إشكالية العلاقة بين المرأة والرجل تحمل العديد من الاحتمالات والمفاجآت التي لا يكتشفها الشريكان إلا بعد التجربة الشخصية
فالحياة تضعنا في مواقف تجبرنا فيها أن نكون في موقع الدفاع عن النفس حتى لو لم نكن مخطئين أحياناً، لكنها بالمقابل تجبرنا على المراوغة عندما يكون للصدق ثمن باهظ!! وانطلاقاً من هذه الفكرة نجد الكثير من الفتيات يصارحن الشريك "الزوج" بالماضي بما فيه من قصص وحكايات في رغبة واضحة من الفتاة في بناء علاقة زوجية صادقة مليئة بالصراحة والوضوح - طبعاً بعد إلحاح "الشريك" على معرفة هذا الماضي قبل الزواج- لكننا نجد في أحيانٍ كثيرة أيضاً أن الفتاة تتعمّد إخفاء الماضي عن الشخص الذي يريد الزواج بها تلافياً لغيرته أو أسئلته المحرجة، وما قد يحدث من مشاكل هي بغنى عنها.
كثيرون يقولون: "لا يهم أن يكون السر كبيراً أو صغيراً، وبالمقابل لا توجد كذبة صغيرة وأخرى كبيرة، الكذب له لون واحد وهو عادة سيئة حتماً"، لكن الصراحة أيضاً سلاح ذو حدين، فهي من جهة تشعرنا بالراحة النفسية، ومن جهة أخرى تجرحنا إذا كانت في الوقت والموقف الخاطئين، والأكثر إيلاماً من ذلك أنها تؤدي لانفصال أو طلاق إذا كانت فوق استطاعة وتحمّل الرجل لها - طبعاً هذا يعود لطريقة تفكير الرجل ومدى استيعابه وتقبّله لما سيعرف أو سيسمع-
عن كل هذه المحاور والأفكار كان لنا التحقيق التالي..
إذا أردت أن تعرف حقيقة المرأة فأصغ إلى ما لا تقوله!!
السيد مروان مرشود -رئيس الدائرة القانونية في مديرية المنشآت الرياضية بمحافظة دمشق- لا يتقبل فكرة أن يكون للفتاة التي يريد الزواج بها أي علاقة سابقة مع رجل قبله، ويرفض هذا الموضوع رفضاً قاطعاً معلقاً بعبارة "مو مضطر البنات متل الكشك" حيث يقول: "إذا كان للفتاة التي أريد الزواج بها ماضٍ من المؤكد أني لن أتزوجها سواء كانت على علاقة مع هذا الرجل أم كانت خطيبته وانفصلت عنه تحت أي ظروف، ربما تكون إنسانة خلوقة أو أفضل مني، لكني لا أرتبط بها لأننا في مجتمع شرقي لنا عادات وتقاليد لا نستطيع تجاوزها، وأنا أسألها طبعاً عن ماضيها وأسمع ما ستقول لكني أستطيع أن أكتشف إذا كانت صادقة في كلامها -إذا قالت ليس لها ماضٍ- أم كاذبة، من خلال كلامها ونظرات عينيها وتصرفاتها، ولا أصدقها حتى أتأكد بنفسي، الشاب الذي لا يستطيع أن يكتشف صدق المرأة من كذبها يكون قليل الخبرة بالنساء". ويضيف: "يكون للفتاة عدة علاقات في حياتها، وعندما تريد أن تتزوج تتظاهر أنها "ملاك نازل من السما"، وإذا كانت مخطوبة لرجل قبله تضع كل الصفات السيئة بخطيبها السابق والصفات الإيجابية فيها".
لكن ماذا لو حدث العكس وسألته خطيبته عن علاقاته السابقة يقول: " لا يحق لها أن تسألني عن الماضي لأننا في مجتمع شرقي يبرر للرجل ولا يبرر للمرأة، هذا هو مجتمعنا منذ مئات السنين وسيبقى هكذا، الفتيات يتحدثن عن المساواة بين المرأة والرجل، وأن المرأة نصف المجتمع، لكني لا أقتنع بكل هذا الكلام المستهلك، لقد تزوجت منذ أسبوعين فقط، ووجدت الكثير من الصفات التي أبحث عنها بالمرأة التي تزوجتها بنسبة 90%، مع العلم أنني كنت أعرفها منذ 10 سنوات، كما أننا كنا نعمل في وظيفة واحدة لمدة خمس سنوات متواصلة، وهذه الفترة الزمنية الطويلة ساعدتني أن أعرف كل شيء عنها، وعن سلوكها وحياتها، وبعد أن تأكدت أنها المرأة المناسبة خطبتها لمدة سنتين وتزوجنا، ولا أنكر أنها سألتني عن الماضي وأنا أجبتها بصراحة -رغم أني لست مضطراً لذلك- وللعلم فإن حياتي السابقة كانت عادية كحياة أي شاب ولا يوجد فيها شيء غير مقبول أو يزعج زوجتي، وهي تقبلت هذا الشيء، هل من المعقول أن تحاسبني عن الماضي! الرجل لا يُحاسب أما الفتاة فيجب أن تحاسب، وبرأيي من تبحث عن السترة والزواج لا تنبش بماضي زوجها، والأجدر بها أن تنساه، وعليها أن تحاسبه على سلوكه منذ معرفتها به فقط ".
كتاب مفتوح.. لكن الرياح تسير بما لا تشتهي السفن!!
عبارة "كتاب مفتوح" هي عبارة قديمة تناقلتها ألسنة الآباء، وربما الأجداد، لكنها لا تناسب كل المواقف التي نعيشها في حياتنا، فالصراحة المطلقة ليست صفة إيجابية دائماً، وأكبر دليل على هذا الكلام قصة "دانا" التي تحدثت عن كل علاقاتها السابقة لخطيبها، ولم تنسىَ أياً من التفاصيل، لأنها أرادت أن تكون أمامه "كتاباً مفتوحاً" ولا تكذب عليه أو تخدعه، وخطيبها قام هو الآخر باستدراجها إلى مزيد من الاعترافات التي بدأت تتشابك في مخيلته لتبني فوق الاعترافات مزيداً من الخيال والأوهام، لم تسعفها صراحتها ولم تنتشلها من هذه المصيبة ثقافته الواسعة وتخرّجه من أهم الجامعات في "بريطانيا" وادعاؤه الدائم بالانفتاح والتحرر، فقد أفشى كل ما قالته له لعائلتها ثم صفع الباب خارجاً، وقد انتابته حالة من الهستيريا أما "دانا" فقد بقيت فترة طويلة من الزمن وهي في حالة نفسية يرثى لها فهي لا تعرف بماذا أخطأت، والماضي لم يكن سوى علاقات سطحية لم تتكلل بالزواج لأسباب عديدة، لم تكن تريد سوى أن تكون صريحة مع خطيبها الذي توسل إليها أن تكون صادقة بحديثها عن الماضي، وأقسم لها أن الماضي لا يعنيه طالما أنها تحبه الآن ومخلصة له لكنه يريد أن يعرف لمجرد الفضول، لقد صدقت "دانا" بوعدها لحبيبها وأخبرته عن كل شيء، لكنه خرج ولم يعد!!
شبح الماضي يرفض الرحيل.. ويجعل من السعادة حلماً مستحيلاً!!
الماضي لا يموت ولا ينتهي إنه جزء من شخصية الإنسان، وهذه حقيقة لا نستطيع إنكارها، لكن قلب الصفحة هو ما يحدث أحياناً، كحال السيدة "هدى" التي أجبرها أهلها على الزواج من شاب يتمتع بمقومات مادية نالت رضاهم وإعجابهم، مع رفضهم القاطع لزواجها من الشاب الذي أحبته وأحبها، وبعد محاولات فاشلة عديدة من "هدى" لعدم إتمام "زواج الصفقة" خضعت لسيطرة أهلها، وقررت أن تقلب صفحة الماضي وتبدأ حياة جديدة مع زوجها الثري، لكن الماضي رفض أن يرحل عنها وحوّل حياتها إلى جحيم، فقد خضعت لجلسات استجواب عديدة من زوجها بعد زفافها بيومين فقط، ولم تستطع إنكار الماضي لأن علاقتها بذلك الشاب كانت معروفة في كل المنطقة، لذلك اعترفت لزوجها عن حبها القديم وأخبرته أنه كان حباً طاهراً ومبنياً على نية الزواج، وقد أقسمت لزوجها أنها ستكون زوجة مخلصة ووفية وأماً صالحة، إلا أن زوجها كان في كل خلاف أو شجار معها ينعتها بالخيانة وبأنها ما زالت تعشق حبيبها الأول، فهو يتخيله في كل لحظة، والنتيجة حياة زوجية مليئة بالمشاجرات والتهديد بالطلاق"!
خير الأمور أوسطها
بعض الأشخاص يحققون معادلة الوسطية في هذا الموضوع فلا ينكرون الماضي ولا يدخلون في تفاصيله، أي يقولون ما يجب قوله ليس أكثر، وهذا ما أكده غياث حسن – مدقق مالي- الذي يستعد للزواج خلال فترة قصيرة، حيث يقول: "أنا لا أؤيد أن يقول الشاب كل شيء عن ماضيه لمن سيتزوجها، فهذا يعكر صفو الحياة الزوجية، خصوصاً إذا كانت التفاصيل محرجة، وبالمقابل أهتم كثيراً بماضي الفتاة التي سأتزوجها، وأسألها عنه، لكن ليس بالضرورة أن يعكس ماضي الفتاة صورة واضحة وصحيحة عنها فقد تخطئ أي فتاة في حياتها ويكون لها ماض سيء، لكنها تندم وتقرر التوبة وبداية حياة جديدة دون أخطاء، وإذا التقيت أنا شخصياً بهذه الفتاة وتأكدت أن توبتها صادقة أسامحها وأقبل بها زوجة، ولن أستغل ثقتها بي أو أجعلها تندم يوماً لأنها صارحتني، وبشكل عام الشاب يهتم بماضي الفتاة أكثر من اهتمام الفتاة بماضي الشاب، لأن علاقات الفتاة موضوع حساس جداً عند الشاب".
