يميل الأهل بشكل عام أو بنسبة كبيرة منهم إلى معاملة الطفل الوحيد معاملة خاصة، "دلال مفرط" في محاولة شعورية أو لا شعورية للتعبير عن حبهم الكبير له
وهنا قد تظهر مشكلة لا ينتبه إليها الكثير من الأهل أو أنهم ينتبهون لكنهم لا يستطيعون السيطرة على مشاعر الحب التي تغمر قلوبهم على حساب التربية السليمة والصحيحة، وهذه المشكلة تتعلق بالسلبيات التي تنشأ عليها شخصية الطفل الوحيد عندما نتعامل معه بطريقة تربوية خاطئة.
للوقوف على سلبيات هذا النوع من التربية تحدث إلينا د. طاهر شريد " اختصاصي في التربية الخاصة بالأطفال المعوقين- محاضر في جامعة دمشق" قائلاً:
"بشكل عام تكون معاملة هذه الأسر لطفلها هي الدلال، والخوف الزائد، والحماية المفرطة، وهذا قد يولد عادةً بعض المشكلات النفسية أو السلوكية لدى الطفل منها: أنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في معظم الأمور، بحيث ينشأ على أن يكون إنساناً اعتمادياً واتكالياً وغير مستقل بذاته "حتى بعد أن يكبر"، بالإضافة لوجود ما يسمى قلق الانفصال عن أمه أو التعلق الزائد، لذلك نجده لا يرغب بالذهاب للروضة أو المدرسة، أو يحدث بأن يكون لديه حب السيطرة والعنف في تصرفاته لإحساسه بالتميّز عن غيره، لذلك نجده أنانياً في تعامله مع الآخرين و يُفضّل الوحدة، ويجد صعوبةً في الدخول بعلاقات اجتماعية سليمة، وربما يُعاني من اضطراب الرُهاب الاجتماعي".
دور المستوى التعليمي والثقافي للأهل:
وعن دور المستوى التعليمي والثقافي للأهل في قدرتهم على التمييز بين الدلال والخوف المفرط على الطفل والتربية الصحيحة القائمة على الحزم واللين معاً يقول د. طاهر:
"تشير معظم الدراسات أن المستوى التعليمي للوالدين له دور كبير في أساليب التربية مع الطفل، إذ تبين وجود علاقة قوية بين أساليب التنشئة الوالدية ومستواهم التعليمي العالي، مقارنة مع الوالدين غير الدارسين أو غير الحاصلين على درجات علمية، فالوالدين
المثقفين قد يستطيعان التعامل مع أطفالهما بأساليب التربية والتعليم بشكل أفضل، ولكن من خلال الخبرة العملية في التعامل مع الأسر نجد أن معظم الأهل المثقفين لديهم دلال أكثر لأطفالهم بشكل عام، ولطفلهم الوحيد بشكل خاص، حيث يقومون بالعناية المبالغ بها، وأحياناً الحماية المفرطة ما يعطي الطفل الدلال والتعلق الزائد المتبادل أي "تعلق الطفل بوالديه وتعلق الوالدين المخفي بطفلهما"، لذلك نجد معظم هؤلاء الأطفال يعانون بشكل أكثر من الأطفال الآخرين مما يسمى بـ "قلق الانفصال"، في حين أن الأسر الأخرى تساعد طفلها في الاندماج مع الآخرين والاختلاط، وبالتالي تساعده في اكتساب معظم جوانب الحياة العادية وغيرها".
وبسؤالنا للدكتور "طاهر" عن اختلاف مشكلات الطفل الوحيد باختلاف الجنس أجاب قائلاً: "لا يمكن الجزم بشكل قطعي بهذا الخصوص، ولكن بشكل عام الإناث أكثر تعلقاً وأكثر عاطفية، لذلك نجدهن يتعلن بالأهل أكثر من الذكور، كما أنهن قد يكن أقل اختلاطا مع الآخرين".
إيجابيات وجود طفل وحيد في العائلة..
عن إيجابيات وجود طفل وحيد في العائلة؟ وتأكيد أو نفي تمتعه بنسبة ذكاء أكبر من الأطفال الآخرين يقول د. طاهر:
"لا يوجد ما يثبت زيادة نسبة ذكاء الطفل الوحيد، ولكن المتوقع أن "أسلوب التربية الصحيحة" وتفرّغ الوالدين لتربية طفل وحيد في الأسرة قد يعززان قدراته التعليمية، كما أن نسبة الذكاء بشكل عام ترتبط بمعيار أساسي آخر وهو "الوراثة"، أي ما يملكه الطفل من ذكاء فطري بالدرجة الأولى، ثم ما نقدّمه له من تربية وتعليم، ولذلك حتى يتفوق الطفل الوحيد لا بدّ من وجود قدرات ذكاء طبيعية أو أعلى من الطبيعية لديه، بالإضافة إلى ما نقدمّه له، فالطفل الوحيد الذي نعده بأنه سيكون متفوقاً يجب أن يكون ذكياً ثم نوليه الاهتمام الزائد الذي سيطوّر قدراته، ويقال إنّ التجربة الصينية عام 1979 "بإجبار الأسر على إنجاب طفل وحيد" قد طورت الصين في هذا الجيل الجديد أكثر مما مضى، وقد أشارت بعض الدراسات لتفوق الطفل الوحيد
أنه أكثر ذكاءً ونجاحاً إضافة لكونه قيادياً، ولكن قيادته جاءت بسبب حبه للسيطرة والتحكم بالآخرين".
ما هي النصائح التي نقدمها للأهل لنساعدهم على تنشئة الطفل الوحيد ليكون شخصاً فعالاً وناجحاً في المستقبل، قادراً على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية ومصاعب الحياة؟
ننصح الأهل بالحزم، من خلال عدم تلبية كل متطلبات الطفل الوحيد بيسر وعشوائية، ويجب أن تدرك الأسرة أن طلبات الطفل المتزايدة قد تعني لفت الانتباه نتيجة شعوره بالوحدة، كما لا بدّ من تكوين صداقات خارج المنزل مثل الروضة لنساعده على تطوير شخصيته ونجعله طفلاً يملك ثقة كبيرة بنفسه، بالإضافة إلى أهمية وضع الطفل بسن مبكرة في الحضانة لتسهيل اندماجه بسرعة مع أقرانه، وترتيب لقاءات له مع أطفال العائلة أو الأصدقاء للعب معهم وإشراكه في النشاطات الاجتماعية والرياضية سواء أكان ذلك في المدرسة أو في الأندية الرياضية وغيرهما، والموازنة بين تربيته ما بين الحماية الزائدة أو التساهل المفرط وبين القسوة والحرمان، بالإضافة لإثراء بيئة الطفل بالمثيرات اللغوية والتعليمية المفيدة.