يميل الأهل والمدرسون إلى إجبار الطفل الأعسر على استخدام يده اليمنى في أغلب الأحيان، لاعتقادهم أن هذا التصرف خاطئ وعبارة عن عادة سيئة، وهذا يؤثر بدوره على الحالة النفسية للطفل، ويوقعه في الحيرة والتوتر، فهو يرغب في إرضاء المحيط لكنه لا يستطيع!!
حول هذا الموضوع، وأسبابه، وعن طريقة التعامل مع الطفل الأعسر التقينا الدكتور "أحمد الدبسي" الأستاذ المساعد في كلية التربية -نائب عميد كلية التربية ـ جامعة الفرات-
حيث أوضح هذا الأمر قائلاً: "لا يعد استخدام اليد اليسرى بدل اليمنى عند بعض الأفراد من المجتمع عادة سيئة كما هو شائع عند الناس، إنما هي نتيجة مشكلة فيزيولوجية لا يكون المرء مسؤولاً عنها بشكل مباشر إذ تحدث بسبب تنامي فص الدماغ الأيمن على حساب الأيسر ما يؤدي لتنشيط الجهة اليسرى من الجسم على حساب الجهة اليمنى، فيظهر الفرد منذ الطفولة ميالاً لاستخدام يده وقدمه اليسرى بمهارة أعلى من اليمنى، ولكن الأهل يقومون بإجبار الطفل على استخدام اليد اليمنى لأسباب اجتماعية أو عقائدية، وهذا يسبب للطفل ألماً نفسياً نتيجة شعوره بالعجز أو عدم المهارة في ذلك، كما أن طريقة الإجبار بحد ذاتها قد تسبب الإهانة لشخصية الطفل".
دور العامل الوراثي.. والذكاء
وعن دور العامل الوراثي في هذا المجال يقول د. أحمد: "لا يوجد للعامل الوراثي أي دور في ذلك، فليس من الضروري أن يكون الأعسر ابناً لوالدين أعسرين أو لأحدهما، كما أنه لا يوجد دراسات وراثية أثبتت هذا الأمر أو ارتباطه بمستوى الذكاء سواء عالياً أم منخفضاً، رغم أن هناك استطلاعات اجتماعية تؤكد أن الكثير من المبدعين والعلماء عبر التاريخ كانوا ممن يعانون هذه المشكلة، ولكن هذا الأمر ليس ذا دلالة على تفرّد الأعسر بالذكاء المفرط، والحقيقة تكمن في أن الأعسر يستطيع أن يطوّع بعض المهارات الميكانيكية الضرورية بيده اليمنى كاستخدام الملعقة والكتابة
أما المهارات الإبداعية كالرسم واستخدام الآلات الموسيقية ولعب كرة القدم والسلة فهي تبقى مرهونة بالتركيب الفيزيولوجي حيث تكون اليد والقدم اليسرى أقوى من اليمنى، وتبقى القدرات الإبداعية تأخذ منحاها عبر الجزء الأيسر من الجسم، ومن هنا نلحظ أن الكثير من الأطفال والبالغين الذين كانوا يعتمدون على الجهة اليسرى في حركاتهم وهم أطفال، أنهم بعد فترة من الزمن ومع النمو أصبحت لديهم القدرة على استخدام اليدين كلتيهما بنفس المهارة اعتماداً على مبدأ التدريب المستمر، والحقيقة أثبتت أن الطرف الأيسر يتراجع في بعض المهارات حسب المبدأ الذي يقول: "إن العضو الذي لا يستخدم يضمر"، والمقصود هنا ضمور المهارة إذ يجد الطفل نفسه بمرحلة ما قادراً على الكتابة بخط جيد باليد اليمنى واليسرى وبنفس الدرجة من الإبداع، ومع استمرار الاعتماد الذاتي على اليد اليمنى يبدأ بالشعور بصعوبة الكتابة بيده اليسرى وتبدأ عملية التراجع التدريجي لمثل هذه المهارات، لكن تبقى القوة فيها أكثر من اليمنى، كما نلحظ ذلك عند بعض الملاكمين أو بعض مشاهير لاعبي كرة القدم في العالم، أو الرسامين والنحاتين المبدعين".
الطريقة الصحيحة للتعامل مع الطفل الأعسر..
أما الطريقة المثلى والصحيحة للتعامل مع الطفل الأعسر فهي حسب ما قال د. أحمد: "لابد من التأكيد على أن الطفل الأعسر ليس حالة مرضية أو حالة شاذة اجتماعياً، إنما حالة طبيعية بكل معنى الكلمة، لكنها خارجة عن المألوف أو المتعارف عليه، لذلك لابد من التعامل معها بدون ريبة أو شك أو اتهام، ولابد من مراعاة الطفل لكي يتمكن من تعلم مهاراته الحياتية وأنشطته الحركية بالطريقة التي يجدها أقرب إليه، دون قسر أو إجبار أو حتى تدّخل "كربط اليد اليسرى خلف ظهره لإجباره على استخدام اليمنى"، أو معاقبته جسدياً أو معنوياً لمجرد أنه يستخدم يده اليسرى، والمربي الواعي يدرك أن ليس في الأمر ضرر أو خلل، وعليه مسايرة طفله لكي يتمكن من الحركة واللعب والعمل وأداء الواجبات بشكل صحيح، وبعد أن يتمكن من امتلاك كل هذه الأسس الحركية يمكننا أن نطلب منه المحاولة والتدرب الطوعي على استخدام اليد اليمنى فيحاول ذلك بشكل ذاتي ودون أي ضغوط خارجية، ويشعر أيضاً أنه قد تميز على الآخرين بمهارات عملية في اليدين كلتيهما، ويتحوّل الأمر إلى مفخرة وليس عبئاً، وإن لم يتمكن من التدريب المستمر وفشل في استخدام الجهة اليمنى بمهارة، علينا أن نتركه معتمداً على الجهة اليسرى، وليس في ذلك أي غضاضة".
بالنهاية نقول إننا نحيا في مجتمع يتداخل فيه النسيج الاجتماعي بلا تمييز، وهذه يجب أن تكون ميزة وليست مشكلة.