لم أفعل ما أخجل منه.. لكن احترام الخصوصية ضروري
هناك فتيات يُضرب بهن المثل بأخلاقهن العالية، ولا يعني إذا تعرّفت إحداهن على شاب وانفصلت عنه لسبب ما أنها أصبحت فتاة سيئة، ومن جهة أخرى نرى ونسمع عن فتيات أخريات يقمن العلاقات لمجرد الارتباط والتسلية، الأمور نسبية في هذا الموضوع، وهذا يعود إلى طبيعة العلاقة، وتقول فرح برو -طالبة في كلية الإعلام- : "أي شخصين يحبان بعضهما يمكن أن يتلافيا أخطاء الماضي ويمضيا سوياً إلى الأمام، أما إذا كان الشخص الذي اختارني وأحبني مُصر على معرفة الماضي الذي تخطيته، فأفضّل أن يعرف ما يجب أن يعرفه فقط، لأني أرى في ذلك خصوصية أحب الاحتفاظ بها لنفسي، رغم أنني لا أحب الكذب، وأنا أعطيه الحق بالتدخل بخصوصياتي بعد ارتباطي به استناداً إلى التشاركية الزوجية فقط، لكن مجتمعاتنا الشرقية للأسف تبرر للرجل ما لا تبرره للمرأة، والرجل الشرقي بدوره اعتنق هذه الفكرة لدرجة الهوس، وظن أنه سيحظى بالفتاة التي لم يسبقه إليها أحد، وأنا أؤيده برؤية تلك الفتاة التي يحلم بها إذا كانت في سن صغيرة أو منشغلة بدراستها عن الأمور العاطفية، لكني أنصح كل شاب: "أن يهتم بالمستقبل وينسى الماضي و عفى الله عما مضى".
رأي الاختصاص النفسي: الأمر يتوقف على التوازن النفسي للشريكين
الاختصاصية في علم النفس العيادي السيدة "رشا طيري" تحدثت عن هذا الموضوع قائلة:
"إن الشفافية والصدق والصراحة والثقة والعواطف الواضحة هي من مقومات العلاقة الزوجية المستقرة والناجحة، إلا أنها لا تفرض على طرفي العلاقة التحدث عن تفاصيل الماضي لأي منهما، ولا يوجد دراسات نفسية اهتمت بمدى تأثير ماضي الفتاة على مستقبلها أو على علاقتها مع الشريك، فالأمر يتوقف على المجتمع الذي تعيش فيه الفتاة، وعلى التوازن النفسي للشريكين، أكثر من كونه يتعلق بشخصها، ونجد هنا أن المجتمع للأسف يطبّق على المرأة عنفاً قائماً على النوع الاجتماعي "الجندر" حيث يميّز بالمعاملة بين المرأة والرجل، لذا نقبل التفاخر بعلاقات الماضي عند الرجل، بينما هذا التفاخر يمكن أن يضع المرأة في دائرة الشك".
وتضيف: "بالنسبة للصراحة بين الشريكين فهي أمر نسبي حسب قبول الطرفين لها، إلا أنه يُنصح في علاقة الشراكة الزوجية "كما في باقي العلاقات" أن يكون هناك مساحة من الحرية الشخصية التي تتناغم مع الثقة والشفافية المتبادلة والمتعادلة بين الطرفين، وبأن يتم التحدث عن الماضي بشكل عادي ومتدرج دون إعطاء هذا الموضوع أكثر من حقه، وليس بالضرورة أن نبحث ونفتش بكل تفاصيل العلاقات السابقة كشرط من شروط نجاح الزواج، فإذا راجعنا بعض القصص من حولنا نصل إلى نتيجة مفادها: "إنه خلال مراحل الحياة يمكن للإنسان أن يمر بشكل طبيعي بأكثر من علاقة حتى تستقر عواطفه وقناعاته عند شخص معين دون غيره، وهي بالنهاية تجارب يبني عليها الإنسان خبراته الحياتية، وفي بعض الحالات رغم عدم استقرار هذه القناعات بكاملها عند شريك الحياة الزوجية الحالي فإننا نجد أنه من الممكن أن تستمر الحياة الزوجية دون منغصات".
وبالنهاية نقول إن المهم هو الصدق الداخلي للإنسان مع نفسه قبل أن يكون مع الآخرين، وصراحته مع ذاته قبل الآخرين، ولننظر إلى المستقبل فهذا أكثر أهمية من نبش الماضي الذي رحل وطوت صفحته الأيام، الحياة دائماً مليئة بالأمل وبحلم جديد مشرق يقودنا إلى السعادة التي نتوق إليها إذا كان قوامه الوضوح والصراحة والثقة بالنفس التي تحقق لنا الأمان الداخلي، وأيضاً تكون حافزاً ومحرضاً أساسياً لأن نكون أكثر توازناً مع محيطنا الاجتماعي.