالخير والحق لا بد أن يغتنمه بالشر والباطل والإثم فكما قيل: من لم يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل.

 

فالناس بمختلف مراحلهم العمرية يبحثون عن وسيلة للقضاء على الفراغ والبعض قد ينجح بذلك وبمهارة ولكن البعض الآخر قد يقع فريسة وضحية لوقت الفراغ، فكما سبق وذكرت ليست العقبة في وقت الفراغ وإنما في الوسائل والطرق المتبعة لقضائه والتي قد تكون سلبية في معظم الأحيان، إن لم يكن لدى الشخص من يرشده ويدله على طريق الخير بالإضافة للرادع الداخلي والمبادئ التي ربي عليها منذ نعومة أظفاره.

 

فمن خصائص الوقت سرعة انقضاءه، فاللحظة التي تذهب لا يمكن أن تعود بعد ذلك، فلنغتنم أوقاتنا بما هو نافع ولنُحسن استخدام ما حبانا الله من نعم فالوقت من أغلى ما يملكه الإنسان وهو مورد محدود ولا يمكن تعويضه بأي حال من الأحوال، فلنحاول قدر المستطاع تنظيم أوقاتنا وأن نبتعد عن العشوائية في ما نقوم به من أعمال، ولنتحرى الوقت المناسب حسب نوعية العمل الذي نريد القيام به، فالتخطيط يوفر علينا الكثير من وقت التنفيذ، فعلينا أن نجهز الأرض قبل زراعتها ونجهز أدواتنا قبل الشروع في عمل ما.

 

وفي الختام أود القول أن قضاء وملئ وقت الفراغ يبدأ من الداخل وليس من الخارج، بمعنى أن كل إنسان يبحث داخل نفسه ويكتشف ما قد تميل إليه نفسه لينميه ويطوره، طبعاً دون أن يقصر بما لديه من أعمال و أدوار أخرى، فهناك دور مطلوب تجاه الله عز وجل، وهناك دور تجاه الأهل، وهناك دور تجاه المجتمع، وبذلك علينا أن نفكر في هذه الأدوار ونسعى لتحقيقها بالتدريج وبحكمة، وهذا سيعطي لإنسانيتنا قيمة ومعنى في الحياة.

2011-11-11
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد