news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
صحوة اقتصادية سورية .. بقلم : ثامر قرقوط

ما أشدَّ (فرحتنا) بعودة الاعتماد على الذات ودعم الصناعة والزراعة!


عاد الاعتماد على الذات، والاكتفاء الذاتي، وحماية الصناعة الوطنية، ودعم الزراعة، إنها عبارات ليست من الذاكرة أو التاريخ، بل سياسات طال انتظار إقرارها، وتوجهات كانت حلماً لنا منذ سنوات عشر مضت وأزيد، ويمكن وصف ذلك حسب المأثور الشعبي (يا فرحتنا) بهذه السياسات.

 

 وبلا شك فإن ما تعيشه البلاد من أزمة، وحجم الضغوط التي تمارس عليها، والعقوبات التي فرضت بحقها  دفعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات واتباع سياسات كهذه. ما يعني أنها لم تك سياسات مرغوبة لدى الحكومة، ولم تخرج من واقع احتياجات الاقتصاد الوطني، إنما جاءت ردّ فعل على ما يجري، ومحاولة للمواجهة. بينما كانت هذه الإجراءات مطالب لنا، ودعوات تستند إلى واقع الاقتصاد الوطني، وسبيل لابد منه في المرحلة السابقة لتحصين هذا الاقتصاد الذي كان يتجه بسرعة نحو هاوية سحيقة بفعل الإجراءات السابقة والاتفاقيات الثنائية المبرمة.

 

ولم تك هذه السياسات غريبة عن سورية، كما أنها ليست اختراعاً محلياً، واستخدمتها دول عدة لبناء اقتصادياتها، كماليزيا، التي اتبعت سياسة الإحلال محل الواردات، وتمكنت من جعل اقتصادها نمراً آسيوياً بامتياز، واقتصاداً متطوراً، تغزو سلعه العالم، ويستند كلياً إلى التقانة الحديثة. وبالمقابل كانت سياسة الاعتماد على الذات في سورية خلال الثمانينيات، المعنى الآخر لسياسة الإحلال محل الواردات. وقد حاضر الزعيم مهاتير محمد في هذا المجال، ناصحاً السوريين بجدوى الاستمرار بهذه السياسات، وذلك قبل سنوات قليلة مضت في جامعة دمشق.  واستطاعت سورية خلال عقد الثمانينيات مواجهة فترة عصيبة اقتصادياً، نتيجة اتباع هذه الإجراءات، إذ ارتفع المخزون الاستراتيجي للقمح إلى كفاية ما يقدر آنذاك بخمس سنوات، بعد أن كان السوريون ينتظرون الباخرة المحملة قمحاً ليأكلوا.

 

 ومن جانب ثان، ارتفع احتياطي القطع الأجنبي من 75 ألف دولار في تلك الفترة إلى 18 مليار دولار، لينخفض إلى 16 ملياراً خلال الفترة الحالية. إضافة إلى الكثير من القضايا الاقتصادية التي دفعت باتجاه تطوير الاقتصاد الوطني، وتعظيم قدراته، والسعي نحو زيادة تنافسيته. وإن كان تقييم تلك المرحلة آت من خلال هذه المعطيات وغيرها كثير في الجانب الاقتصادي، فإن النتائج الجيدة التي تحققت، كانت كفيلة بتطوير تلك التجربة، واستمرار الاعتماد على تلك السياسات، انتظاراً وتحسباً لأي طارئ محتمل، وهي كثيرة على أية حال، لا رميها خلف الظهر، والنظر إليها على أنها (دقة قديمة)، والتنكر لإيجابياتها، ومحاولة خلعها كما يخلع الرجل الحذاء المهترىء.

 

فجاء التخلي عن هذه السياسات غير بريء، بل ثمة أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال: لماذا تخلت الحكومات السورية المتعاقبة عن هذه السياسات؟ وما السياسات البديلة التي اتبعتها؟ ولماذا لم تستبدل السياسات الليبرالية والنيو ليبرالية في الوقت المناسب؟ ولماذا تركت هذه السياسات غير المرغوب فيها بالتغلغل في الاقتصاد الوطني؟ ألم تر تلك الحكومات حالة الانحدار الشديد في قطاعات الإنتاج الحقيقية؟ ألم تر أن الفقراء يزدادون والمستوى المعيشي يتراجع؟ ألم تلاحظ أن التوجه العارم نحو الانفتاح الخارجي على حساب تحسين وتطوير الاقتصاد داخلياً، لا سيما في الصناعة، سيؤدي إلى كوارث؟ ألم تر تلك الحكومات أن الاقتصاد الوطني يكاد يختنق بفعل الاستيراد غير المنظم وتشريع الأبواب في وقت مبكر؟ أسئلة كثيرة، لا يمكن النظر إلى إجاباتها ببراءة، رغم إصرارنا على رفض نظرية المؤامرة، وعدم قناعتنا بها؟

 

 ونتساءل لماذا تخلت الحكومة السابقة ووزير اقتصادها، الذي أصبح رئيساً لهيئة التخطيط والتعاون الدولي، عن احتياطي القمح بحجة أن الفئران تأكله؟ في وقت كان العالم يتجه فيه نحو أزمة غذاء طاحنة؟ وكيف تجرأت حكومة عطري على رفع أسعار المحروقات دون أن تنظر إلى تضرر قطاعين رئيسيين كالزراعة والصناعة نتيجة لذلك؟ وكأن الأمر لم يكن يعنيها، أو أنها كانت مصرة على اتخاذ إجراءات ينطبق عليها عقلية المحاسب، وأكثر من هذا إجراءات توصف بالعقابية بحق الاقتصاد السوري.

 

قد نكون بحاجة إلى وقفة تقويم، لسياسات كانت الحكومة السابقة والجهات الوصائية شركاء في اتخاذها وتطبيقها، وإجراءات تجاهلت، عن سبق إصرار وتعمد، الجانب الاجتماعي في الاقتصاد، في خطوة غير مسبوقة ليس على المستوى المحلي إنما على المستوى العالمي. إنه واقع أسود، لم يك مرضياً لأحد، لتفاجأ الحكومة السابقة بشكل طارئ أنها أخطأت الطريق، وفقدت البوصلة.  فهل ما يجري الآن في عود إلى السياسات المذكورة من اعتماد على الذات وغيرها، هو صحوة اقتصادية، متأخرة؟ وهل كنا بحاجة إلى كل هذه المخاضات المؤلمة، والخسائر الفادحة لنعيد تجربة اقتصادية أثمرت في الثمانينيات، وأهدرنا إيجابياتها منذ عقدين؟ للأسف قدر اقتصادنا أن يكون عرضة للتجارب، وقدرنا أن نخضع لأولئك الذين يريدون أخذنا إلى حيث لا نريد، تحت ذريعة تطوير اقتصادنا وفق معايير دولية، فصدقنا الكذبة وصدقنا الأرقام الجافة التي لم تعبر عن الواقع، وصدقنا أننا نعيش مرحلة تنموية شاملة، بينما كنا نسير نحو حتفنا الاقتصادي بسرعة هائلة.

2011-12-17
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد