تساءل البعض واصفاً إياه بالإنسان صاحب المبادئ العليا، بذوي الشخصية الغير عادية، بالشاب الخلوق، بالطالب المثابر، بالولد البار، بذوي النظرة الحكيمة للأمور، بالشخص القدوة، المتفهم لما حوله من أناس بشكل خاص ومن ظروف بشكل عام.
كان يؤمن أن المخالفات والتجاوزات لأي مبدأ وفي مختلف نواحي الحياة، قد تولد صغيرة ولكن لا شيء يبقى على حاله فلا بد لها من أن تنمو وتتطور لتصبح كبيرة، فالخرق لأي مبدأ مهما كان بسيط وعلى مستوى ضيق يصبح مع الأيام معقد ويتطور ليغدو على نطاق واسع إذا لم تتم معالجته قبل أن يصبح داء خطير يفتك بالجسد وحينها قد يكون العلاج شبه مستحيل.
طبعاً لا شيء يأتي من فراغ فالتزام ذلك الشاب وإيمانه بمبادئه وأفكاره لم تكن وليدة الصدفة، فلكل نتيجة سبب سابق عليها سواء أكان السبب واضحاً بيناً أم خفياً مقنعاً... ففي طفولته كان يشبه الغالبية العظمى من الأطفال فكان يقع أسيراً للعقاب من جراء ارتكابه لسلوك خاطئ، وعلى الرغم من شدة ذلك العقاب أحياناً وسهولته أحياناً أخرى ( انطلاقاً من أسلوبي العقاب الإيجابي والسلبي )، إلا أن العقاب بنوعيه كان ذو نتائج إيجابية، فعندما بلغ رشده وبدأت الأمور تتضح من حوله وبات يدري ما الحياة وما تخلفه من التزامات تُفرض على الجنس البشري، حينها فقط فهم معنى وقيمة تلك العقوبات، فالصفعات التي تعرض لها في طفولته وعلى الرغم من عدم كثرتها إلا أنها كانت كافية ليبدأ مسيرة حياته بتلك المرحلة العمرية وكله إيمان ويقين بأن الله سيكون له ناصراً ومعيناً طالما أنه يسير في ظل مبادئ آمن بها والتزم فيها قولاً وفعلاً.
وهنا أود القول وعلى هامش الحديث: (ليس الجدوى بكثرة العقاب ولا بقسوته وإنما بحسن استخدامه وذلك يكون بشكل معتدل وحسب كل حالة، فهناك فروق فردية ضمن هذا الإطار ويجب على أولياء الأمور الانتباه لتلك الفروق ليحقق العقاب والثواب ما نصبو إليه).
وبالنسبة لذلك الشاب كان هناك ما هو أشد إيلاماً له من تلك الصفعات - التي نالها في طفولته والتي كانت كنتيجة طبيعية وحتمية لسلوك خاطئ بدر منه وعوقب عليه من أناس أهدافهم واضحة كأبويه ومعلميه – وهي صفعات من نوع آخر (كذب – نفاق – ظلم – غدر وغيرها الكثير) والتي صار يتعرض لها في رشده ولكن الفرق الأول هنا، أن هذه الصفعات كانت كمحاولة لردعه عن مبادئه وصدق تعامله وسلوكه السوي والذي لا يعرف فيها الحلول الوسط فمبدأ الأمانة لا يُعرف لديه من خلال الحياد فإما هو شخص أمين أو لا... والفرق الثاني، أنها كانت من قبل أشخاص أهدافهم غير واضحة ولم يكن يوماً لديه أدنى توقع أنهم سيقابلون الخير بالشر، لكنه كان على ثقة بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
الآن وعلى الرغم من كل ما تعرض له من ظروف وأزمات وعقبات وصفعات من أقرب الناس مع تجاوزه لها ونجاحه بمختلف نواحي الحياة، ما زال البعض ممن حوله ينظرون إليه نظرة قاصرة ويحكمون عليه انطلاقاً من زاوية ضيقة والتي تتمثل بقدر قدره الله عليه، ذلك القدر الذي رضي به وكان محفزاً له لأن يواجه كل ما يتعرض له بقوة وصبر وإيمان دون أن يكون للقنوط حيز في حياته متأكداً بأن الكمال لله وحده ونحن بشر ومحال أن نصل لدرجة الكمال ولكن كل إنسان يحاول جاهداً أن يصل لأقرب درجات الكمال فكل إنسان ناقص وسيبقى ناقص.
إلا أن هناك دائماً من يعكر صفو الرضا لديه، ممن لا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس وقد يتجاهلوا رؤية النصف المملوء، أو قد يروه ولكن لا يعطوه أي أهمية ولا قيمة.
وهنا قد يقول البعض: لا فهذا كلام مبالغ فيه !! فلكل مجتهد نصيب والإنسان وحده قادر على إثبات نفسه وتجاوز الظروف وتجاهل النقص الموجود مهما كان، هنا أقول لأولئك أن التنظير والكلام من أسهل الأمور لأنهم خارج الدائرة ولم يجربوا يوماً أن يكونوا جزءاً من تلك الدائرة.
فانطلاقاً من حالات عايشتها لاحظت ظلم وقسوة من قبل المجتمع لأولئك الذين يعانون من قصور جسدي أو عقلي أو حسي على سبيل المثال كهذا الشاب الذي تقرؤون عنه الآن فعلى الرغم من أن ذلك النقص شيء لا يستطيع التحكم فيه وعلى الرغم من قدرته على تجاوزه، إلا أن الناس ذوي التفكير الأعوج يوجهون له تهمة النقص واللاسواء وأحياناً الشفقة سواء سراً أو جهراً، وهنا أقول ليتنا نشعر ببعض ونضع أنفسنا بمكان شخص كهذا فهو إنسان ولا بد أن يتأثر بمن حوله ولا يعني ذلك أنه ذو شخصية ضعيفة أو سلبية ولكن ذاك شيء طبيعي أن تؤثر فينا سلوكيات وأفكار من حولنا وإلا فنحن لسنا ببشر ولا نملك مشاعر، ومن العار أن نصف أنفسنا بصفات إنسانية!!! فهو ليس بكتلة حجرية أو جماد خالي من الروح، فبدلاً من أن يجد من يأخذ بيده ويكون له عوناً لإكمال مسيرة حياته وتجاوز ما يواجهه من عقبات يجد أناس ذوي عقليات متحجرة وقلوب ميتة وهذه أكبر عقبة قد تواجهه، وبالمقابل وجدت طريقة تعامل معاكسة لما سبق مع أشخاص لديهم أساليب تفكير وأخلاقيات سيئة ولكن الكثير ينظر لهم على أنهم أقرب ما يكونوا للكمال فقط لأنهم فيزيولوجياً يبدو عليهم الكمال، ويتعاملون معهم انطلاقاً من ذلك ولا يبصرون النقص الذي يتمثل لديهم في نواحي أخرى أشد خطورة ومن صنع أيديهم!!! فإلى متى ستبقى القشور الخارجية أقوى تأثير من الجوهر الداخلي علينا عموماً سواء بسلوكنا أو تفكيرنا؟
فمهما أطلقنا الشعارات وزركشنا العبارات نبقى بعيدين كل البعد عن التطبيق العملي على أرض الواقع، ولماذا ننسى محاسبة شخص (أعطاه القدر حظاً من الجمال والمال والصحة وغيره) على خطأ ارتكبه بحق نفسه وبحق الآخرين؟ ببساطة لأن القدر قد يشفع له لدى مجتمع متخلف يراه من الناحية الشكلية كامل الصفات.
وبالمقابل نحمِّل ذلك الإنسان الذي رضي بقدره واجتهد وكان منارة لمن يعرفونه حق المعرفة، نحمله عبئاً جديداً هو نظرة الانتقاص من شأنه وسوء المعاملة وكأنه ليس بإنسان ولا يحق له أن يعيش بشكل طبيعي ويمارس حياته كأي إنسان آخر، فهل من المعقول أن تشفع صفات كالجمال والصحة والمال لشخص ذو أخلاق سيئة ولا يملك أدنى الصفات الإنسانية، وبالمقابل لا تشفع صفات كالصبر والاجتهاد والصدق والأخلاق العليا لآخر لأن يعيش محققاً لرغباته دون أن يسمع أو يرى الرفض له وكأنه وباء حل بمن حوله !!!
لمن يملك جواب أوجه هذا السؤال:
لماذا يصدر البعض أحكام على أناس قليلي الحظ وانطلاقاً من قدرٍ قــــدَّره الله عليهم دون الالتفات لما يملكوه من صفات إنسانية قد لا توجد لدى الكثير ولا تقدر بثمن ؟؟؟
والله من وراء القصد